التصوف السني العرفاني
May 15, 2025 at 12:41 PM
== (اختصاص سيدنا محمد بستة لم تكن لنبيّ قبله) == يقول الشيخ الأكبر ابن عربي في (الباب 337) من فتوحاته: واعلم أن من كماله صلى الله عليه وسلم أنه خُصّ بستّة لم تكن لنبيّ قبله،والستّة أكمل الأعداد.. الخصلة الأولى: "أعطي مفاتيح الخزائن"،وهي خزائن أجناس العالَم،ليُخرج إليهم بقدر ما يطلبونه بذواتهم،إذ أعلمنا أنه السيّد.. فلمّا أعطي صلى الله عليه وسلم مفاتيح خزائم الأرض،علِمنا أنه (حفيظ عليم)،فكل ما ظهر من رزق في العالَم فإن الاسم الإلهي لا يعطيه إلا عن أمر سيدنا محمد الذي بيده المفاتيح. كما اختصّ الحق تعالى بمفاتيح الغيب فلا يعلمها إلا هو،أعطي هذا السيّد منزلة الاختصاص بإعطائه مفاتيح الخزائن. الخصلة الثانية: "أوتي جوامع الكلم"،والكلم جمع كلمة،وكلمات الله لا تنفد،فأعطي علم لا يتناهى.. فأحاط علماً بحقائق المعلومات،وهي صفة إلهية لم تكن لغيره.. ولما علم بجوامع الكلم،أعطي الإعجاز بالقرآن الذي هو كلمة الله،وهو المترجم به عن الله،فوقع الإعجاز في الترجمة التي هي له. فإن المعاني المجردة عن المواد لا يتصوّر الإعجاز بها،وإنما الإعجاز ربط هذه المعاني بصور الكلم القائم من نظم الحروف. فهو لسان الحق وسمعه وبصره،وهو أعلى المراتب الإلهية.. الخصلة الثالثة: "بعثته إلى الناس كافة"،من الكفت وهو الضمّ.. فضمّت شريعته الجن والإنس،وعمّت العالم رحمته التي أرسل بها.. فمن لم تنله رحمته فما ذلك من جهته،وإنما ذلك من جهة القابل.. الخصلة الرابعة: "أنه نصر بالرعب بين يديه مسيرة شهر"،والشهر قدر قطع القمر درجات الفلك المحيط،فهو أسرع قاطع،والحساب به للعرب.. فقد عمّ نصره بالرعب ما قطعه من المسافة هذا القمر في شهر،فعمّ حكم كل درجة للفلك الأقصى لها أثر في عالم الكون والفساد بقطع القمر تلك المسافة. فما قال ذلك إلا بطريق الثناء به عليه،ولو كان ثمّ من يقطع الفلك في أقلّ من هذه المدة لجاء به،فجاء بأسرع سائر يعُمّ سيره قطع درجات الفلك المحيط. فعموم رُعبه في قلوب أعدائه،عموم رحمته.. الخصلة الخامسة: "أحلّت له الغنائم ولم تُحلّ لأحد قبله"،فأعطى ما يُوافق شهوة أمته. والشهوة نار في باطن الإنسان تطلُب مُشتهاها،ولا سيما في الغنائم،لأن النفوس لها إلتذاذ بها،لكونها حصلت لهم عن قهر منهم وغلبة وتعمّل،فلا يريدون أن يفوتهم التنعّم بها مُقابلة ما قاسوه من الشدّة والتّعب في تحصيلها،فهي أعظم مُشتهى لهم.. وقد كانت الغنائم في حق غيره من الأنبياء: إذا إنصرف من قتال العدو،وجمع المغانم كلها،فإذا لم يبق منها شيء نزلت نار من الجو فأحرقتها كلها. فإن وقع فيها غلول لم تنزل تلك النار حتى يرد،ويُلقى فيها ذلك الذي أخذ منها. فكان لهم نزول النار علامة على القبول الإلهي لفعلهم،فأحلّها الله لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،فقسمها في أصحابه،فتناولتها نار شهواتهم،عناية من الله بهم لكرامة هذا الرسول عليه.. الخصلة السادسة: "طهّر الله بسببه الأرض فجعلها كلها مسجداً له"،فحيث أدركته أو أمته الصلاة يُصلّي. والمساجد بيوت الله،وبيوت الله أكرم البيوت لإضافتها إلى الله. فصيّر الأرض كلها بيت الله من حيث أن جعلها مسجداً.. فأمته لا تبرح في مسجد أبداً،لأنها لا تبرح من الأرض،لا في الحياة ولا في الموت،وإنما هو إنتقال من ظهر إلى بطن. وملازم المسجد جليس الله في بيته،فهذه الأمة جُلساء الله حياة وموتاً..
❤️ 4

Comments