
الدكتور علي زين العابدين الحسيني
May 18, 2025 at 02:58 AM
ما ألفتُ في يومٍ من الأيام ضجيج الهاتف، ولا سلّمت له نفسي، ومنذ اقتنيته أبقيته على الصامت، لا يرنّ ولا يهتزّ، بيني وبينه عهدُ سكونٍ لا يُكسر. وأحبّ إليّ أن يكون التواصل مع أصحابي عبر رسائل نصيّة؛ فالكتابة عندي أصدق وأبقى.
في البدء كان لي عذر أختبئ خلفه: المكالمات تُكلّف، وأنا لا أحب أن أثقل على أحد. فلما صارت الدنيا بلا تكلفة -بفضل وسائل الاتصال الحديثة التي تتيح المكالمات المجانية– وظللتُ على طبعي، علمتُ أن العذر لم يكن في المال، وإنما في نفسٍ لا تأنس بكثرة الحديث، ولا تطمئن إلا إلى السكون.
وحدث ذات يوم أن قرأت للراحل الوزير السعودي الأديب الأستاذ غازي القصيبي كلامًا يصف فيه “عادةً من عاداته الرديئة”، إذ قال: إنه لا يُحب الهاتف، ولا يردّ إلا على مضض، ويسعده أن يتعطّل هاتفه!
ابتسمت حين قرأتها، وقلت: ها هو ذا يقول ما لم أكن أحسن التعبير عنه، وكأنما نطق بلساني، أو كأن بين النفوس خيوطًا خفيّة لا تُرى، لكنها تشدّ بعضها إلى بعض فيما لا يُقال، وفيما يُحسّ وحده!
#المدقري