
القناة الرسمية للشيخ فيصل الحاشدي واتساب
842 subscribers
About القناة الرسمية للشيخ فيصل الحاشدي واتساب
ولي يومٌ سأرحل دون ريبٍ.. فهلّا ما نشرتُ نشرتموهُ!.. لعلَّ الله يجزينا بخيرٍ.. وما من سيّءٍ عنِّي ادفنوهُ."
Similar Channels
Swipe to see more
Posts

أثر التشجيع وحُسن التوجيه كم من موهبةٍ كامنةٍ لم تُكتشف، وكم من عقلٍ نابهٍ لم يُنتبه له، بل لُقِّن العجز والبلادة، حتى يقيّض الله له من يأخذ بيده، ويجلو عن عينه الغشاوة. تراه في بداياته يُخطئ ويُصيب، يتعثّر ويتردد، حتى يرزقه الله مَن يثني على محاسنه، ويصلح عثراته، ويهوِّن زلّاته، فينبت طموحه كما تنبت الزهرة في أرضٍ قاحلة. فالتشجيع مفتاح، والنقد الجارح يعمي ويصم. والكلمة القاسية قد تطفئ نور الموهبة، كما تطفئ الريح آخر سراجٍ في ليلٍ بارد. 📖 وقد حدث هذا للعلامة سليم البخاري، كما يروي صاحب علو الهمة، فقد ألّف رسالةً عجيبة، ثم عرضها على شيخه وكان جالسًا على النار يتدفأ، فأخذ الشيخ الرسالة، ثم رماها في النار، وقال له: "أبلغُ من قدرك أن تُصنِّف؟! وأنت؟ وأنت؟!" فكانت تلك أولَ رسالةٍ كتبها البخاري، وآخر رسالةٍ له، إلى أن لقي الله! 📜 أما كاتبُ هذه السطور، فقد ألّف أول رسالة له بعنوان: "فن الحوار"، وقدّمها لشيخه الإمام المجدد مقبل بن هادي الوادعي –رحمه الله–، فأعجب بها، وأثنى عليها، وكتب لها مقدمةً لو قرأتها لطنّت في أذنك ألفَ بشارة، وكان مما قال: "وفيصلٌ أعرفه محبًّا للسنة، مبغضًا للبدعة، قد فتح الله عليه، ووهبه ذكاءً خارقًا." فكنتُ عنده كما قيل: إنَّ البُغاثَ بأرضِنا تستنسرُ. فما وسعني إلا أن أصدق شيخي، فأخذتُ بالسوط أضرب به كسل نفسي، وأشحذ همّتي، حتى بلغت مؤلفاتي –بحمد الله– نحو مائة مصنَّف ورسالة، وما زال الطريق مفتوحًا للسعي. نسأل الله القَبول، وأن يرحم شيخنا مقبلا رحمة واسعة، ويجزيه عني وعن طلابه خير الجزاء. فيصل الحاشدي

🔑 مفاتيحُ الغيثِ الحمدُ للهِ في القضاءِ والبلاءِ، لا يُمسِكُ الغيثَ إلَّا بحكمةٍ، ولا يُنزِلُه إلَّا برحمةٍ. وقد شحَّ المطرُ عن أغْلبِ الديارِ اليمانيَّة، وما ذلك إلَّا نذيرٌ للقلوبِ أن تُفيق، فلن تُستدرَّ رحمةُ الله إلَّا بتوبةٍ صادقةٍ، واستقامةٍ على شرعه، ثمَّ بإحياءِ السننِ المهجورةِ، ومنها: دعاءُ الخُطباءِ في خُطبِ الجُمعةِ، وإقامةُ صلاةِ الاستسقاءِ في عمومِ البلادِ. ✒️ فيصل الحاشدي

قَبولُ العُذرِ ما أَصْفَى القُلوبَ إذا صَفَتْ، وما أَعْلاها مَقامًا إذا عَفَتْ! فإنَّ مِن دَلائلِ المروءةِ، وكَمالِ الأَدبِ، وعُلُوِّ النَّفْسِ: أَنْ يُحْسِنَ المَرْءُ الظَّنَّ، ويَقْبَلَ العُذْرَ، ويَصْفَحَ عن الزَّلَّةِ، ويَفْتَحَ لِلمُعْتَذِرِ بابَ السَّماحِ والعافِيَةِ. فإذا جاءَ المُسيءُ مُعْتَذِرًا، فقد مَحا العُذْرُ ذَنْبَهُ، وسَقَطَ ما في قَلْبِ الكَريمِ عليه، كما قيلَ: إذا اعْتَذَرَ الجاني مَحا العُذْرُ ذَنْبَهُ وكُلُّ امْرِئٍ لا يَقْبَلُ العُذْرَ مُذْنِبُ (الحَماسَةُ البَصْرِيَّة، ٢/٢٠) وهكذا هُم كِرامُ النّاسِ إذا أتاهمُ المُعْتَذِرُ، قَبِلوا عُذْرَهُ مِن أَوَّلِ وَهْلَةٍ، سَواءٌ أَصَدَقَ أَمْ تَكَلَّفَ، ورَدُّوا عليهِ بِكَلماتٍ عَذْبَةٍ، كَأَنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ قَطُّ. وأمّا لِئامُ النُّفوسِ، فإنَّهُم يُقابِلونَ الاعْتِذارَ بِالتَّقريعِ، والاعْتِرافَ بِالتَّوبيخِ، فيُغْلِقُونَ أَبوابَ الصَّفْحِ، ويُوقِدونَ في صَدْرِ المُعْتَذِرِ غَلَيانَ الحِقْدِ كَغَلَيانِ المِرْجَلِ! وقد قيلَ في أَدَبِ العَفْوِ: اِقْبَلْ مَعاذِيرَ مَن يَأْتِيكَ مُعْتَذِرًا إِنْ بَرَّ عِندَكَ فيما قالَ أَوْ فَجَرًا فَقَدْ أَطاعَكَ مَنْ يُرْضِيكَ ظاهِرُهُ وَقَدْ أَجَلَّكَ مَنْ يَعْصِيكَ مُسْتَتِرًا (ديوانُ الصَّبابةِ لِلمَغْرِبِي، ص٥٨) فالعَفْوُ وتَرْكُ المُؤاخَذَةِ وقَبولُ العُذْرِ لَيْسَ خُلُقًا عابِرًا، بَلْ هُوَ مِن أَسْبابِ الرِّفْعَةِ والعِزِّ في الدُّنيا والآخِرَةِ، كما قالَ نَبِيُّنا ﷺ في الحديثِ الصَّحيحِ: "وَما زادَ اللهُ عبدًا بِعَفْوٍ إِلّا عِزًّا" (رواهُ مُسْلِمٌ، رقم: ٢٥٨٨) وما أَجْمَلَ ما قالَهُ الخَلِيلُ بنُ أَحْمَدَ في هذا البابِ، إذْ لَخَّصَ مَقامَ العَفْوِ والصَّفْحِ في أَبْياتٍ جامِعَةٍ: سَأَلْزِمُ نَفْسِيَ الصَّفْحَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ وَإِنْ كَثُرَتْ مِنْهُ إِلَيَّ الجَرَائِمُ فَما النّاسُ إِلّا واحِدٌ مِنْ ثَلاثَةٍ شَرِيفٌ وَمَشْرُوفٌ وَمِثْلٌ مُقاوِمُ فَأَمّا الَّذِي فَوْقِي فَأَعْرِفُ قَدْرَهُ وَأَتَّبِعُ فِيهِ الحَقَّ وَالحَقُّ لازِمُ وَأَمّا الَّذِي دونِي فَأَحْلُمُ دائِبًا أُصُونُ بِهِ عِرْضِي وَإِنْ لامَ لائِمُ وَأَمّا الَّذِي مِثْلِي فَإِنْ زَلَّ أَوْ هَفَا تَفَضَّلْتُ إِنَّ الفَضْلَ بِالحِلْمِ حاكِمُ ✒️ فيصل الحاشدي

الدّاعِيَةُ الصَّامِتَة حِجَابُكِ لَيْسَ قِطْعَةَ قُمَاشٍ تُلْقَى عَلَى الرَّأْسِ فَحَسْب، بَلْ رَايَةُ عِفَّةٍ، وَعَلَمُ طُهْرٍ، وَشِعَارُ وَلَاءِ لِرَبِّ السَّمَاءِ. إِنَّهُ رِسَالَةٌ صَامِتَةٌ تَنْفُذُ إِلَى القُلُوبِ، وَبَيَانٌ نَاطِقٌ بِالْوَقَارِ وَالْحَيَاءِ. فَالْتِزَامُكِ بِالْحِجَابِ الشَّرْعِيِّ بِشُرُوطِهِ السَّبْعَةِ دَعْوَةٌ نَاصِعَةٌ، وَشَهَادَةُ صِدْقٍ لِمَعْنَى الْعُبُودِيَّةِ: ١. أَنْ يَسْتُرَ الْبَدَنَ كُلَّهُ، ٢. وَأَنْ يَخْلُوَ مِنَ الزِّينَةِ وَاللَّوْنِ الْفَاتِنِ، ٣. وَأَنْ يَكُونَ غَلِيظًا لَا يَشِفُّ، ٤. وَوَاسِعًا لَا يَصِفُ، ٥. وَلَا يَكُونَ مَطِيبًا وَلَا مُعَطَّرًا، ٦. وَلَا يُشْبِهَ لِبَاسَ الرِّجَالِ، ٧. وَلَا لِبَاسَ الْكَافِرَاتِ أَوِ الْفَاسِقَاتِ. وَحِينَ تَخْفِضِينَ صَوْتَكِ، وَتَتَأَدَّبِينَ فِي كَلَامِكِ، وَتَتَحَفَّظِينَ فِي مُخَاطَبَةِ الرِّجَالِ إِلَّا لِحَاجَةٍ ضَرُورِيَّةٍ، فَذَلِكَ دَعْوَةٌ… بِلَا خُطَبٍ وَلَا مِنْبَرٍ. كَلَامُكِ دَعْوَةٌ، وَسَمْتُكِ دَعْوَةٌ، وَصَمْتُكِ دَعْوَةٌ، وَتَوَاضُعُكِ دَعْوَةٌ، وَأَدَبُكِ دَعْوَةٌ، وَوَقَارُكِ دَعْوَةٌ، وَصَبْرُكِ عَلَى الْأَذَى دَعْوَةٌ، وَدَفْعُكِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ دَعْوَةٌ، وَعَفْوُكِ عَنِ الْمُسِيءِ دَعْوَةٌ، وَإِعْرَاضُكِ عَنِ الْجَاهِلِ دَعْوَةٌ. فَكَيْفَ إِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ؟ هُنَا تَتَجَلَّى أَنْثَى تَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ… تَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ نُورًا. ✒️ فيصل الحاشدي

🔹 حُسْنُ الاسْتِمَاعِ 🔹 فِي زَمَنٍ تَضُجُّ فِيهِ الأَصْوَاتُ، وَتَتَنَازَعُ فِيهِ الأَلْسُنُ، يَبْقَى حُسْنُ الاسْتِمَاعِ خُلُقًا نَبِيلًا، يُزْهِرُ بِهِ العَقْلُ، وَيُثْمِرُ بِهِ الفَهْمُ، وَيُهَذِّبُ بِهِ المَرْءُ طِبَاعَهُ. فَلَيْسَ الاسْتِمَاعُ مُجَرَّدَ صَمْتٍ، بَلْ هُوَ أَدَبٌ عَمِيقٌ، وَتَقْدِيرٌ لِلْمُتَحَدِّثِ، وَفَنٌّ مِنْ فُنُونِ الحُضُورِ العَقْلِيِّ وَالقَلْبِيِّ. وَحُسْنُ الاسْتِمَاعِ هُوَ إِنْصَاتُ السَّامِعِ لِمُحَدِّثِهِ بِالقَلْبِ قَبْلَ الأُذُنِ، وَبِالوَجْهِ قَبْلَ اللِّسَانِ، بَعِيدًا عَنِ التَّشَاغُلِ وَالشُّرُودِ، وَمُتَجَنِّبًا لِلْمُقَاطَعَةِ، وَإِنْ طَالَ الحَدِيثُ حَتَّى يُتِمَّهُ. وَقَدْ أَثْنَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى هَذَا الأَدَبِ فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [سُورَةُ الزُّمَرِ: ١٨] أَيْ يُحْسِنُونَ الاسْتِمَاعَ، وَيُمَيِّزُونَ الأَقْوَمَ، فَيَتَّبِعُونَهُ دُونَ عَجَلَةٍ أَوْ جَدَلٍ. وَفِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: «يَا ذَا الأُذُنَيْنِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (رَقْم: ٢٧٣٠) وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الشَّمَائِلِ الْمُحَمَّدِيَّةِ (حَدِيثٌ رَقْم: ٢٠٠). قَالَ العُلَمَاءُ: هَذَا مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَهَمِّيَّةِ حُسْنِ الاسْتِمَاعِ، وَكَأَنَّهُ ﷺ يُذَكِّرُهُ بِأَنَّ لَهُ أُذُنَيْنِ، فَلْيُحْسِنِ الإِنْصَاتَ وَالاسْتِفَادَةَ. وَقَدْ عَبَّرَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ عَنْ ذَلِكَ بِدِقَّةٍ فَقَالَ: "تَعَلَّمْ حُسْنَ الاسْتِمَاعِ، كَمَا تَتَعَلَّمُ حُسْنَ الكَلَامِ، فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ لَكَ فَضْلُ الكَلَامِ إِلَّا بِحُسْنِ الاسْتِمَاعِ. وَمِنْ حُسْنِ الاسْتِمَاعِ: إِمْهَالُ المُتَكَلِّمِ حَتَّى يُنْهِيَ حَدِيثَهُ، وَقِلَّةُ التَّلَفُّتِ إِلَى الجَوَابِ، وَالإِقْبَالُ بِالوَجْهِ، وَالنَّظَرُ إِلَى المُتَكَلِّمِ، وَالوَعْيُ لِمَا يَقُولُ" [الأدبُ الصغيرُ والأدبُ الكبيرُ، ص: ١٢٩] 🔹 وَمِنْ رَوَائِعِ أَبِي تَمَّامٍ: 🔹 مَنْ لِي بِإِنْسَانٍ إِذَا أَغْضَبْتُهُ، وَجَهِلْتُ... كَانَ الحِلْمُ رَدَّ جَوَابِهِ؟ وَإِذَا طَرِبْتُ إِلَى المُدَامِ شَرِبْتُ مِنْ أَلْفَاظِهِ وَسَكِرْتُ مِنْ آدَابِهِ وَتَرَاهُ يُصْغِي لِلْحَدِيثِ بِطَرْفِهِ... وَبِقَلْبِهِ، وَلَعَلَّهُ أَدْرَى بِهِ! فَمَا أَرْقَى تِلْكَ القُلُوبَ الَّتِي تُنْصِتُ، لَا لِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ، بَلْ لِتَفَهُّمِ الحَقِّ، وَتَوْقِيرِ المُتَكَلِّمِ، وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ. 🖋️ فيصل الحاشدي

اِعْتِذَارُ الْكَرِيمِ نَقْدًا، وَاللَّئِيمِ دَيْنًا. فَالْكَرِيمُ، إِذَا أَغْضَبَ أَخَاهُ، لَمْ يُمْهِلْ قَلْبَهُ حَتَّى يَتَصَدَّعَ، وَلَا الْجُرْحَ حَتَّى يَتَقَيَّحَ، بَلْ يُسَارِعُ إِلَى الْاِعْتِذَارِ، وَيُبَادِرُ إِلَى جَبْرِ الْخَاطِرِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَفْحِلَ الْأَلَمُ. وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (٣٤٦١) فَالصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ خَيْرُ مَنْ وَطِئَ الثَّرَى بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، لَمْ يَنْتَظِرْ أَنْ يُعَاتَبَ، وَلَا تَرَدَّدَ فِي الرُّجُوعِ، بَلْ أَسْرَعَ إِلَى صَاحِبِهِ يَسْأَلُهُ الصَّفْحَ، كَأَنَّمَا يَخْشَى عَلَى الْوُدِّ أَنْ يُخْدَشَ، أَوْ عَلَى الصُّحْبَةِ أَنْ تُثْلَمَ. وَفِي هَذَا سُمُوٌّ فِي الْخُلُقِ، وَتَوَاضُعٌ فِي الْمَقَامِ، وَعَظَمَةٌ فِي الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الْكَرِيمَ لَا يَبِيتُ وَقَلْبُ أَخِيهِ مَوْجُوعٌ، وَلَوْ كَانَ الْمُخْطِئَ هُوَ. ✦ وَاللَّئِيمُ بِخِلَافِهِ، يُرَاوِغُ بِالِاعْتِذَارِ، وَيُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَفْسُدَ الْجُرْحُ وَيَيْبَسَ الْوُدُّ، وَكَأَنَّ الْعُذْرَ دَيْنٌ ثَقِيلٌ لَا يُؤَدَّى إِلَّا إِذَا ضَاعَتْ قِيمَتُهُ. وَقَدْ قَالَ أُسْتَاذُنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ الْعِمَادُ – حَفِظَهُ اللَّهُ: "اِعْتَذِرْ مِنْ أَخِيكَ فِي عَجَلٍ... أَطْفِئِ النَّارَ وَهِيَ تَشْتَعِلُ." ثُمَّ أَرْدَفَ – حَفِظَهُ اللَّهُ – حِكْمَةً بَالِغَةً: "إِنْ جَمْرًا تَحْتَ الرَّمَادِ، وَمَا... يُطْفِئُ الْجَمْرَ ذَالِكَ الْمُطْلُ." فَلَا تُؤَخِّرْ كَلِمَةً تُحْيِي، وَلَا تُسَوِّفْ بِعُذْرٍ، قَدْ لَا يَجِدُ قَلْبًا حَيًّا يَسْمَعُهُ. أَعْطِ الْمَوَدَّةَ حَقَّهَا، قَبْلَ أَنْ تَسْرِقَهَا لَحْظَةُ كِبْرٍ. ✒️ فَيْصَلُ الْحَاشِدِي

تَحَمُّلُ كَلِماتِ أَهْلِ الفَضْلِ قَدْ تَصْدُرُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْمَكَانَةِ وَالرِّفْعَةِ كَلِمَاتٌ ظَاهِرُهَا الْجَفَاءُ، أَوْ فِيهَا غَمْطٌ لِحَقِّكَ، وَلَيْسَ كُلُّ قَائِلٍ قَاصِدًا، وَلَا كُلُّ نَاصِحٍ مُوَفَّقًا فِي لَفْظِهِ. وَهُنَا يَتَجَلَّى كَرَمُ الطَّبْعِ، وَسُمُوُّ النَّفْسِ، وَرُقِيُّ الْمُرُوءَةِ: أَنْ تَلْتَمِسَ الْعُذْرَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ إِذَا زَلَّ لِسَانُهُمْ، أَوْ غَلُظَتْ عِبَارَاتُهُمْ، وَأَنْ تَحْمِلَ كَلَامَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْمَحَامِلِ، كَمَا تَصْنَعُ مَعَ وَالِدَيْكَ إِذَا اشْتَدَّا عَلَيْكَ، فَإِنَّمَا يَرْفَعُ الْإِنْسَانَ أَدَبُهُ مَعَ الْفُضَلَاءِ، لَا اشْتِدَادُهُ فِي رَدِّهِمْ. وَأَمَّا اللَّئِيمُ، فَلِخَسَاسَةِ طَبْعِهِ لَا يَعْذِرُ فَاضِلًا، وَلَا يَعْرِفُ لِأَهْلِ السَّبْقِ أَقْدَارَهُمْ، بَلْ يُبَادِرُ بِالرَّدِّ وَالِانْتِصَارِ لِذَاتِهِ، وَمَا ذَلَّ مَنْ تَوَاضَعَ لِلْحُرِّ، وَلَا عَزَّ مَنْ جَحَدَ الْكَرِيمَ. تَأَمَّلْ كَيْفَ تَحَمَّلَ نَبِيُّنَا ﷺ مَقَالَةَ أَخِيهِ مُوسَىٰ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ قَالَ: «يَا رَبِّ، هَذَا الْغُلَامُ الَّذِي بَعَثْتَهُ بَعْدِي، يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي؟!» 📘 رواه البخاري (٣٣٥)، ومسلم (١٦٤) فَمَا رَدَّ عَلَيْهِ ﷺ بِغِلْظَةٍ، وَلَا اسْتَنْكَرَ تَسَاؤُلَهُ، بَلْ تَجَلَّى مِنْهُ الْحِلْمُ الَّذِي زَادَهُ اللهُ بِهِ فَضْلًا عَلَى فَضْلٍ. وَانْظُرْ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لَمَّا قَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟!» 📘 رواه البخاري (٥٧٢٩)، ومسلم (٢٢١٩) فَلَمْ يَغْضَبْ عُمَرُ، وَلَمْ يَشْتَدَّ فِي الْجَوَابِ، بَلْ قَالَ فِي سَكِينَةِ الْعَالِمِ: «نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ.» بَلْ تَحَمَّلَ عُمَرُ – وَهُوَ الْأَمِيرُ وَالْخَلِيفَةُ – مَقُولَةَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ، حِينَ قُلْنَ لَهُ: «أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ.» 📘 رواه البخاري (٣٢٩٤)، ومسلم (٢٣٩٦) فَمَا أَوْجَعَهُنَّ، وَلَا احْتَقَرَ قَوْلَهُنَّ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الْغِلْظَةَ قَدْ تَصْدُرُ مِنَ الْحِرْصِ، وَأَنَّ النُّصْحَ فِي الْعِتَابِ لَا يُنْقِصُ مَنْزِلَةً، بَلْ يُظْهِرُ صِدْقَ الْمَحَبَّةِ. فَإِذَا صَدَرَتِ الْكَلِمَةُ الْجَافِيَةُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْمُرُوءَةِ، فَلَا تَجْعَلْهَا سَبَبًا لِلْقَطِيعَةِ، وَلَا مَجَالًا لِلضَّغِينَةِ، بَلْ فَكِّرْ فِي مَا وَرَاءَهَا، وَتَذَكَّرْ فَضْلَهُمْ وَسَابِقَتَهُمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْفَضْلِ مَتَىٰ نَبَّهَهُمُ اللهُ إِلَىٰ مَا صَدَرَ مِنْهُمْ، عَادُوا إِلَى إِنْصَافِكَ، وَاعْتَرَفُوا بِمَكَانَتِكَ، وَأَثْنَوْا عَلَيْكَ خَيْرًا، فَهُمْ أَهْلُ حَقٍّ، وَإِذَا بَانَ لَهُمُ الصَّوَابُ رَجَعُوا إِلَيْهِ، وَمَنْ عَرَفَ قَدْرَ أَهْلِ الْفَضْلِ رَفَعَهُ اللهُ. ✒️ فَيْصَلُ الْحَاشِدِي

خاطِبِ القلوبَ قبلَ العقول الناسُ تميل لمن يلامسُ مشاعرَها بلُطفٍ ورحمة، لا لمن يُجادلُها بعقلٍ جافّ. وقد سبق أهلُ الباطل إلى هذا الباب، فبلغوا بما أظهروا من لينٍ ما لم يبلغه غيرهم. فكن رفيقًا بدعوتك، تُصِب القلوب وتفتح العقول، كما قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ﴾. فيصل الحاشدي