🔴 منشور هام عن تسعير ثمن الكشف في العيادات الطبية هل للطبيب الحق في أخذ الأجر اللي هو عايزه في عيادته ؟ يعني ما فيش ضوابط معينة في الشرع بالنسبة لموضوع الأجر بتاع الطبيب ؟ ج/ بداية على وجه الإجمال: ليس هناك حد شرعي لمسألة الأجرة. فالتسعير الجبري أصلاً مسألة كبيرة ولها تفاصيل كثيرة، ويمكن القول باختصار: هناك حالان: الحال الأول: الحالة المعتادة، وهي ألا يكون هناك احتكار، ولا غلاء عام، يمنع من الانتفاع بالخدمة. ففي هذه الحالة: جمهور أهل العلم على المنع من التسعير، وهو الراجح، ولهم على ذلك عدة أدلة، منها مثلاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رجلاً جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله سَعِّر لنا (يعني ضع لنا تسعيرة جبرية، أي: يكون هناك أسعار معينة للتجار تلزم بها) فقال ﷺ : «بَلْ أَدْعُو اللَّهَ» ، ثم جاءه رجل فقال: يا رسول الله سَعِّر لنا، فقال: «بَلِ اللَّهُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَتْ لِأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ» (صحيح). فهذا دليل صريح على منع التسعير. الحال الثاني: إذا كان هناك نوع من أنواع الغلاء، أو الاحتكار، أو التضييق على الناس وتعطيل لمصالحهم وإدخال العنت والمشقة عليهم. فهنا جمهور أهل العلم أيضاً، على المنع من التسعير، مع تحريم الفعل بالطبع سواءً أكان الاحتكار، أو التضييق على الناس لما فيه من الضرر. لكن الصحيح، وهو الرأي الثاني، إنه يجوز التسعير في هذه الحالة، ويحضرني هنا قول الإمام ابن العربي رحمة الله عليه معلقاً على الحديث السابق، حيث قال: "وما قاله النبي ﷺ حق، وما فعله حكم، لكن على قوم صح ثباتهم واستسلموا إلى ربهم، وأما قوم قصدوا أكل أموال الناس والتضييق عليهم، فباب الله أوسع وحكمه أمضى". وعلى كل الأحوال: الصورة التي نتكلم عنها، وهي صورة الطبيب في عيادته الخاصة، لا يتحقق فيها الاحتكار، أو التضييق العام على المسلمين، فهناك سبل ومنافذ عامة لتقديم الخدمات الطبية، وليست مختصة بطبيب بعينه، في عيادته بعينها. قد يقول قائل: ولكن الخدمة العامة أقل في الجودة، فنقول حتى ولو، فليس هناك منع تام من الخدمة، أو احتكار تقديمها من شخص بعينه. فهنا يمكن القول من ناحية المبدأ: يجوز للطبيب إن يضع التسعيرة التي يراها متناسبة مع جهده ومع ما بذله من وقته ومن مال والتضحيات الكثيرة التي لا يخفى أن الطبيب يبذلها في خلال سنوات دراسته وعمله. هذا من ناحية المبدأ العام. لكن مع هذا نقول، وننصح زملائنا الأطباء بالرفق واللين والرحمة. ولا يكون غرض الإنسان تحصيل المنافع الدنيوية المحضة فقط، فما عند الله خير وأبقى، فليأخذ الإنسان من الدنيا ما يكفيه، ويبتغي فيما آتاه الله الدار الآخرة، ويحسن كما أحسن الله إليه، فمن عليه بنعم لا تعد ولا تحصى، ومنها نعمة هذا العلم، والقدرة على هذا العمل، ومن ينفق ينفق الله عليه، ومن ينفق مما رزقه الله يزيده الله من الرزق، ومن البركات. فمن الممكن أن يكون باب الطب هذا هو الباب الذي يتقرب المرء به إلى ربه، ويقبل منه، ويكون سبباً لدخول الجنة، خاصة مع التقصير الذي يعتري الكثيرين منا في أداء الواجبات والتقصير في سائر أبواب الطاعات مع الانشغال الكبير في هذه المهنة. والعجيب!! أنك ترى كثيراً من الأطباء عندهم إقبال كبير جداً على إخراج المال في سبيل الله، بل ولا يتردد في أن يخرج الكثير من المال في سبيل الله، لكن رغم هذا لا يتهاون أبداً في مسألة مبلغ الكشف، ويكون لهم في ذلك مبررات عدة. لكن أهمس في أذن هؤلاء الأفاضل: إن من أبواب البر العظيمة أن ينفق المرء من عين ما أتاه الله، حتى إن بعض السلف الصالح كانوا يرون أن في الجاه صدقة!! بمعنى أن من أنعم الله عليه بالمكانة في المجتمع فعليه أن يتصدق على عباد الله من هذه النعمة، نعمة الجاه، ويستخدمها في قضاء مصالح المسلمين. وليكن المرء على يقين أن الله سبحانه وتعالى شكور فيجازي العبد على ما قدمه، وهو قليل، بالكثير الوفير. فإذا الإنسان نظر إلى هذه النقطة يعتدل لديه الميزان. فلا يكتفي بالصدقة من المال، بل يتصدق بعلمه، ويتصدق بوقته، ويجبر كسر عباد الله المحتاجين، ويجعله من الأبواب الرئيسية في طاعاته. وهي لافتة منهجية أراها مهمة: أن الإنسان قد يهتم جداً بالممارسات الإيمانية في سائر مناحي حياته، ويغفل عن التعبد لله تعالى في باب عمله الدنيوي، مع أنه يستنزف الكثير من وقته وجهده، وعمره. فأرجو إن نتواصى بإصلاح هذا الجانب وهو جانب عظيم جداً، وأرى فيه خير ونفع كبير جداً. والله المستعان على كل حال. - الشيخ د. محمد فرحات #فتاوي_الدكتور_محمد_فرحات