سوق الآخره
سوق الآخره
May 14, 2025 at 05:18 PM
فهم السياسة بلغة الواقع لا بلغة الشعارات من لا يفكر بمنطق توازن القوى، ويكتفي بالشعارات الحماسية، سيتهم أي تحوّل سياسي — كالحاصل في النموذج السوري الجديد — بكل تهمة يمكن تخيّلها، مهما بدا هذا التحوّل عقلانيًا أو واقعيًا. ذلك لأن الخطاب الذي تشكّل في أذهان كثير من المناصرين طوال السنوات الماضية كان يعتمد على تعبئة وجدانية، لا على تأسيس فهم سياسي ناضج. والأسوأ أن النظام السوري نفسه ساهم سابقًا في ترسيخ هذا الخطاب، (تعظيم الخيال وتكرار الاتهامات للمخالفين) ثم أصبح اليوم ضحيته. أهم ملامح هذا الخطاب المتوارث: 1.لا تنازل، لا مهادنة، لا مرونة. تم تصوير أي مرونة سياسية على أنها خيانة، وأي محاولة للتهدئة كأنها تراجع عن المبادئ. لا وجود لفقه الموازنات، ولا للمصالح والمفاسد، ولا حتى لرؤية بعيدة المدى. 2.الاعتماد الكلي على النصوص المعنوية مثل “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة”. رغم أن الآية حق، فإن استخدامها خارج سياق التخطيط والأخذ بالأسباب، يجعلها غطاء للتقصير لا باعثًا للتوكل. 3.الاكتفاء بالشعور الإيماني وتغليب العاطفة على السنن الكونية. مثل: “توكلوا على الله”، و”إن الحكم إلا لله”، وغيرها من النصوص التي استُخدمت كبدائل عن دراسة الواقع، لا كضوابط له. 4.الاستغناء عن التحليل السياسي لصالح الرفض العاطفي. الحزن، الغضب، والاشمئزاز أصبحت أدوات تقييم للمواقف السياسية، وكأن التحليل الواقعي خيانة أو ضعف في الإيمان. 5.تخوين المخالف والتضييق على الاختلاف. من يخالف الخط العام يُسقِطونه فورًا من اعتبارهم، مهما كان تاريخه، بل يُتهم بالتغير أو السقوط، لأن الثبات — في نظرهم — لا يعني المرونة ولا العناد والتشبث بالشعار. الخلاصة: من نشأ على التفكير المطلق، والشحن التعبوي، والتصور الثوري الجامد، لن يستطيع فهم التحولات ولا بناء مشروع إصلاحي طويل الأمد. سيتوقف عند حدود الصراخ والرفض، ويبقى أسير العبارات… لا فاعلًا في الميدان، ولا شريكًا في الحل. د.محمد سعد الأزهري
❤️ 2

Comments