الدكتور علي زين العابدين الحسيني
الدكتور علي زين العابدين الحسيني
May 13, 2025 at 10:45 PM
#ومضة_تعليق هذا القول المنسوب إلى بعض أهل العلم من أنه كان يُقرئ “المنهاج” ابتداءً لطالب العلم بحجة ضيق الوقت لا ريب أنه قول لا يخلو من نظر، وإن كان قائله يُقدر؛ لأن “المنهاج” كتاب متين العبارة، محشو بالخلاف والاختيارات، وفيه كثير من التقعيدات الدقيقة، ولذا لا يحسن أن يُدرّس لطالب لم يُؤسس على ما قبله من المتون. وقد جُرّب هذا، فتبين أن غالب من يشرع في دراسة “المنهاج” مباشرة يجد مشقة كبيرة في تحصيله، ويعجز عن تصور كل مسائله على وجه سليم، لأنه لم يُمهَّد له بسلم تعليمي متدرج، يُخرجه من تصور المسائل الفقهية في صورتها المجردة إلى فقه الخلاف في المذهب، ولا يتصور هذا الخلاف الوارد في “المنهاج” على وجهه إلا إذا مرّ الطالب على متون مختصرة تعينه على تصوّر المسائل على الجادة. ثم إن من مقاصد العلم الحفاظ على “رسم الطلب”، وسلوك السبيل الذي مشى عليه الفقهاء في تدرجهم، وهذا من أصول التربية العلمية، والشيخ سالم الخطيب نفسه سلك طريق التفقه على المنهج المألوف، فلم يبدأ بـ”المنهاج”، وإنما مرّ بما قبله من المتون المتداولة في التدريس كما في ترجمته، فأنى يصح أن يُختصر الطريق لطالب ناشئ، ويُقذف به في عباب الخلاف قبل أن يُتقن السباحة فيه؟! على أنه قد يفتح الله على بعض الطلبة فيختصر له الزمان، ويحسن التحصيل في وقت وجيز، وقد حُكي عن بعض الأئمة أنهم قرأوا الفقه في شهرين أو ثلاثة، لكن هذه نوادر لا يقاس عليها، ولا تُتخذ أصلاً لتقرير مناهج التفقه. ومن علامات الفقيه أن يعرف قدر طالبه ومستواه العقلي، فيهبه ما يناسبه، لا ما يُعجّل بنتيجته على غير بينة، فـ”المنهاج” بالتجربة ومن واقع تراجم العلماء يحتاج إلى آلة، ودربة، ومعرفة بمصطلحات المذهب، وإلا تحوّل إلى حاجز بين الطالب وبين الفهم. ونعاني أيضًا في كتب المذهب من إشكالية واضحة، وهي أن الطالب يدرس كتابًا كـ”عمدة السالك” لابن النقيب قبل “المنهاج”، مع أن “العمدة” محدود في مسائله، لا سيما في أبواب المعاملات وما بعدها، فإذا انتقل الطالب بعده إلى “المنهاج” شعر بفجوة كبيرة، وواجه سيلًا من المسائل التي لم يمرّ بها من قبل، فيتردد الطالب: هل يصرف همه إلى فهم المسائل الجديدة، أم ينشغل بتحقيق مواضع الخلاف المذهبي؟! ومن هنا تظهر الحاجة الملحة إلى وجود كتاب وسيط بين “عمدة السالك” و”المنهاج”، يُمهّد الطريق، ويُغني الطالب عن الانشغال بتصور المسائل عند دراسته “للمنهاج”، ليتفرغ آنذاك لفهم الخلاف على وجه أدق. وقد يسّر الله لي طريقة لمعالجة هذا الإشكال، وسد هذه الثغرة، وهي مما أرجو أن يكون فيه نفع لطالب الفقه الشافعي.

Comments