نبض الأمة؛؛؛
نبض الأمة؛؛؛
June 11, 2025 at 07:45 PM
*"الحق بين إجلال العلماء والانقياد للدليل"* كتبه | م. سامح بسيوني ⸻ من الحقائق الجليّة التي لا يختلف عليها اثنان من أهل السُّنَّة: أن توقير العلماء وتعظيمهم من أصول الدين ودعائم الشريعة. فقد قال الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11] ، وقال ايضا: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 9]. وكذلك قال رسول الله ﷺ: “ليس منّا من لم يُجِلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقَّه” (رواه أحمد والطبراني، وحسّنه الألباني). وقد جسَّد السلف الصالح هذا المعنى بأفعالهم؛ فهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، كان يُمسك برِكاب دابة زيد بن ثابت رضي الله عنه، ويُعِينُه على الركوب، ويقول: “هكذا أُمِرنا أن نفعل بعلمائنا”. غير أن توقير العلماء لا يعني العصمة لهم، ولا التسليم المطلق لأقوالهم، مهما بلغت منزلتهم؛ فإن العصمة لا تثبت إلا لرسول الله ﷺ، كما قال الإمام مالك رحمه الله: “كلٌّ يُؤخذ من قوله ويُترك، إلا صاحب هذا القبر”. فالعلماء بشر، يُصيبون ويُخطئون، وأقوالهم تُعرَض على الكتاب والسُّنَّة، وعلى فهم أصحاب النبي ﷺ الذين تلقّوا الوحي غضًّا طريًّا، والتزموا بأمر نبيهم واقعًا عمليًّا. فما وافق النصَّ قُبِل، وما خالفه رُدّ؛ فالدليل هو الأصل، والرجال تبعٌ له، كما قرَّر ذلك أئمة الهدى، لا كما يُروّج المتعصّبون من أتباع المذاهب. وقد كان الأئمة الكبار أنفسهم أشدّ الناس رفضًا لأن تُجعل أقوالهم حُجّة في ذاتها، بل قالوا: “إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي”. وهذه قاعدة عظيمة تهدم كلَّ تعصّب مذهبي أو تقليد أعمى. لذلك جعل الله طاعة العلماء والأمراء تابعة لطاعة الله وطاعة رسوله، وليست طاعة مطلقة، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: 59]. فجعل طاعة الله والرسول طاعة مطلقة، وأما طاعة أولي الأمر - وهم العلماء والأمراء - فجعلها مقيدة، وقد قال رسول الله ﷺ: “إنما الطاعة في المعروف” (متفق عليه). وقال أيضًا: “لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق” (رواه أحمد وصحّحه الألباني). لذلك، فالخطأ كل الخطأ أن تُعارَض النصوص والأحكام الشرعية الواضحة بأقوال بعض الرجال أو اجتهاداتهم، مهما علت مراتبهم الرسمية أو مكانتهم العلمية، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: “يُوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء! أقول: قال رسول الله ﷺ، وتقولون: قال أبو بكرٍ وعمر؟!”. وهذا ليس طعنًا في الشيخين، بلا شك، بل تعليمٌ للأمّة أن النصَّ فوق كلِّ أحد، وأنه لا يُحتجّ في مواجهة الحديث النبوي والنص الصحيح بقول أيّ أحد، كائنًا من كان. لذا، فإن من أخطر ما ابتُلي به المسلمون: التعصّب للمذاهب أو الأفراد و الدفع للإلزام بذلك، حتى يصير قول أحدهم حجة لا تُناقَش ولو كان مخالفًا للنص، ثم تُبنى على ذلك بدع وتأويلات شاذة وأقوال منكرة، يُضطر المدافع عنها إلى تأويلات باطلة، تصل في بعض الأحيان به إلى الشركيات والعياذ بالله! وهذا عين ما حذّر منه الأئمة، حين صرّحوا أن فقه الدليل هو الأصل، وأن من خالف الحديث فلا يُؤخذ بقوله، بل يُرد. فالعالِم إذا خالف قوله الدليلَ الشرعي، فالواجب ردّ هذا القول وبيان الحق للناس، مهما كانت رُتبته الوظيفية أو مكانته العلمية، مع حفظ قدره، وحسن الظنّ به، وعدم انتقاص منزلته، وذلك كما قال ابن القيم رحمه الله: “شيخ الإسلام حبيب إلى قلوبنا، والحقّ أحبّ إلينا منه”. فالناس يتفاضلون عند الله بقدر قربهم من هدي النبي ﷺ، وتمسّكهم بالكتاب والسُّنَّة، لا بمكانتهم ووظيفتهم في المجتمع، ولا برواجهم في الساحة الإعلامية أو حتى الدعوية. لذا ينبغي أن يكون شعارنا دائمًا: “الدليل أوّلًا”. وأن يكون انتسابنا إلى المنهج الصحيح لا إلى الأشخاص، وولاؤنا للحق لا للمتصدّرين، فإنما يُحبّ الرجل ويُوقَّر ويُتّبع بقدر التزامه بالوحي، لا لمجرّد اسمه أو شهرته. وعلى هذا؛ فلنحرص جميعًا - علماء وطلاب علم، متبوعين وأتباعًا - على أن ننشر الحق بالدليل، ونجعله أصل كل قول، وميزان كل فعل، مع حفظ الفضل لأهله، وتقديم الأعلم والأفقه، دون غلو أو تفريط. فالدليل هو العِصمة من الضلال، وهو الصراط الذي يُوصل إلى رضا الكبير المتعال. #بصائر #سامح_بسيوني
Image from نبض الأمة؛؛؛: *"الحق بين إجلال العلماء والانقياد للدليل"* كتبه | م. سامح بسيوني ⸻  م...
❤️ 1

Comments