د. محمد عبدالله العتيبي
د. محمد عبدالله العتيبي
June 10, 2025 at 06:39 AM
كثرة انتشار الرياء بين الناس: قال ابن الجوزي رحمه الله: قد غلب على الناس الرياء، فقَلَّ من ينفكُّ عنه: فترى العالِم يحفظ العلم، ويناظر في الفقه، ويسهر الليل؛ ليُقالَ، ولِيُمدَحَ. والزاهد يترك اللباس الحسن، ويقنع بالمطعم الخشن؛ ليُقالَ، ولِيَتبرَّكَ به العوام. فجمهور أعمالهم رياءٌ: إن تصدق أحدهم فليراه الناس، وإن لم يروه مَنَّ على الفقراء وتحدَّث به... ولو رأيت أئمة التراويح يقرؤون الشواذ، ويعيدون اللفظة الواحدة مرارًا، فيقول: مالك، مالك، مالك، مالك! وهذا لا يجوز أن تُعادَ اللفظة مِرارًا؛ لأنه يُخرِج القرآن عن نظمه، ومقصودُهم بهذا أن فلانًا حافظ. ومن أعجب ما رأيت: أن النساء إذا مات لهن ميتٌ، صعدن في الحر إلى السطح بعد نوم الناس، ونزلن قبل انتباههم؛ لئلا يقال: فلانةٌ تنام في السطح، ولَبِسن خَشِنَ الثياب ظاهرًا، وحَسَنَه داخلًا. وقد كثُرَت أحوال الرياء في الرجال والنساء في كل فعلٍ، وقَلَّ أن ينفكَّ منه أحدٌ، وإنما يكثر ويقلُّ. فينبغي لِمَن وفقه الله تعالى أن يعلمَ أن الرياء كالشرك، ويفهم معنى قوله: ﴿يُراءُونَ النَّاسَ﴾، وقوله: ﴿الَّذينَ هُمْ يُراءُونَ﴾، ويطالعَ الأحاديث المذكورة في ذم الرياء، وهي كثيرة، كقول النبي ﷺ: "يقول الله تعالى: {مَن عَمِل لي عملًا أشرك فيه غيري، فأنا بريءٌ منه}". وكان بعض السلف يقول: "اتقوا سرائر الشرك، وهو: أن تصلي، فتلحظَك العيونُ، فتُطيلَ السجودَ". وجملة الأمر: أن الرياء كل ما قُصِدَ به رؤية الخلق لأداء حق الحق ﷻ. ... قال بشر الحافي: "إن الرجل ليُرائي بعد موتِه"، قيل: كيف؟ قال: "يحب أن يَكثُرَ جمْعُ جنازتِه". وهذا تدقيقٌ عجيبٌ؛ لأنه لو أحبَّ الكثرة للاستغفار له لم يكن مذمومًا، وإنما يحبها لكثرة مدحه، ولِيُقالَ: لولا أنه رجلٌ صالحٌ ما كثُروا! فليَتَّقِ اللهَ العبدُ، وليعلم أن الخلق لا يُغنُون عنه شيئًا، وأن جزاءه على نيته لا على علانيته، وأعمال الرياء تذهب باطلًا، ثم يعاقَب عليها. وليتصور في نفسه أنه بعد قليلٍ يبلى، ويبلى مَن راياه، وتذهب المحامد، وتبقى السرائر. فلا يحسن للعاقل أن يعمل إلا لله تعالى، ولا يقول إلا لله، وأنه متى صحَّتْ نيته وأخلص، عطف الله تعالى القلوب إليه، فحصل له أضعاف ما رجا من مدح الخلق. صيد الخاطر (ص ٢٣١ - ٢٣٣).
👍 1

Comments