مُعَلِّمُو النَّاسَ الخَيْرَ
مُعَلِّمُو النَّاسَ الخَيْرَ
June 7, 2025 at 04:07 AM
درر وجواهر اهديت لي وطاب لي أن أهديها لك. @dralieasa السلام ورحمة الله وبركاته، نور القرآن وضياء التفسير. 🌿 الآية الكريمة ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ...﴾ [ص: 26] عظيمة في معناها، جليلة في توجيهها، تحمل رسالة سامية لكل من وُكِّل له أمر الناس، أو أُعطي سلطة أو مسؤولية: أن الحكم يجب أن يكون بالحق، لا بالهوى، وأن اتباع الهوى ليس فقط انحرافًا عن الحق، بل انحرافٌ عن سبيل الله، وهو طريق النجاة والفلاح. من دروس هذه الآية العظيمة: 1. الخلافة تكليف لا تشريف ﴿إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً﴾: استخلاف من الله، يعني أمانة عظيمة في أعناق من يولون أمور الناس، سواء كانوا ملوكًا أو قضاةً أو ولاةً أو أرباب أسر أو قادة. 2. أساس الحكم هو الحق ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾: لا محاباة، لا مصلحة، لا هوى... بل عدلٌ خالصٌ نابع من شريعة الله. 3. اتباع الهوى ضلال عن طريق الله وسبيله يبدأ بخطوة صغيرة، قد تكون عاطفة غير مضبوطة، أو ميل قلبٍ في غير موضعه، ثم ينتهي بالضلال عن صراط الله المستقيم. 4. النسيان ليوم الحساب سببٌ في الضلال ﴿بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾: أي أن الغفلة عن الآخرة، والتعامي عن المصير، هو من أهم أسباب الانحراف والظلم. تأملات لطيفة: داوُد عليه السلام كان نبيًا وملكًا، ومع ذلك أُمر بالعدل والحذر من الهوى، فكيف بمن هو دونه؟ "الهوى" قد يُلبس ثوب الحق، ويزين الباطل حتى لا يُعرف، لذا لا منجى منه إلا بالتجرد لله، والتشبث بالوحي. في كل بيت، ومؤسسة، وشركة، ومجتمع، هناك من هو في موقع "خلافة" ما... فعليه أن يحكم بما يرضي الله. قوله جل جلاله : ﴿يَا دَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ﴾ [ص: 26] يا لجلال هذا النداء الرباني، حين يخاطب الله عبده داوود عليه السلام، ليس بصفته ملكًا ولا نبيًا فحسب، بل خليفةً في الأرض... وكأن النداء لا يخص داوود وحده، بل يُخاطب كل من وطئت قدماه أرضًا، وتقلد مسؤولية، وأوتي قدرًا من الحكم، أو الرأي، أو التأثير... يا من تسير في دروب الحياة، اقرأ هذه الآية كأنها كُتبت لك، بل اقرأها في قلبك قبل عينيك: "إنا جعلناك خليفة في الأرض" لم تُخلق عبثًا، ولا جئت مصادفة، بل جُعلت خليفة... في بيتك، في عملك، في أطفالك، في أمتك، في سريرتك... جُعلت لتقيم الحق، لا لتساوم عليه. لتزن الأمور بميزان الله، لا بهوى نفسك. أن تكون خليفة، يعني أنك تعيش على الأرض كما لو أنك تمثل السماء فيها. "فاحكم بين الناس بالحق" الحق ليس ما تميل إليه، ولا ما اعتاده الناس، بل ما وافق نور الله وعدله، ما تجرد من الأهواء، وصعد فوق الضغائن. أن تحكم بالحق، يعني أن تقول "لا" حين تميل الكثرة إلى "نعم". يعني أن ترفع صوتك بالعدل، ولو خفض العالم كله صوته خوفًا أو مجاملة. يعني أن تحرس نفسك من نفسك، لأن أول عدو للعدالة هو هوى النفس. "ولا تتبع الهوى" آهٍ من الهوى... ما أرق صوته، وما أخبث مكره، وما أسهل تسلله تحت عباءة المنطق، والرحمة، والحكمة الكاذبة... لكن من اتبعه، ضل، ولو ظن أنه على الجادة. ومن تركه، نجا، ولو سخر منه الناس. هذه الآية ليست مجرد تذكير، بل صفعة نور توقظ الغافل، وتربّت على كتف المتأمل، وتغرس في النفس جذورًا من التفكر والمهابة، والاعتزاز برسالة الإنسان في هذه الحياة. أيها القارئ... أنت لست عابر سبيل. أنت مشروع خلافة. كل موقف تُعرض فيه على "الحق" و"الهوى"، هو امتحان خلافتك. فيا من أُشرب قلبه حب الله، واشتاقت روحه إلى معنى أعمق للحياة... قف، تأمل، وتطهّر من هوى نفسك، تكن خليفة حقًا، وتبلغ منازل من سبقك من الصالحين. فالحياة ليست أن تُولد وتموت، بل أن تُبعث حيًا كل يوم، حين تختار الحق على رغبتك، والنور على ظلّك. اللهم اجعلنا ممن لا يتبعون الهوى، وممن يختارون الحق، ولو على أنفسهم. اللهم ردنا إليك ردا جميلا عاجلا رب احلل علينا رضوانك ولا تسخط علينا ابدا رب اغفر وارحم وانت خير الراحمين الغافرين المحسنين الوارثين اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا

Comments