
الصارم المسلول على أعداء الصحابة والرسول
May 28, 2025 at 10:42 AM
تفصيل ثمين في حُكم طاعة الأمراء في التنظيمات و القرارات وغيرها
________________ ________________
🖋️ قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : «لا يَزال الناس بخير ما أتاهم العِلم مِنْ قِبَل أكابرهم فإذا أتاهُم مِن قِبَل أصاغِرهم هَلكوا».
[جامع بيان العلم وفضله - ٦١٦/١]
________________
قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم } [سُورَةُ النِّسَاء : ٥٩]
قال تعالى : { فَاسْأَلُــــــــوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون }[سُورَةُ النَّحْلِ: ٤٣]
🖋️ قال العلامة ابن عثيمين في تعليقه على الآية القرآنية السابقة :
ولَم يقل أطيعوا أولي الأمر منكم؛ لأن طاعة ولاة الأمر تابعة لا مستقلة،
أما طاعة الله ورسوله فيهي مستقلة، ولهذا أعاد فيها الفِعل فقال : ﴿أطيعوا﴾ ﴿وأطيعوا﴾،
أما طاعة ولاة الأمور فإنها تابعة ليست مستقلة،
فإذا أمر ولاة الأمور بمعصية الله؛ فإنه لا سمع لهم ولا طاعة؛ لأن ولاة الأمور فوقهم ولي الأمر الأعلى جل وعلا وهو الله، فإذا أمروا بمخالفته فلا سمع لهم ولا طاعة،
أما الأحاديث فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( على المرءِ المسلمِ السَّمع والطاعة فيما أحبَّ و كَرِه، ما لَم يُؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ))،
قوله ((على المرء)) هذه كلمة تدل على الوجوب، وأنه يجب على المرء المسلم بمقتضى إسلامه أن يسمع ويطيع لولاة الأمور فيما أحب وفيما كره،
حتى لو أمر بشيء يكرهه؛ فإنه يجب عليه أن يقوم به ولو كان يرى خِلافه، ولو كان يكره أن ينفذه.
فالواجب عليه أن ينفذ، إلا إذا أمر بمعصية الله، فإذا أمر بمعصية الله فطاعة الله تعالى فوق كل طاعة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وفي هذا دليل على بطلان مسلك من يقول: لا نطيع ولاة الأمور إلا فيما أمرنا الله به، يعني إذا أمرونا أن نصلي صلينا، إذا أمرونا أن نزكي زكينا.
أما إذا أمرونا بشيء ليس فيه أمر شرعي؛ فإنه لا يجب علينا طاعتهم؛ لأننا لو وجبت علينا طاعتهم لكانوا مشرعين، فإن هذه نظرة باطلة مخالفة للقرآن والسنة؛ لأننا لو قلنا: إننا لا نطيعهم إلا فيما أمرنا الله به لم يكن بينهم وبين غيرهم فرق، كل إنسان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر فإنه يطاع.
ثم نقول: بل نحن قد أمرنا بطاعتهم فيما لم يأمرنا الله عز وجل؛ إذا لم يكن ذلك منهيا عنه أو محرما، فإننا نطيعهم حتى في التنظيم إذا نظموا شيئا من الأعمال، يجب علينا أن نطيعهم؛ وذلك أن بطاعتهم يكون امتثال أمر الله عز وجل، وامتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظ الأمن، والبعد عن التمرد على ولاة الأمور، وعن التفرق، فإذا قلنا لا نطيعهم إلا في شيء أمرنا به؛ فهذا معناه أنه لا طاعة لهم.
يأتي بعض الأنظمة: مثلا تنظم فيها الحكومة شيئا نظاما لا يخالف الشرع، لكن لم يأت به الشرع بعينه، فيأتي بعض الناس ويقول: لا نطيع في هذا، فيقال: بل يجب عليك أن تطيع، فإن عصيت فإنك آثم مستحق لعقوبة الله، ومستحق لعقوبة ولاة الأمور.
وعلى ولاة الأمور أن يعزروا مثل هؤلاء الذين يعصون أوامرهم التي يلزمهم أن يقوموا بها؛ لأنهم إذا عصوا أوامر ولاة الأمور - وقد أمر الله تعالى بطاعتهم فيها- فهذا معصية لله.
وكل إنسان يعص الله فإنه مستحق التعزيز يعني التأديب بما يراه ولي الأمر.
ومن ذلك مثلا أنظمة المرور؛ أنظمة المرور هذه مما نظمه ولي الأمر، وليس فيها معصية، فإذا خالفها الإنسان فهو عاص وآثم، مثلا السير على اليسار، والسير على اليمين، والسير في الاتجاه الفلاني، وفي السير يجب أن يقف إذا كانت الإشارة حمراء وما أشبه ذلك،
كل هذا يجب أن ينفذ وجوبا،
فمثلا إذا كانت الإشارة حمراء؛ وجب عليك الوقوف. لا تقل: ما أمرنا اله بذلك، ولاة الأمور نظموا لك هذا التنظيم وقالوا التزم به، فإذا تجاوزت فإنك عاص آثم؛ لأنك قلت لربك لا سمع ولا طاعة والعياذ بالله.
فإن الله يقول : (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
كذلك أيضا في التقاطع، معروف أن الذي في الخط العام هو الذي له الحق أن يتجاوز، إذا كنت أنت في خط فرعي ووجدت إنسانا مقبلا من الخط العام فلا تتجاوز؛ لأن النظام يقتضي منع ذلك.
وهكذا أيضا الأنظمة في الإمارة، والأنظمة في القضاء، وكل الأنظمة التي لا تخالف الشرع؛ فإنه يجب علينا أن نطيع ولاة الأمور فيها، وإلا أصبحت المسألة فوضى، وكل إنسان له رأي، وكل إنسان يحكم بما يريد، وأصبح ولاة الأمور لا قيمة لهم، بل هم أمراء بلا أمر، وقضاة بلا قضاء.
فالواجب على الإنسان أن يمتثل لأمر ولاة الأمور إلا فيما كان فيه معصية الله.
فلو قالوا لنا مثلا: لا تخرجوا إلى المساجد لا تصلوا الجمعة، لا تصلوا الجمعة والجماعة، قلنا لهم: لا سمع ولا طاعة. ولو قالوا: اظلموا الناس في شيء قلنا: لا سمع ولا طاعة. كل شيء أمر الله به أو نهى عنه فإنه لا سمع ولا طاعة لهم فيه أبدا.
كذلك لو قالوا مثلا: احلقوا اللحى- مثل بعض الدول يأمرون رعيهتم بحلق اللحى ولا سيما جنودهم الذين عندهم- لو قالوا: احلقوا اللحى قلنا: لا سمع لكم ولا طاعة. وهم آثمون في قولهم لجنودهم مثلا: احلقوا اللحى، وهم بذلك آثمون مضادون لله ورسوله، منابذون لله ورسوله.
كذلك لو قالوا مثلا : انزلوا ثيابكم إلى أسفل من الكعبين، فإننا نقول: لا، لا سمع ولا طاعة؛ لأن هذا مما حرمه الله وتوعد عليه، فإذا أمرتمونا بمعصية فإننا لا نسمع لكم ولا نطيع؛ لأن لنا ولكم ربا حكمه فوق حكمنا وحكمكم.
إذاً أوامر ولاة الأمور تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يأمروا بما أمر الله به، فهنا تجب طاعتهم لوجهين:
الوجه الأول: أنه مما أمر الله به.
والوجه الثاني: أنه مما أمروا به كغيرهم من الناس؛ إذا أمرك شخص بالمعروف وهو واجب، فالواجب عليك أن تقوم به.
الثاني : أن يأمروا بمعصية الله، فهنا لا سمع لهم ولا طاعة مهما كان، وأنت إذا نالك عذاب منهم بسبب هذا فسيعاقبون عليهم هم يوم القيامة.
الوجه الأول: لحق الله؛ لأن أمرهم بمعصية الله منابذة لله عز وجل لوجهين.
الوجه الثاني: لحقك أنت؛ لأنهم اعتدوا عليك، وأنت و هم كلكم عبيد الله، ولا يحل لكم أن تعصوا الله.
الثالث: إذا أمروا بشيء ليس فيه أمر ولا نهي، فيجب عليك أن تطيعهم وجوبا، فإن لم تفعل فأنت آثم، ولهم الحق أن يعزروك وأن يؤدبوك بما يرون من تعزير وتأديب؛
لأنك خالفت أمر الله في طاعتهم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)).
[شرح رياض الصالحين - ٦٥٢/٣-٦٥٦]