مكتبة أحرفنا المنيرة
مكتبة أحرفنا المنيرة
June 12, 2025 at 05:49 AM
في محكمة النوايا تتردد دقات المطرقة في أرجاء القاعة، لتعلن بداية جلسة محكمة مشحونة بالتوتر. تتوقف الأنفاس، وتُسلط الأضواء على المتهمين، الذين يقفون أمام منصة العدالة، كل منهم يحمل عبءًا من الشكوك والاتهامات. في هذه اللحظة، يتساءل الجميع: من هو الجاني الحقيقي؟ أقف هنا، كقاضٍ محايد، أراقب المشهد. أرى المتخاصمين، كل منهما يحمل روايته الخاصة. الأول، يتحدث عن الظلم الذي وقع عليه، بينما الثاني يدافع عن نفسه، مُشيرًا إلى أن الكلمات ليست سوى أدوات، وأن النية هي ما يحدد الجريمة. لكن، هل يمكن أن نُدين الأحرف ونبرئ ما لم يُكتب؟ أرى الحاضرين، بعضهم يتابع بصمت، وآخرون يهمسون فيما بينهم. لكنني أريد أن أسمع صوتهم. أريد أن أستخرج من أعماقهم ما يخفيه الليل من أسرار. هل هم جبناء؟ أم أنهم يخشون الحقيقة التي قد تُغير مجرى الجلسة؟ أدرك أن كل كلمة تُقال هنا تحمل وزنًا، وكل صمت يُعبر عن خوف أو تردد. أريد أن أستخرج الدليل الذي يقودنا إلى الحقيقة. هل هي في الكلمات التي نطق بها المتهم، أم في الصمت الذي يحيط بنا؟ أرفع صوتي وأقول: "لنحكم على النوايا، لا على الكلمات. فالكلمات قد تكون سلاحًا، لكن النية هي ما يحدد من هو الجاني الحقيقي." أُدركت أن الجلسة ليست مجرد محاكمة، بل هي رحلة في أعماق النفس البشرية، حيث تتداخل الأحرف مع المشاعر، وتتشابك النوايا مع الأفعال. إن كل كلمة تُقال هنا ليست مجرد صوت، بل هي صدى لقصص لم تُروَ، وأحلام لم تُحقق، وأوجاع لم تُنسَ. بعد استعراض الأدلة والشهادات، أستمع إلى كل كلمة، وأُدرك أن هناك خيوطًا معقدة تربط بين المتهمين. أرى في عيونهم مزيجًا من الخوف والأمل، وأفهم أن كل واحد منهم يسعى للنجاة من عبء الاتهام. أختم الجلسة بكلمات تحمل ثقل القرار: "بعد النظر في الأدلة والشهادات، أجد أن النية هي ما يحدد الجريمة. لذا، أُعلن أن المتهم الأول، الذي ادعى الظلم، قد يكون ضحية للظروف أكثر من كونه جانيًا. أما المتهم الثاني، الذي استخدم الكلمات كأداة، فقد أظهر نية غير واضحة، مما يجعل من الصعب إدانته بشكل قاطع." "لذا، أُقرر أن تُغلق هذه القضية، ولكن مع تحذير لكل منكم: الكلمات تحمل قوة، والنية هي ما يحدد مصيركم. فلنكن دائمًا حذرين في استخدام ما نقول، لأن كل كلمة قد تُغير مجرى حياة إنسان." تتلاشى الأضواء تدريجيًا، لكن صدى الكلمات يبقى، كأنما يُذكّرنا بأن الحقيقة ليست دائمًا واضحة، وأن كل منا يحمل في قلبه قصة تستحق أن تُروى. "الجلسة مغلقة." تتردد دقات المطرقة مرة أخرى، لتعلن نهاية هذه الرحلة في محكمة النوايا. الكاتبة: وعد محمد فضل الله
❤️ 👍 8

Comments