الدكتور علي زين العابدين الحسيني
الدكتور علي زين العابدين الحسيني
June 11, 2025 at 02:07 AM
من أكثر الأصناف التي تُهمل حقوقها في الحديث والذكر: المعلمون الأوائل الذين دلونا على طريق العلم، ومهّدوا لنا أولى خطوات السير فيه. وفي حياة كل طالب علم (أستاذ) ابتدأ معه الرحلة، ربما لم يكن من كبار العلماء، ولم يبلغ من الشهرة مبلغًا، لكن له الفضل الذي لا يُنكر، واليد التي لا تُنسى. ولا يُشترط في المعلم أن يبلغ رتبة الفقهاء ليُذكر فضله، فقصوره عن تلك المنزلة لا ينقص من قدره شيئًا، والواجب معه الإنصاف والاعتراف، والاحتفاء به كما يُحتفى بالكبار، لأنه وضع الحجر الأول في البنيان. وهناك صنف آخر من المعلمين لم يُعرفوا بسعة العلم ولا بكثرة التصنيف، ولكنهم عُرفوا ببراعة صنعة التدريس، وهؤلاء كثيرون، ليسوا من الفقهاء بالمعنى المألوف، لكنهم أجادوا إيصال العلم، وأتقنوا أدوات التدريس، وحَسُن أثرهم في المتعلمين. ورب معلِّم لا يُعدّ من العلماء لكنه كان سببًا في تخريج فقيه، أو تنشئة باحث؛ لأن التدريس مَلَكة لا يتقنها كل من عرف. وقد يكون العالم واسع المعرفة، لكن لا يُحسن تبليغها، بينما قد يكون المدرس دونَه علمًا، لكنه أحذق في التعليم، وأقدر على تقريب المسائل، وهؤلاء هم قوام حلقات الدرس، وحلقة الوصل بين الطلبة والعلماء. وقد كان هذا المعنى واضحًا عند أهل العلم من قبل، حتى قال السخاوي في ترجمة محمود بن عبد الواحد الأنصاري: “أخذ عنه خلق من المبتدئين وغيرهم حتى بمكة في مجاورته، في الفقه وأصوله والعربية وغيرها، لكونه كان حسن التعليم، لا لطول باعه في العلم”. (الضوء اللامع، ١٠/ ١٣٨) فالتفريق بين العالم والمعلم ضرورة منهجية، نحتاج أن نستعيدها اليوم، لنعطي كل ذي فضل فضله، وكل صاحب أثر حقه.

Comments