
عبد الرحمن الزواوي - Abd El-Rahman Elzwawy
May 26, 2025 at 05:35 PM
كانت رحمها الله نموذجًا يُدَرَّس لكافة النساء!
كانت حقًا شخصية نادرة، فريدة في حضورها، ثابتة في خلقها، متفرّدة في سمتها.
جمعت بين حياء المرأة الصالحة، وسكون الوقار، وسترة العفاف، وبين حكمة ناضجة، وقوة في الحق لا تلين.
ما عُرفت يومًا بكثرة القيل والقال كحال كثير من النساء، إذا دخلت المسجد، بشّت في وجوه الأخوات، فكان لقاؤها بشرًا وبهاءً، وإذا جلست لحلقة العلم، جلست بأدبٍ وسكون، تمسك قلمها، وتدوّن ما تسمع.
أحبّها الجميع، وتعلّقت بها قلوب الأخوات، فقد كانت هيئتها آيةً في الحياء، ووقارها سببًا في هداية كثيرات، التزمن واستقمن لا بخطبة ولا موعظة، بل بحبّهن لسمتها، واتباعهن لهديها الصامت.
وبين الصلوات، توزّع الحلوى والتمر، تزرع بها البهجة في القلوب، وتنشر طيب المعاملة بلا ضجيج. لا تتكلّف، ولا تتصنّع، بل تفعل الخير كأنه فطرتها الأولى.
وكانت من أبرّ الناس بأهلها، وبأمها خاصة، برًا في زمنٍ عزّ فيه الوفاء والبر.
عُرف عنها السعي في قضاء الحوائج، والاهتمام بأمر المسلمين، ودون أن تتدخل فيما لا يعنيها، فقد فهمت دينها بحق، وعاشت الأدب مع الله والخلق.
وقد عرفناها عن قرب، أنا وأسرتي، فكنّا منها بمنزلة الأهل، وعايشناها في مواقف لا تُنسى، رأيناها تجمع بين الحنكة والفطنة، والسكينة والثبات، وحين يتردّد الناس كانت تحسم، وحين يتنازعون كانت تُصلح.
رزقني الله صحبتها في حج العام الماضي، وكان من أصدق ما رأيت فيها: صبرها واحتسابها رغم ما عانته من تعب ومشقة، لم تشكُ، لم تتضجّر، بل كانت تُقبِل على الشعائر وكأنها موعد منتظر، تقف في المناسك برسوخ، ولا تترخص، وعينها دامعة بالشوق، ولسانها لا يفتر عن الدعاء.
وكانت شديدة الحب لأمّنا خديجة بنت خويلد، ترى فيها قدوة المرأة المسلمة الكاملة: المضحية، الباذلة، الساترة، الوفية. وكانت تقول: "هي مثلي الأعلى"، وعاشت على خُطاها، فكانت نعم الزوجة، ونِعم الأم، ونِعم الباذلة في سبيل الله.
نحسبها كذلك والله حسيبها..
ومن عجيب ما رأيناه منها في أيامها الأخيرة، أنها كانت تستشعر قرب أجلها، قبل أسبوع فقط، وضعت صورة في حالتها على "واتساب"، فيها قول ابن القيم:
"عوّد نفسك على الخلوة بربك، فستخلو به في القبر طويلاً."
ثم كتبت:
"لم يعد لدي من أي شيء من الأماني، فالرحيل قريب، والزاد قليل، اللهم ارزقني حسن الخاتمة."
بل إنها أخبرت بسرعة إعداد المقبرة، وكأنها تُرتّب تفاصيل الرحيل!
وما خفّف عني اليوم مصابي في فَقْدها، أنّ أحد إخواني اتصل بي وقال: "رأيت رؤيا، كأن أرضًا خضراء شاسعة، وفي منتصفها امرأة تقف في لباس فضفاض، كما عهدناها دومًا، وقيل لي: إنها الحاجة خديجة."
رحمها الله، وأسكنها الفردوس الأعلى، وجعل قبرها روضة من رياض الجنة، وجمعنا بها في مستقر رحمته، كما جمعتنا بها في الدنيا على طاعتك ومحبّتك.
❤️
😢
🤲
❤
❤🩹
👍
♥
🤍
🥹
42