
zr.co.tv
June 11, 2025 at 11:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم،
يُعلن مكتب الدكتور مزوار محمد سعيد، الباحث في قضايا الفكر واللغة والفلسفة، عن رؤيته البحثية حول العلاقة الوثيقة والعميقة بين الترجمة والفلسفة، وهي علاقة لا تقتصر على البُعد الأداتي أو اللغوي فحسب، بل تتعدّاه إلى أبعاد معرفية، وجودية، وتأويلية.
فالترجمة، بوصفها فعلًا herméneutique، ليست عملية نقلٍ محايدٍ لمعانٍ من لغة إلى أخرى، بل هي ممارسة تأويلية تستبطن خلفيات فلسفية، وتعكس رؤى للعالم. ولذا لم تكن صدفةً أن يهتم عدد من كبار الفلاسفة بقضية الترجمة، بل مارسوها وتأملوا فيها نظريًا ووجوديًا.
لقد نبّه مارتن هايدغر إلى أن الترجمة ليست إعادة قول الشيء ذاته بلغة أخرى، بل هي كشفٌ جديد لمعنى الكينونة في أفق لغة مغايرة. أما هانز-غيورغ غادامير فقد اعتبر أن كل ترجمة هي تأويل، وأن فعل الفهم نفسه ينطوي على ترجمة داخلية، حتى بين الأجيال الناطقة باللغة ذاتها.
كما رأى فالتر بنيامين في مقاله الشهير "مهمة المترجم" أن الترجمة الحقة لا تستهدف القارئ أو حتى المعنى، بل اللغة نفسها ككُل، بما هي كينونة حيّة، تشهد ولادة جديدة مع كل ترجمة حقيقية. الترجمة إذن، كما يقول، هي شكل من أشكال "بقاء" النص الأصلي، ولكن في صورة متحوّلة.
ولا يمكن أن نغفل عن بول ريكور، الذي أدرك في الترجمة لحظة أخلاقية وفلسفية معًا، بوصفها تسوية بين الأمانة والخيانة، بين الذات والآخر، بين الرغبة في الفهم والخشية من الاختزال. ويذهب إلى أن الترجمة نموذج رمزي لفعل التفاهم الإنساني.
لهذا، فإن مكتب الدكتور مزوار محمد سعيد يؤكد على أن كل مترجمٍ، حين يمسك بالنص الفلسفي، هو في قلب المساءلة الفلسفية نفسها. فهو لا ينقل مفاهيم فحسب، بل يعيد بناءها ضمن أفق لغوي وثقافي مغاير، وقد يُغيّر بذلك أفق الفلسفة نفسها في سياقها الجديد.
إننا في المكتب نؤمن أن مستقبل الفلسفة، في عالم متعدد اللغات والثقافات، يمرّ لا محالة عبر الترجمة. فالترجمة ليست "مرحلة وسيطة"، بل هي فضاءٌ فلسفي قائم بذاته، يُنتج المعنى ويؤسّس للحوار.
والله ولي التوفيق.
مكتب الدكتور مزوار محمد سعيد
بورتون أون ذا ووتر – المملكة المتحدة
11 جوان 2025م.