
مكتب المحامي أحمد فضل أحمد السريحي( الحمودي للمحاماة )
May 18, 2025 at 12:04 AM
عندما تخطو قدماك داخل أروقة المحاكم، تدرك أن ما يحدث بين جدرانها أكبر من مجرد نزاع قانوني؛ إنها ساحةٌ تكشف عن وجوهٍ خفية، وتُظهر معادن البشر في أشد لحظاتهم قسوة.
في المحاكم، لا تُقاس القضايا بعدد الأوراق، بل بعدد القلوب التي انكسرت، والضمائر التي سقطت، والعلاقات التي انهارت.
في هذه الساحة، ترى الأخ يخاصم أخاه على إرثٍ زائل، وكأنّ الدم الذي جمعهما قد تبخّر في ميزان الذهب.
ترى الزوجين وقد تحوّل حبهما إلى حربٍ، يفتح كلٌّ منهما دفاتر العِشرة، لا لذكرى طيبة، بل لتوثيق الإساءة وانتزاع المكاسب.
لحظةُ غضبٍ عابرة، فيها كلمةٌ نابية أو يدٌ مرفوعة، قد تكلّف الإنسان حريته لعشرات السنين خلف القضبان.
تتأمل، فتجد من اقترض مالًا يومًا، يعود إلى المحكمة لا ليشكر، بل ليشهد ضدّ صاحب الفضل، وكأنّ المعروف كان دَينًا عليه أن يُنكره.
وترى من كنت تظنه الأقرب، يقف أمام القاضي ويحلف زورًا، لا لشيءٍ إلا ليسقطك ويصعد على أنقاضك.
وتستمع إلى أبٍ يشتكي أبناءه، وأبناءٍ يتّهمون والدهم بالجشع، وتُدرك أن الزمن قادرٌ على تقليب القلوب، إن خلت من الرحمة.
تكتشف أن التنازل، في بعض النفوس المريضة، يُعدُّ ضعفًا لا كرمًا، ويُستخدم لاحقًا كسلاحٍ ضد من أحسن.
وفي ركنٍ آخر، تجد شريكًا خان الثقة، لا بخيانةِ قلبٍ، بل بخيانةِ أمانة، وسرقةِ تعبِ سنين.
تسمع المرافعات، فتدرك أن كثيرًا من المبادئ تُذبح على منصّة الطمع، وأن العدالة كثيرًا ما تبكي، لا لضعفها، بل لخذلان من يطلبونها.
وتنظر في القضايا، فتجد مظلومًا قد أخطأ، لكنه لا يستحق السجن، بينما ينجو مجرمٌ لأنه أحسن التمثيل في مسرح القانون.
في المحكمة، تتجلّى الحقيقة مجرّدةً من الزيف؛ ليس لأن الناس صادقون، بل لأن الظروف تُجبرهم على أن يُظهروا أسوأ ما فيهم.
فاحذر... فإن دخلت المحكمة يومًا، فلتكن خصمًا نبيلاً، لا خائنًا، ولتكن طالبَ حقٍّ، لا طامعًا في باطل.
ففي النهاية، كل شيء يُنسى إلا الظلم.
خالص تحياتي
أ/ أحمد فضل
👍
2