قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ
قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ
June 2, 2025 at 10:24 AM
ليس في الفقه مسألة سهلة: ما يبدو للعامي أن مسائل الفقه سهلة غالبا ما يظهر خطؤه خاصة في المسائل المشهورة كمسألة الدخان " التبغ " التي تحدثنا عنها سابقا. وتحقيق المناط في حرمة الدخان محير، فهو فرع مقيس على أصل ، فهل يقاس على المسكر أم على المفتر ؟ وبينهما فروق. فالمسكر هو تغطية العقل مع نشوة وطرب وحمية وعربدة. والمخدر هو تغطية العقل مع فتور ونوم وطول سكوت. - والفرق بينهما في الأحكام: هو الحد والنجاسة وتحريم القليل منها والكثير. ثم هل العلة في الأصل بسيطة أم مركبة ؟ فيه خلاف دقيق.. ثم هل يجوز تخصيص العلة كما قال الحنفية والحنابلة أم لا ؟ ثم القياس لا يكون إلا بعد معرفة العلة عند كل مذهب فالحنفية عندهم خلاف في تعليل الخمر وكثير النبيذ ومنهم كالقدوري من لا يعلل في الخمر ويقول: هي محرمة لعينها. قال الكمال ابن الهمام في فتح القدير: "ولأصحابنا فيه منع خصوصا وعموما. أما خصوصا فمنعوا أن حرمة الخمر معللة بالإسكار" والشيخان من الشافعية ( الرافعي والنووي ) ومن تابعهما كالقليوبي يرون أن العلة في الخمر الشدة المطربة وهو خلاف ما فهمه المحلي وابن حجر والرملي أولا. جاء في حاشية القليوبي:" قوله: (عن البنج) ونحوه من كل ما فيه تخدير وتغطية للعقل فهو طاهر وإن حرم تناوله، ولذلك قال بعض مشايخنا: ومنه الدخان المشهور، وهو كذلك لأنه يفتح مجاري البدن ويهيئها لقبول الأمراض المضرة، ولذلك ينشأ عنه الترهل والتنافيس ونحوها، وربما أدى إلى العمى كما هو محسوس مشاهد، وقد أخبر من يوثق به أنه يحصل منه دوران الرأس أيضا، ولا يخفى أن هذا أعم ضررا من المكمور الذي حرم الزركشي أكله لضرره، وما ذكره الشارح مبني على ما فهمه المصنف عن الرافعي من أن المراد بالمسكر ما يغطي العقل، وليس كذلك بل إنما هو ذو الشدة المطربة سواء الجامد والمائع، فلا حاجة إلى احتراز وجواب إذ كل ما هو كذلك نجس ولو من كشك أو بوزة أو غير ذلك، قاله شيخنا الرملي". حاشية القليوبي على شرح المحلي ١/ ٧٩. وقال الشرواني نقلا عن ابن قاسم العبادي في تعليقه على قول ابن حجر في التحفة (ولا حد بمذابها –أي الجامدات- الذي ليس فيه شدة مطربة): (قوله ولا حد بمُذابها) أي: المذكورات محله ما لم تشتد بحيث تقذف بالزبد وتطرب وإلا صارت كالخمر في النجاسة والحد كالخبز إذا أذيب وصار كذلك بل أولى أي: الخبز. وفاقا للطبلاوي وللرملي ثانيا, سم على المنهج اهـ. وقال الشرواني أيضا في حاشيته على التحفة: وقوله (والحشيش) لو صار في الحشيش المذاب شدة مطربة اتجه النجاسة كالمسكر المائع المتخذ من خبز ونحوه وفاقا لشيخنا الطبلاوي وخالف م ر ثم جزم بالموافقة". وجمهور الشافعية والحنابلة والمالكية يرون أن العلة في الخمر كونها مسكرة ومعنى الإسكار عندهم أن فيها شدة مطربة أي قوة و نشوة وحمية. ولا تكون إلا في المائع، فمن شرب القليل من المسكر حُد ولو لم يسكر. (ومن شرب قليلا من الخمر المتخذ من العنب حُد حتى عند أبي حنيفة وخلافه في قليل النبيذ الذي لا يسكر ولذلك ظهر الخلاف في شراب البوظة ) أما المسكر الجامد فهو محرم لكن لا يحد شاربه عند الجمهور ، وعند بعض الشافعية وبعض المالكية كالمنوفي وابن تيمية هو كالمائع، لذا نقل البجيرمي والقليوبي عن النووي قوله عن البنج والحشيشة بأنهما مسكران لا مخدران. وقال الدسوقي في حاشيته على الدردير:"ولا يكون المسكر جامدا أصلا خلافا للمنوفي فإن المسكر عنده قد يكون جامدا ولذا جعل الحشيشة منه". وعلى ذلك فهل يصح قياس الدخان على الخمر بجامع أن فيهما شدة مطربة ؟ وهل العلة متحققة بتمامها في الفرع ؟ ما رجحه الجمهور أن العلة غير متحققة فيه بتمامها وما رجحه القليوبي - بناء على ما فهمه من كلام النووي والرافعي - أنه مسكر بمعنى أن النفس تنتشي به لا بمعنى أنه يغطي العقل. وهذه الخلافات الدقيقة سبب لتعدد أقوال الفقهاء فيه قال العلامة الرحيباني عن الدخان في مطالب أولي النهي 6/ 219:" وكل أهل مذهب من الأربعة فيهم من حرمه، وفيهم من كرهه، وفيهم من أباحه، ولكن غالب الشافعية والحنفية قالوا إنه مباح أو مكروه، وبعضهم من حرمه، وغالب المالكية حرمه، وبعض منهم كرهه، وكذا أصحابنا سيما النجديون إلا أني لم أر من الأصحاب من صرح في تأليفه بالحرمة، وظاهر كلام المصنف (يعني الكرمي) هنا وفي رسالة ألفها فيه: الإباحة، وظاهر كلام الشيخ منصور البهوتي في آداب النساء الكراهة. ومن العلماء من فصل بين من يسكره ومن لا يسكره، وهو الصواب إذ الإنسان لو تناول مباحا مجمعا عليه فسكر منه، حرم عليه تناوله؛ لأنه يضره في عقله ودينه، وأما أنا فلا أشك في كراهته؛ لما قدمناه، ولما فيه من النقص في المال، ولكراهة رائحة فم شاربه كأكل البصل النيء والثوم والكراث ونحوها، ولإخلاله بالمروءة بالنسبة لأهل الفضائل والكمالات، وكان أحمد لا يعدل بالسلامة شيئا. وأما التحليل والتحريم فلم أقطع بواحد منهما؛ لقصر باعي وقلة اطلاعي، ولعدم الدليل الصريح". د. مصطفى عليان https://t.me/al_hanabila_sadti Follow the قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ channel on WhatsApp: https://whatsapp.com/channel/0029Vaj7I6B3mFY7Nu3QOF0f

Comments