
#البعد_الاخر | TheOtherDimension#
May 19, 2025 at 04:46 AM
الخرطوم.. تخريب ممنهج
بعد غياب دام أكثر من عامين وصلتُ إلى الخرطوم فجر السبت الموافق العاشر من مايو الجاري وقد كنتُ أُعدً لهذه اللحظات باهتمام بالغ حتى اقوم بالرصد والمتابعة ومن ثم الكتابة.. لكن عند دخولنا عبر الريفى الشمالي لمحلية بحري تغير كل شيء داخل نفسي واحبطتُ تماما وحزنتُ لحجم الدمار الذي طال كل شيء.
كنتُ قبل هذا الإحباط أتمثل كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي حينما زار دمشق :
دخلتها وحواشيها زمردة والشمس فوق لجين الماء عقيان
لأعبر بها عن فرحتي بالعودة.
وتارة أخرى أردد مطلع رائعة الشاعر الدبلوماسي المهندس والقانوني الفذ محمد أحمد المحجوب (الفردوس المفقود ) :
دخلتُ شطك بعد البين ولهانا
وذقتُ فيك من التبريح ألوانا
كل تلك الخواطر ضاعت مع دهشة ما شاهدت من خراب للعاصمة في ريفها وحواضرها والتلوث البصري الذي أضحى سيد الموقف.
وتغير إزًاء ذلك شعوري فأصبح لسان حالي قول المحجوب :
وسرتُ فيك غريبا ضلً سامره
دارا وشوقا وأحبابا وإخوانا.
واستمرت الرحلة إلى عمق المدينة وذهبت ملكة الكتابة وعكفت على تتبع مظاهر الخراب مشدوها فقد ارتسم على كل شيء.. كل الطرقات تستدعيك لتعيرها نظرة .. كل البنايات تلفت انتباهك علًها تجد منك لمحة وقد لفها الصمت الكئيب.. لم استطع أن اوازن بين مراقبة المشهد يمنة ويسرى مما جعلني افقد نصف المشاهدة.
في اليوم الثاني وصلتُ إلى بيتنا في محلية جبل أولياء وأصدق تعبير عن ذلك قول المتنبي :
بليتُ بٍلى الأطلال إن لم أقف بها
وقوف شحيح ضاع في التُرب خاتمه.
لا تعليق أكثر من ذلك فهو حالة عامة لكل من رأى دياره.
تحرير ولاية الخرطوم عمل بطولي عظيم وملحمة تأريخية لا يمكن اختزالها في سطور وخواطر عابرة وإنما تتطلب توثيقا دقيقا شاملا ومفصلا حتى يضاف لسفر أشهر الأحداث في العصر الحديث.. يجب أن ينبري لهذه المهمة الكبار من أولى عزم الكتابة والتوثيق لأنها مرحلة فارقة في تأريخ السودان .. تؤرخ لمعركة الكرامة التي خاضها شعب السودان وقواته المسلحة جنبا إلى جنب.
كنتُ في جميع المناسبات أكتب مباشرة أثناء الرحلة أو الحدث بدون تردد ولكن هذه المرة عجزتُ تماما عن الكتابة ذلك لعظم المهمة وهول الاستهداف الذي يبدو أنه كان ممنهجا فبعد أن فشل مخطط التغيير الديموغرافي عمد المتمردون إلى تدمير وتخريب البنية التحتية لكل المرافق الحيوية والاستراتيجية.
بدت الخرطوم حزينة وغبراء.. خربة ومتناثرة الأطراف من وعثاء وطأة الجنجويد وبربرية عرب الشتات وهمجية المرتزقة وخيانة وغياب الضمير من بعض ساكنيها.
تاخرت خواطري عن هذه الرحلة كثيرا لفداحة الجرم وحجم الصدمة وحزني على ما لحق بأم المدائن من تدمير وتخريب ممنهج.
لكن ستنهض الخرطوم من تحت الأنقاض وستغتسل من رجس المليشيا وقريبا ستزهر وتزدهر بسواعد بنيها.
يا أبناء العاصمة هلموا إلى دياركم فداعي البناء يناديكم بعد أن أنجز الابطال مهتمهم بتحريرها وتأمينها.
حتما ستعود الخرطوم أجمل مما كانت قريبا جدا وإن غدا لناظره لقريب.
حسبو كاوير
18 مايو 2025م
❤️
😢
2