قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ
قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ
May 17, 2025 at 10:21 AM
*﴿أَفَمَن زُیِّنَ لَهُۥ سُوۤءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنࣰاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَیۡهِمۡ حَسَرَ ٰ⁠تٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِمَا یَصۡنَعُونَ﴾* [فاطر ٨] _ قال الإمام البقاعي رحمه اللّٰه في "نظم الدرر" ولَمّا أبانَ هَذا الكَلامُ تَفاوُتَ الحِزْبَيْنِ في المَآلِ؛ بِالهَلاكِ؛ والفَوْزِ؛ وكانَ لا يُقْدِمُ عَلى الهَلاكِ أحَدٌ فِيهِ حِسٌّ؛ وكانَ الكُفّارُ يَدَّعُونَ أنَّهُمُ الفائِزُونَ؛ قَناعَةً بِالنَّظَرِ إلى ما هم فِيهِ؛ ويَدَّعُونَ أنَّهم أبْصَرُ النّاسِ؛ وأحْسَنُهم أعْمالًا؛ وكَذا كُلُّ عاصٍ ومُبْتَدِعٌ؛ كانَ ذَلِكَ سَبَبًا في إنْكارِ تَساوِيهِما؛ فَأنْكَرَهُ؛ مُبَيِّنًا السَّبَبَ في ضَلالِهِمْ؛ بِما فِيهِ تَسْلِيَةٌ لِلْمُحْسِنِينَ؛ ونَدْبٌ إلى الشُّكْرِ؛ وحَثٌّ عَلى مُلازَمَةِ الِافْتِقارِ؛ والذُّلِّ؛ وسُؤالِ العافِيَةِ مِنَ الزَّلَلِ؛ والزَّيْغِ؛ فَقالَ: ﴿أفَمَن﴾؛ ولَمّا كانَ الضّارُّ هو التَّزْيِينُ؛ مِن غَيْرِ نَظَرٍ إلى فاعِلٍ مُعَيَّنٍ؛ بَنى لِلْمَفْعُولِ قَوْلَهُ: ﴿زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾؛ أيْ: قُبْحُهُ؛ الَّذِي مِن شَأْنِهِ أنْ يَسُوءَ صاحِبَهُ؛ حالًا أوْ مَآلًا؛ بِجَمْعِ مالٍ ذاهِبٍ؛ أوْ مَذْهُوبٍ عَنْهُ؛ مِن غَيْرِ خُلَّةٍ؛ وبَيْعِ راحَةِ الجَنَّةِ المُؤَبَّدَةِ؛ بِمُتابَعَةِ شَهْوَةٍ مُنْقَضِيَةٍ؛ وإيثارِ مَخْلُوقٍ فانٍ؛ عَلى رَبِّهِ الغَنِيِّ الباقِي؛ ثُمَّ سَبَّبَ عَنْهُ ما أنْهى إلَيْهِ مِنَ الغايَةِ؛ فَقالَ: ﴿فَرَآهُ﴾؛ أيْ: السَّيِّئَ؛ بِسَبَبِ التَّزْيِينِ؛ ﴿حَسَنًا﴾؛ أيْ: فَرَكِبَهُ؛ بِما أشارَ إلَيْهِ إضافَةُ العَمَلِ إلَيْهِ؛ وطَوى المُشَبَّهَ بِهِ؛ وهو كَمَن أبْصَرَ الأُمُورَ عَلى حَقائِقِها؛ فاتَّبَعَ الحَسَنَ؛ واجْتَنَبَ السَّيِّئَ؛ لِأنَّ المَقامَ يَهْدِي إلَيْهِ؛ وتَعْجِيلًا بِكَشْفِ ما أشْكَلَ عَلى السّامِعِ مِنَ السَّبَبِ الحامِلِ عَلى رُؤْيَةِ القَبِيحِ مَلِيحًا؛ بِقَوْلِهِ - مُؤَكِّدًا؛ رَدًّا عَلى مَن يَنْسِبُ إلى غَيْرِ اللَّهِ فِعْلًا؛ مِن خَيْرٍ؛ أوْ شَرٍّ -: ﴿فَإنَّ﴾؛ أيْ: السَّبَبُ في رُؤْيَةِ الأشْياءِ عَلى غَيْرِ ما هي عَلَيْهِ أنَّ ﴿اللَّهَ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ؛ ﴿يُضِلُّ مَن يَشاءُ﴾؛ فَلا يَرى شَيْئًا عَلى ما هو بِهِ؛ فَيُقْدِمُ عَلى الهَلاكِ البَيِّنِ وهو يَراهُ عَيْنَ النَّجاةِ؛ ﴿ويَهْدِي مَن يَشاءُ﴾؛ فَلا يُشْكِلُ عَلَيْهِ أمْرٌ؛ ولا يَفْعَلُ إلّا حَسَنًا. ولَمّا كانَ المُحِبُّ مَن يَرْضى بِفِعْلِ حَبِيبِهِ؛ سَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ النَّهْيَ لِأكْمَلِ خَلْقِهِ عَنِ الغَمِّ بِسَبَبِ ضَلالِهِمْ؛ في قَوْلِهِ: ﴿فَلا﴾؛ والأحْسَنُ أنْ يُقَدَّرَ المُشَبَّهُ بِهِ هُنا؛ فَيَكُونَ المَعْنى: ”أفَمَن غُرَّ؛ فَعَمِلَ القَبِيحَ؛ فاعْتَقَدَهُ حَسَنًا؛ لِأنَّ اللَّهَ أضَلَّهُ؛ بِسَبَبِ أنَّ اللَّهَ هو المُتَصَرِّفُ في القُلُوبِ؛ كَمَن بَصَّرَهُ اللَّهُ بِالحَقائِقِ؟“؛ ولَمّا كانَ الجَوابُ: ”لا؛ لَيْسَ هُما سَواءً“؛ سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلَهُ: فَلا ﴿تَذْهَبْ﴾؛ أيْ: بِالمَوْتِ؛ أوْ ما يَقْرُبُ مِنهُ؛ ﴿نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ﴾؛ أيْ: بِسَبَبِ ما هم فِيهِ مِنَ العَمى عَنِ الجَلِيّاتِ؛ ﴿حَسَراتٍ﴾؛ أيْ: لِأجْلِ حَسَراتِكَ المُتَرادِفَةِ؛ لِأجْلِ إعْراضِهِمْ؛ جَمْعُ ”حَسْرَةٌ“؛ وهي شِدَّةُ الحُزْنِ عَلى ما فاتَ مِنَ الأمْرِ. ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّهم يُؤْذُونَ أوْلِياءَكَ؛ فَيَشْتَدُّ أذاهُمْ؛ وكانَ عِلْمُ الوَلِيِّ القادِرِ بِما يَعْمَلُ عَدُوُّهُ كافِيًا في النُّصْرَةِ؛ قالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: المُحِيطَ بِجَمِيعِ أوْصافِ الكَمالِ؛ ﴿عَلِيمٌ﴾؛ أيْ: بالِغُ العِلْمِ؛ وأكَّدَهُ؛ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ المَقامَ صَعْبٌ؛ ومَن لَمْ يُثَبِّتْ نَفْسَهُ بِغايَةِ جُهْدِهِ؛ زَلَّ؛ لِطُولِ إمْلائِهِ (تَعالى) لَهُمْ؛ وحِلْمِهِ عَنْهُمْ؛ ﴿بِما يَصْنَعُونَ﴾؛ أيْ: مِمّا مُرِّنُوا عَلَيْهِ؛ وانْطَبَعُوا فِيهِ مِن ذَلِكَ؛ حَتّى صارَ لَهم خُلُقًا؛ يَبْعُدُ كُلَّ البُعْدِ انْفِكاكُهم عَنْهُ. https://t.me/al_hanabila_sadti Follow the قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ channel on WhatsApp: https://whatsapp.com/channel/0029Vaj7I6B3mFY7Nu3QOF0f

Comments