قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ
قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ
June 8, 2025 at 11:15 AM
العدالة والرحمة في نظام التعزير في الفقه الإسلامي ، ومقارنتها بالقسوة في القوانين الوضعية ( ١ ) : التعزير هو: عقوبة مفوضة للإمام إما بالحبس أو بالمال أو بالجلد وهذا التفويض ليس مطلقا بل مقيد بروح الشريعة ومقاصدها عند الجمهور. وتظهر عدالة الإسلام ورحمته وسبق الفقهاء للقوانين العصرية في مسائل كثيرة منها: أولا: الحبس: الحبس للمتهمين والمجرمين جائز بلا خلاف وقد ورد في السنة النبوية وفعله الخلفاء الراشدون بلا كراهة لما فيه من حسنات كبيرة للمجتمع ،وقد «حبس النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا في تهمة ثم خلى عنه» رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصحح إسناده. واتخذ سيدنا عمر دارا للسجن وكذلك فعل سيدنا علي. والحبس عند الجمهور لا حد لأكثره بحسب ما يراه حاكم الشرع ، وعند الشافعية أكثره سنة واحدة فقط تشبيها له بالنفي. وقد قدم لنا الفقهاء استنادا إلى نصوص الشريعة نظرات راقية في حفظ حقوق المساجين تسبق القوانين الحديثة. فمثلا: أ- يحق للمحبوس أن يلتقي بزوجه للجماع وهو مذهب الشافعية والحنابلة وذكره بعض الحنفية. وهو ما أخذت به بعض الدول العربية كالأردن والسعودية. قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب ٤/ ٣٠٦: " ولا يمنع) المحبوس (من الاستمتاع بنسائه) في الحبس (إن أمكن) فيه". وفي حاشية الرملي عليه قال:"وإن طلب امرأته في وقت من الأوقات ليقضي حاجته منها أجبرت على ذلك إن كان في الحبس موضع خال يصلح أن يكون لمثله مسكنا". وكذا إن حبست زوجة فإنها لا تمنع من إرضاع ولدها وقال الزركشي: ولا تمتنع المتزوجة من زوجها إذا حبست على الأصح. حاشية الرملي الكبير ٢/ ١٨٩ وقال الحنابلة بوجوب العدل مع زوجاته حتى في السجن قال في الإقناع وشرحه:" وإن حبس الزوج (فاستدعى كل واحدة) من زوجاته في الحبس (في ليلتها فعليهن طاعته إن كان) الحبس (مسكن مثلهن) ولا مفسدة كما لو لم يكن محبوسا" كشاف القناع ٥/ ٢٠٣ وفي النهر من كتب الحنفية: إذا احتاج للجماع دخلت عليه زوجته أو أمته إن كان فيه موضع سترة. حاشية ابن عابدين ٥/ ٣٧٧ ب- يحق للمحبوس أن يعمل في السجن ويأخذ أجرة، وهو ما نص عليه فقهاء الشافعية والحنابلة وبعض الحنفية. ج- يحق للمحبوس أن يطالب بتعويض عن الأيام التي حُبسها ظلما - بحسب الفقه الحنبلي خلافا للمالكية والشافعية - جاء في الروض المربع : "(وإن استولى على حر) كبير أو صغير (لم يضمنه) ؛لأنه ليس بمال، (وإن استعمله كرها) فعليه أجرته؛ لأنه استوفى منافعه وهي متقومة، (أو حبسه) مدة لمثلها أجرة (فعليه أجرته) ؛لأنه فوت منفعته وهي مال يجوز أخذ العوض عنها، وإن منعه العمل من غير غصب أو حبس لم يضمن منافعه". د. لا يجوز الحبس إلا لمن في حبسه مصلحة شرعية وقد ذكر القرافي ثماني حالات فقط يجوز فيها الحبس. ه- نص الفقهاء على أن اول عمل يقوم به القضاة هو النظر في المساجين فمن كان بريئا أُطلق. قال في إعانة الطالبين ٤/ ٢٦١ :"وأن ينظر أولا في حال أهل الحبس، لانه عذاب عليهم، فمن أقر بحق منهم فعل به مقتضاه، ومن ادعى منهم أنه مظلوم بالحبس طلب من خصمه حجة إن كان حاضرا، فإن لم يقمها صدق المحبوس بيمينه وأطلقه. وإن كان غائبا كتب إليه ليحضر عاجلا هو أو وكيله، فإن لم يحضر صدقه بيمينه وأطلقه أيضا، لكن يحسن أن يأخذ منه كفيلا" ومثله في كشاف القناع ٦/ ٣٢١. و- بل توسع بعض الفقهاء في رحمتهم بالمساجين ورأوا أنه لا يجوز أن يقفل على المحبوس باب السجن، ولا أن يجعل في بيت مظلم، ولا يؤذى بحال وإنما يمنع من الكسب بجلوسه في الحبس ولو هرب لم يجب على الحاكم طلبه (إذا ثبت عسره في الدين). انظر: حاشية الرملي الكبير على أسنى المطالب ٢/ ١٨٨ وفي الخلاصة من كتب الحنفية: يجوز أن يخرج بكفيل لحضور جنازة أحد أصوله وفروعه لا غيرهم وعليه الفتوى. الدر المختار ٥/ ٣٧٨ ■ كل هذه الرأفة في كتب الفقهاء كانت سابقة للقوانين الحديثة وسببا لتقليل السجون وتسريعا في توبة المساجين في الماضي، بينما وجدنا في عصرنا الحالي بسبب انتشار القوانين الوضعية القاسية (أو انتشار الرأفة التي تضيع حقوق المجني عليهم في القوانين العلمانية الحداثية) كثرة السجون وقلة التائبين من المجرمين وزيادة في إجرامهم. د. مصطفى عليان // دكتور في الفقه وأصوله، دكتور في التفسير وعلوم القرآن. https://t.me/al_hanabila_sadti Follow the قَنَاةُ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ channel on WhatsApp: https://whatsapp.com/channel/0029Vaj7I6B3mFY7Nu3QOF0f

Comments