قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ
قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ
May 17, 2025 at 11:13 PM
قال شيخنا الجليل: محمد الأزهري الحنبلي حفظه اللّٰه = التبرك مما يغيظ النابتة، وقد اتفق المسلمون على تبرك الصحابة بالنبي ﷺ، وغاية ما يدعيه النابتة حين ينكرون التبرك بغيره: عدم النقل، وهو ليس نقلًا للعدم. ولمجوزه فوق ذلك أن يقول: الأصل العموم، وعلى مدعي الخصوصية: الدليلُ. ثم ما كان جوابًا لكم عن التبرك بالنبي ﷺ مما لا ينافي التوحيد: فهو جواب لنا. فحيث ثبت أن مطلق التبرك لا ينافيه: فلا معنى لجعله شركًا في ذاته، أو قبيحًا في ذاته. ويكون المناط: مطلقَ الصلاح، مع تفاوت الأفراد فيه. وما يقال من عدم فعلهم مع غيره ﷺ: فغايته كذلك أن الواحد منهم لا يرضاه لنفسه تواضعًا، أو لئلا يزكي نفسه، أو يأمن عليها، وعليه يحمل إنكار الإمام أحمد فعل ذلك معه في بعض المرات، مع ثبوت التبرك منه في مواضع! وأشار ابن مفلح في "الآداب" إلى هذا المعنى في ترجمته. ثم الصحابة كلهم رتبة واحدة في الجملة، فكما أنه ليس قول أحدهم حجة على غيره، فليس أحدهم أولى أن يتبرك به صاحبه من العكس. ويدل على التبرك: الرقيةُ والنفثُ؛ فإن من مقاصدهما: بركة الفاعل، وإلا لزم المريض رقية نفسه. ثم التبرك منقول عن أعيان السلف والأئمة، ولو ذهبنا نتتبع بعض ذلك لطال الكلام جدًّا. أما كلام الحنابلة فهو كثير، فمن ذلك: ما قاله المروذي فِي كتاب الورع: سمعت أبا عبد الله يقول: قد كان يحيى بن يحيى أوصى لي بجبته، فجاءني بها ابنه، فقال لي، فقلت: رجل صالح قد أطاع الله فيها أتبرك بها، قال: فذهب فجاءني بمنديل ثياب، فرددتها مع الثياب. ونقله ابن مفلح في آدابه الكبرى. وقال عبد الله بن الإمام أحمد: "رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي ﷺ، فيضعها على فيه يقبلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينه، ويغمسها في الماء ويشربه يستشفي به. ورأيته أخذ قصعة النبي ﷺ، فغسلها في حب الماء، ثم شرب فيها، ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به، ويمسح به يديه ووجهه". وقد علق الذهبي على هذا بقوله: (قلت: أين المتنطع المنكر على أحمد؟! وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي ﷺ، ويمس الحجرة النبوية، فقال: لا أرى بذلك بأسًا! أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج، ومن البدع). وسبحان من ألهم الذهبي هذا التعليق! وقال العلامة المرداوي في الإنصاف: (ويستحب للضيف أن يُفضِل شيئًا، لا سيما إن كان ممن يُتبرك بفضلته، أو كان ثَم حاجة). وتبعه جماعة منهم صاحب الإقناع، فقال مع شرحه: (وَيُسْتَحَبُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يُفْضِلَ شَيْئًا) مِنْ الطَّعَامِ (لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِفَضْلَتِهِ). ومنهم الشيخ مرعي فقال في متن دليل الطالب على اختصاره: (ويدعو لصاحب الطعام، ويفضل منه شيئًا، ولا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته). وقال في شرح الإقناع: (وروى البيهقي في المناقب عن علي بن محمد بن بدر قال : "صليت يوم الجمعة فإذا أحمد بن حنبل يقرب مني، فقام سائل فسأله، فأعطاه أحمد قطعة، فلما فرغوا من الصلاة قام رجل إلى ذلك السائل وقال: أعطني تلك القطعة، فأبى، فقال: أعطني وأعطيك درهمًا، فلم يفعل، فما زال يزيده حتى بلغ خمسين درهمًا، فقال: لا أفعل؛ فإني أرجو من بركة هذه القطعة ما ترجو أنت!). ونقل البرهان ابن مفلح في "المقصد الأرشد" في ترجمة أحمد بن سالم بن أبى عبد الله بن سالم بن أبى الفتح بن حسن بن قدام: "قال الحافظ الضياء: كان يحفظ كثيرًا من الأحاديث والفقه، وكان ثقة دينًا خيرًا، كثير النفع، قليل الشر، لا يكاد أحد يصحبه إلا ينتفع به، ويقال: إن من أخذته الحمى= فإنه إذا علق عليه من تراب قبره يبرأ بإذن الله تعالى". وللحافظين الكبيرين الحنبليين: عبد الغني المقدسي، والضياء المقدسي محمد بن عبد الواحد= نقل مهم فيه تبرك واستشفاء بقبر الإمام أحمد؛ قال الضياء المقدسي: "سمعت الشيخ الإمام العالم الحافظ أبا محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي المقدسي يقول:كان خرج في عضدي شئ يشبه الدمل، وكان يبرأ ثم يعود، ودام بذلك زمانًا طويلًا، فسافرت إلى أصبهان وعدت إلى بغداد وهو بهذه الصفة، فمضيت إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه، ومسحت به القبر، فبرأ ولم يعد"! وفي طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى: "قال إبراهيم الحربي: قبر معروف الترياق المجرب. وقال عبد الله بن العباس الطيالسي قال: لي ابن أخي معروف قال لي عمي معروف: إذا كان لك إلى الله حاجة فتوسل إليه بي". ونقل ذلك صاحب الكتاب في مقام المدح لمعروف، ولم ينكره. وترى المحقق الوهابي يصيح في الهامش، ويكاد يخرج من بين صفحات الكتاب متميزًا من الغيظ، ويرميهم بالضلال، ويرد النقول بلا دليل، وينكر ما هو ثابت كالشمس؛ فتنظر فرحًا في غيظ المبتدعة وإرغام أنوفهم، حامدًا لله على العافية مما ابتلاهم به. وقد احتج الشيخ منصور البهوتي بكلام إبراهيم الحربي هذا، واعترض به على كلام ابن تيمية. وفي الطبقات، وذيلها لابن رجب، وغيرهما من كتب تراجم الحنابلة= مواضع كثيرة؛ في إجابة الدعاء عند قبور بعض الصالحين، والتبرك بها، وزيارتها بأعداد كثيرة، وفي مواسم معينة، وغير ذلك كثير. ولو تتبعتَ التبرك بالقبور، والدعاء عندها، والتوسل بالصالحين، في كتب تراجم الحنابلة، ومسائل المجربات من الأذكار والدعوات، وكثيرًا مما يعده النابتة بدعًا= لخرجتَ بمجلد ضخم، ولأثبت به للناس جميعًا مباينة (جميع) أئمتنا لمسلك النابتة، وأنا أعي كلمة (جميع) حتى ابن تيمية! وفيما ذكرنا كفاية، لمن أراد الهداية، واجتنب سبيل أهل الغواية. https://t.me/al_hanabila_sadti Follow the قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ channel on WhatsApp: https://whatsapp.com/channel/0029Vaj7I6B3mFY7Nu3QOF0f

Comments