
قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ
June 3, 2025 at 06:22 PM
أهمية علم الجرح والتعديل للفقيه المجتهد، وضرورة بناء نظرية واقعية في باب الستر والنظر :
تكلمنا سابقا في أحكام نظر الرجل لوجه المرأة وبينا بأن المنشور في المواقع غير دقيق ولا يبني نظرية واقعية في باب الستر والنظر ، والآن نتكلم عن أحكام نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبي:
■ وقد اختلف الفقهاء في ذلك بناء على اختلافهم في تصحيح الأحاديث والاستدلال بها ، فالحنفية والحنابلة وقول عند المالكية أخذوا بحديثي عائشة وفاطمة بنت قيس وقالوا بجواز نظرها إلى غير العورة من غير شهوة .
(والقول الثاني عند المالكية لها أن تنظر إلى ما يظهر عادة)
□ والشافعية - في الأصح - أخذوا بحديث أم سلمة وحرموا نظرها إلى وجه الرجل ولو مع أمن الفتنة.
قال في الموسوعة الكويتية ٣١/ ٥١ :" أما الشافعية فلا يجيزون لها النظر إلى ما هو عورة وإلى ما هو غير عورة منه من غير سبب".
ولذلك أفتوا بوجوب سد الطاقة (النافذة) إذا كانت تنظر إلى الرجال منها.
(وذكرنا سابقا قول الشربيني في أن ظاهر كلام الرافعي والنووي وجوب ستر الوجه لذاته وقول ابن حجر وجوبه لغيره أي من أجل نظر أجنبي لها ولو في الحج وإلا كانت آثمة لإعانتها له على الإثم )
- وذكرنا أن مذهب الحنابلة ينص على كثرة الاستثناءات، وعدم التصريح بوجوب الستر لذاته.
[[ ■ فائدة مهمة ■
جعل الشافعية هذه المسائل ناقضةً للإجماع الذي نقله القاضي عياض ، ومصححةً للاتفاق الذي قاله الجويني واعتمده النووي.
قال الرملي:" (قوله: ووجّهه الإمام (أي الجويني) باتفاق المسلمين (على وجوب ستر وجهها إذا خرجت) إلخ) نقل (أي النووي) في الروضة وأصلها هذا الاتفاق وأقره وعلل به في الشرح الصغير وهو المعتمد وكلام القاضي عياض (في عدم وجوب ستر وجهها) مردود بأشياء منها..(وذكر : ما قاله ابن عبد السلام في سد الطاقة وما قاله النووي والبلقيني بوجوب ستر المرأة وجهها عن الكافرة؛ لأنها معها كاجنبي، وما قاله الأذرعي بحرمة النظر إلى عيني المنتقبة)
انظر: حاشية الرملي الكبير على أسنى المطالب ٣/ ١١٠، إعانة الطالبين ٣/ ٣٠١ ]]
□ واستدل الجمهور بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت قيس: اعتدي في بيت ابن أم مكتوم؛ فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فلا يراك» . وقالت عائشة: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد» . متفق عليه.
فأما حديث نبهان عن «أم سلمة قالت: كنت قاعدة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وحفصة، فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجبا منه، فقلت: يا رسول الله إنه ضرير لا يبصر، فقال: أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه» ؟ رواه أبو داود.
فقال أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين، هذا الحديث، والآخر: «إذا كان لإحداكن مكاتبا فلتحتجب منه» . كأنه أشار إلى ضعف حديثه، إذ لم يرو إلا هذين الحديثين المخالفين للأصول.
وقال ابن عبد البر: نبهان مجهول، لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث. وحديث فاطمة صحيح، فالحجة به لازمة.
ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص بأزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، قاله أحمد وأبو داود.
انظر : مطالب أولي النهى ٥/ ١٥
□ واستدل الشافعية بعموم الآية: { قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } قال في إعانة الطالبين ٣/ ٣٠١:" ويحرم تعمد نظر الأجنبية لشئ من بدن أجنبي وإن لم تخف فتنة ولم تنظر بشهوة، وذلك لقوله تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) ... خلافا للرافعي)
وأجابوا عن حديث عائشة بأنه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وإنما إلى لعبهم، أو أن ذلك لعله كان قبل نزول الحجاب أو كانت عائشة لم تبلغ مبلغ النساء إذ ذاك.
ورد الرملي قول البلقيني بأن ما صرح به المنهاج لم يقل به أحد من الأصحاب فقال في نهاية المحتاج ٦/ ١٩٥:" وقول الجلال البلقيني إن ما اقتضاه المتن من حرمة نظرها لوجهه ويديه بلا شهوة وعند أمن الفتنة لم يقل به أحد من الأصحاب = رُدّ بأن استدلالهم بما مر في قضية ابن أم مكتوم.
والجواب عن حديث عائشة صريح في أنه لا فرق، ويرده أيضا قول ابن عبد السلام جازما به جزم المذهب يجب على الرجل سد طاقة تشرف المرأة منها على الرجال إن لم تنته بنهيه وقد علم منها تعمد النظر إليهم".
■ ويؤخذ من كل ذلك:
- صعوبة الاستدلال بالأحاديث والآثار لغير عالم بالجرح والتعديل.
- خطورة الترجيح بين المذاهب.
- إمكانية وضع نظرية واقعية شرعية في الستر والنظر بناء على مذهب الجمهور.
د. مصطفى عليان حفظه اللّٰه.
https://t.me/al_hanabila_sadti
Follow the قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ channel on WhatsApp: https://whatsapp.com/channel/0029Vaj7I6B3mFY7Nu3QOF0f