مجلة الصمود
مجلة الصمود
June 14, 2025 at 08:21 PM
*مقال: الإعلام كأداة للصراع الفكري بين الإمارة الإسلامية والغرب* بقلم: عبد الحفيظ علي تهليل *‏الغزو الفكري الغربي والإعلام:* ‏تتجلّى في عصرنا الحاضر أهمية الإعلام وتأثيره البالغ في تشكيل وعي المجتمعات وتوجيه الرأي العام. وفي عالمنا الإسلامي، نواجه ـ بلا شك ـ حربًا ضروسًا تستهدف تشويه الإسلام، والنيل من تاريخه المجيد، وتقويض أسس حضارته. المؤسف أن هذه الحرب لا تُشنّ من قِبل الغرب فحسب، بل إن أخطر أدواتها هم بعض من أبناء جلدتنا، ممن يتحدثون بألسنتنا. ‏وقد نبّه المستشرق الإنجليزي (هاملتون جب) إلى هذه الظاهرة مبكرًا، حين قال في كتابه (وجهة العالم الإسلامي): “إن المدارس والمعاهد لا تكفي، فهي ليست إلا الخطوة الأولى، ويجب توجيه الاهتمام إلى خلق رأي عام، وذلك بالاعتماد على الصحافة؛ فهي أقوى الأدوات الأوروبية وأشدّها نفوذًا في العالم الإسلامي، ومعظم مديري الصحف القومية من التقدميين، وتغلب على الصحف نزعة علمانية واضحة”. ‏وهذا التحذير يكشف إدراكهم المبكر لأهمية الإعلام في توجيه المجتمعات والتحكم في وعيها. وفي السياق ذاته، يقول أحد المنظّرين الصينيين في علم الاتصال: “الحرب الإعلامية هي فنّ الانتصار دون حرب”. ‏لكنّه يضيف: ‏”هذه الحرب لا تُعدّ سوى المقدّمة الضرورية لتحقيق النصر، فإذا لم تفلح في بلوغ الهدف، فعلى الإعلام أن يمهّد المناخ المناسب لخوض الحرب العسكرية، أملًا في تحقيق النصر النهائي”. ‏ويكفينا للتدليل على جدّية هذا الغزو الفكري الإعلامي ما كشفت عنه تقارير رسمية من أن الولايات المتحدة الأمريكية ترصد مئات الملايين من الدولارات سنويًا لتمويل إعلام موجّه إلى العالم العربي، ومن ذلك قناة (الحرة) الناطقة بالعربية، والتي تُدار من قِبل شبكة الشرق الأوسط للإرسال (MBN) بإشراف الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي (USAGM). فقد بلغت ميزانيتها السنوية وفق تقارير رسمية نحو 132 مليون دولار لعام 2024، فضلًا عن مخصّصات احتياطية موجهة للأزمات. ‏وعلى هذا النهج، يتواصل الدعم المالي والمعنوي الموجَّه للإعلام التغريبي في العالم الإسلامي، في محاولة دؤوبة لصناعة وعي بديل، ينسلخ عن هويته ووطنه وقيمه، وينقاد لمنظومات فكرية دخيلة. *‏الإعلام والصراع الفكري: معركة لا تقل عن البندقية* ‏للإعلام دورٌ هامٌّ في تغذية المجتمع بالمعلومات والحقائق حول ما يجري في العالم، مما يساعد الأفراد على متابعة المستجدات أولًا بأول، ويعينهم على اتخاذ القرارات الهامة والمصيرية. ‏وللإعلام وجهان: وجه إيجابي يتمثل في تنمية وعي المجتمع الإسلامي ونشر القيم والثقافة الإسلامية، ووجه سلبي يظهر حين تقوم وسائل الإعلام الغربية بنشر الأخبار الكاذبة والمضللة، لتكون أداة لاختراق القيم والمعتقدات في المجتمعات الإسلامية، مما يؤدي إلى تغريب الأجيال وفقدانهم لهويتهم الدينية والثقافية. ‏ومن أخطر وجوه الغزو الفكري الإعلامي غسلُ الأدمغة عبر برامجَ ترفيهيةٍ وحواراتٍ سياسيةٍ ظاهرها البراءة، وباطنها مشحون برسائلَ موجَّهة تستهدف زعزعة المبادئ الإسلامية وتشويهها. ‏ففي زمن الهيمنة الغربية على وسائل الإعلام، لم تعد المعركةُ محصورةً في ميادين القتال، بل امتدت إلى أوسع من ذلك: إلى العقول والمفاهيم. ‏لقد أدرك أعداء الإسلام أن الغلبة لا تُحقَّق بالاحتلال العسكري وحده، بل لا بد من اختراق المجتمع الإسلامي وتزييف مفاهيمه، ولهذا جعلوا من الإعلام سلاحًا رئيسًا في صراعهم الفكري مع الأمة الإسلامية. ‏الإعلام في المنظومة الغربية ليس وسيلةً محايدة، بل هو أداة ناعمة وأحيانًا قذرة، تُستخدم لنشر الأكاذيب وتضليل الوعي، بهدف ضرب ثوابت الإسلام وتشويه تطبيق الشريعة الاسلامية، كما رأينا في أفغانستان بعد إقامة النظام الإسلامي. ‏يُقدَّم هذا السلاح الإعلامي في ثوبٍ مزيف من “الحرية” و”حقوق الإنسان” و”الديمقراطية”، بينما هو في حقيقته جبهة حرب فكرية مشتعلة، تسعى لتحويل المسلم من مقاومٍ شجاع إلى تابعٍ ذليل، ومن مجاهدٍ مخلصٍ لأمته ووطنه إلى مقلدٍ مفتونٍ بالغرب، متخلٍّ عن هويته وولائه للمسلمين. ‏يقول المفكر (جوزيف ناي) في كتابه (القوة الناعمة: سبل النجاح في عالم السياسة الدولية)، الصادر عام 2004: “المعارك لا يمكن أن تُربَح فقط في ميادين القتال، بل إن المنتصر في الحرب هو من تكسب روايتُه الإعلامية المعركة”. ‏ لقد خاضت الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل معاركَ عسكرية كثيرة، لكنها اليوم تواجه معركة أشد خطرًا، معركة على الهوية والعقيدة والوعي، معركة لا تُخاض بالرصاص والقنابل، بل بالأفكار والصور والكلمات والشاشات. ‏العدو اليوم يتسلل إلى بيوتنا وعقولنا باسم الثقافة، وبذريعة الإعلام، وتحت لافتات التقدُّم والتنوير، في محاولة مستميتة لإعادة تشكيل وعي الأمة ومسخ هويتها. *‏الهيمنة الإعلامية الغربية في أفغانستان: سلاح الاحتلال الناعم* ‏لم تكن الحملة الصليبية الفاشلة في أفغانستان مقتصرة على الاحتلال العسكري فقط، بل رافقها سلاح أشد خطرًا وهو الإعلام. فمنذ أن وطأت أقدام الاحتلال الأمريكي وحلفائه أرض أفغانستان، جلب معه ترسانة من المنابر الإعلامية الممولة والموجهة، مثل: إذاعة “صوت أمريكا” و “بي بي سي” و”راديو آزادي”، تحمل معها خطابًا مسمومًا هدفه تشويه صورة المجاهدين، وتزييف وعي الشعب الأفغاني المسلم، وبث أفكار العلمنة والديمقراطية والانحلال الخلقي. ‏كان هذا الإعلام جزءًا من مشروع احتلال فكري وثقافي، يُراد به طمس الهوية الإسلامية الأفغانية، وصناعة جيل يفكر بعقلية غربية. ولم تكن نشرات الأخبار اليومية بريئة، ولا البرامج الحوارية المشبوهة محايدة؛ بل كانت منصات لتسويق “الديمقراطية”، والترويج للأفكار الهدامة، وتقديم المسلم المجاهد على أنه “متطرف خطير” يجب اجتثاثه واستئصاله وقتله. ‏وفي محاضرة شهيرة ألقاها البروفسير الأميركي (ماكس مانوارينغ)، في العام 2012، نصح الرجل القادة العسكريين الغربيين مباشرة بتبني “أساليب قتالية حديثة”، يقع بعضها في المجال الإعلامي، معتبرًا أن “تنفيذ تلك الأساليب بدأب، سيقود العدو إلى أن يستيقظ يومًا ما فيجد نفسه ميتًا، من دون أن نبذل الجهد في إطلاق النار عليه”. لقد أدركت الإمارة الإسلامية في أفغانستان منذ وقت مبكر أن الاحتلال لا يكتفي بالاحتلال العسكري المباشر، بل يغزو الأذهان، وينشر عملاءه في داخل المجتمع الأفغاني، لذلك كان من أولوياتها، بعد النصر، تفكيك هذه الترسانة الإعلامية المعادية للمجتمع الأفغاني، وإغلاق تلك الإذاعات المشبوهة التي كانت تبث السم في جسد الشعب الأفغاني. *‏كيف تصدت الإمارة الإسلامية للغزو الفكري الإعلامي؟* ‏إنّ المعركة اليوم لم تعد بالسلاح وحده، بل أصبحت حرب أفكار وصورة ووعي. لذا، فإن تحصين مجتمعتنا الإسلامية في أفعانستان والعالم الإسلامي، وخاصة الشباب والجيل الصاعد، بفكر ناضج، وإعلام هادف، وتعليم راشد، بات ضرورة لا تحتمل التأجيل، إذا أردنا أن نحفظ وجودنا الثقافي والحضاري. ‏ما إن استعادت الإمارة الإسلامية زمام الحكم في أفغانستان وإقامة نظام إسلامي، حتى باشرت في تفكيك أدوات الاحتلال الإعلامية التي ظلت على مدى عقدين تبثّ سمومها في عقول المسلمين. كانت تلك الوسائل – مثل صوت أمريكا وراديو آزادي وبي بي سي– تعمل ليل نهار على تشويه الجهاد، وبثّ الفتنة، وصياغة عقلية خانعة تقبل بالاحتلال وتكره الجهاد. ‏لكن الإمارة لم تقف موقف المتفرج، بل تحركت بثبات وإرادة قوية تنطلق من منظور إسلامي، مدركة أن إدارة الفضاء الإعلامي جزء من السيادة الوطنية في أي بلد، وأن من يملك ويدير منابر الكلمة يملك التأثير في الأجيال. ‏فجاءت القرارات الحاسمة لقيادة الإمارة الإسلامية بإغلاق المحطات المعادية، ووقف بثّها، ومحاسبة كل من يروّج للخطاب المناهض للشريعة والقيم الأفغانية الأصيلة، ولو تحت غطاء محلي. كما فرضت الإمارة ضوابط شرعية تحمي المجتمع الإسلامي من الانحراف الفكري، ومنعت المحتوى الذي يروّج للفكر الغربي المنهزم في أفغانستان. ‏وفي الوقت ذاته، لم تكتفِ الإمارة بالمنع، بل دعمت إعلامًا بديلًا جهاديًا يعبّر عن عقيدة الجهاد، ويروي حقيقة ما يجري من داخل أفغانستان، بأسلوب راقٍ، متطوّر، ومنضبط بالشريعة الإسلامية. وهكذا، تحوّل الإعلام من ساحة مستباحة بلا حارس مخلص لدينه ووطنه، إلى جبهة متقدمة في معركة الوعي ومواجهة الأفكار الاحتلالية الزائفة، جبهة توازي الجبهات العسكرية.
Image from مجلة الصمود: *مقال: الإعلام كأداة للصراع الفكري بين الإمارة الإسلامية والغرب*  بقلم...

Comments