عبد الرحمن الزواوي -  Abd El-Rahman Elzwawy
عبد الرحمن الزواوي - Abd El-Rahman Elzwawy
May 27, 2025 at 01:18 PM
من أعجب ما تسمعه عن حياة إنسان! وكانت – رحمها الله – محبةً للمساجد، لا تجد راحتها في مجالس اللغو، فإن دخلت مسجدًا ابتدأت بالميضة، فإن رأتها بحاجة إلى تنظيف بادرت إلى غسلها بنفسها، ثم انتقلت إلى سجاد المسجد فكنسته، وإن رأت فيه ما تهالك سعت لتغييره. كانت مثالًا في التواضع، لا تكاد تشعر بمكانتها العلمية، على رفعتها، وإنك لتعجب من إتقانها للغات غير العربية، تتكلم بها كما يتكلم أهل هذه اللغات، ومع ذلك كانت تخفي ذلك عن الناس تواضعًا وبساطة. وفي أيام جائحة كورونا، لم تكتفِ بالدعاء والسلامة، بل حملت ما استطاعت من طعام وشراب وملابس ومستلزمات طبية، وذهبت بها إلى مستشفيات العزل، توزع وتُعين وتشد على أيدي المنهكين. ثم بلغها أن إحدى المغسلات تشترط مبالغ باهظة لتغسيل المتوفيات بفيروس كورونا، فما ترددت، بل عقدت العزم أن تغسل أخواتها بيدها، وأن تشتري الأكفان من مالها الخاص، وما خافت على نفسها يومًا. وذات مرة، علمت أنني ووالدتي مريضان، فأعدّت الطعام بيديها، وكانت الكهرباء مقطوعة، فخافت أن يبرد الطعام، فحملته وصعدت به أربعة عشر طابقًا على قدميها، وتكرر الموقف مرتين! رغم أن صحتها لا تحتمل صعودًا ولا حملًا، وكان الأطباء قد قرروا لها عملية في مفصل يدها، وأوصوها أن لا تجهدها… لكنها كانت تُجهد نفسها في سبيل الله وراحة الناس. أشهد أنها كانت صاحبة فضل عليَّ… بل أفضال، وما كنت وحدي من نال برّها، فكلما التقيت بأحد، أخبرني أنه ذاق من إحسانها فضلًا ومعروفًا في يوم حاجة. كانت لا تنسى يوم الصديق، تواظب عليه وتُوصي به بين الحين والآخر، تصلي الظهر في مسجد المواساة، ثم تنطلق بقلبها الرحوم إلى المستشفيات، تزور المرضى، تتفقد حاجاتهم، وتسعى في قضائها. من الصوّامات، نادرًا ما رأيناها مفطرة، وقد أَلِفَت الصيام حتى صار لها ديدنًا. تلفُّ بنفسها على الأسر المحتاجة، تدخل السرور إلى بيوتهم، وتغمرهم بعطفها، كأنما خُلقت لتكون بلسمًا للقلوب المنكسرة. كانت تسعى في الإصلاح كأنما خُلقت له، تبذل النصح بحكمة، وتُطفئ نار الخلاف برفقها ولين قولها، لا تملُّ من السعي في جمع القلوب على الخير. يحكي الأخوات عن شدة تعلقها بالقرآن، حتى إنّها ما كانت تدخل في الصلاة إلا وتغالبها دموعها، فما إن تكبّر حتى تفيض عيناها، كأن قلبها يذوب خشوعًا وهي تقف بين يدي الله، تسمع كلامه. كانت هي مِن أول مَن أوصاني بجمع ختمة كاملة للقرآن الكريم، وألحّت عليَّ بذلك مرارًا، لا تفتُر ولا تَكِل. وحتى في أوقات تعبها كانت لا تفارق سماع القرآن، تُشغّله للمرضى، وتستأنس به وكأنه أنيس روحها. وما رأيتُ أحدًا فرح بتلك الختمة كما فرحت هي، كأنما كانت أمنية قلبها. اللهم اجعل أجر تلك الختمة في ميزان حسناتها، وبلّغها بها أعلى درجات الجنة. 🖊 شذرة بسيطة من صفحات حياتها.. اللهم ارحم أمتك خديجة رحمةً واسعة، واجعل ما قدمته في ميزان حسناتها.
❤️ 😢 🤲 ❤‍🩹 🌟 👍 💗 🥹 47

Comments