
رَياحِــؔينٌ|| مِن آثارِ السَّلَفِ
June 13, 2025 at 03:44 PM
من أدوات إبليس: التَّسويف!
- بابٌ في ذكرِ تلبيس إبليس على جميع النّاسِ بطولِ الأملِ وهو في غاية الأهمية:
قال المصنِّف ابن الجوزي -رحمه الله تعالى- في كتابه تلبيس ابليس:
"كم قد خَطَرَ على قلبِ يهوديٍّ ونصرانيٍّ حُبُّ الإِسلامِ، فلا يزالُ إِبليسُ يثبِّطُهُ ويقولُ:
لا تَعجَل، وتمهَّل في النَّظَرِ؛ فيسوِّفُهُ، حتى يموتَ على كُفرِهِ".
وكذلك يُسَوِّفُ العاصى بالتَّوبةِ، فيعجِّلُ لهُ غَرَضَهُ مِن الشهواتِ، ويُمَنِّيهِ الإِنابَةَ، كما قالَ الشاعرُ:
تُعَجِّلُ الذَّنبَ لمِا يَشْتَهِي…
ويأَمَلُ التَّوبَةَ مِن قَابلِ
وكم عازمٍ على الجدِّ سوَّفَهُ، وكم ساعٍ إِلى مقام فضيلةٍ ثبَّطَهُ.
⬅ فلربَّما عَزَمَ الفقيهُ على إِعادةِ دَرسِهِ، فقالَ: "استَرخِ ساعةً".
⬅ أَو انتبَهَ العابدُ في الليلِ ليُصلِّي فقالَ لهُ: "عليكَ وَقتٌ أكمل نومك".
⬅ ولا يزالُ يُحَبِّبُ الكَسَلَ، ويسَوَّفُ بالعَمَلَ، ويُسنِدُ الأمرَ إِلى طولِ الأملِ.
⬅ فينبغي للحازِمِ أَن يَعمَلَ على الحزمِ، والحَزمُ هو بدار الوقتِ وتركُ التسويفِ والإعراضُ عن طول الأمَلِ، فإِنَّ المُخَوّف لا يُؤمَنُ، والفواتَ قد يُبعَثُ.
↔وسبب كلِّ تقصيرٍ في خيرٍ أَو مَيلٍ إِلى شرِّ طُولُ الأمَلِ، فالإنسانُ لا يزالُ يحدِّثُ نفسَهُ بالنُّزوعِ عن الشرِّ والإِقبالِ على الخيرِ؛ إِلا أَنَّه يَعِدُ نفسَهُ بذلك.
ولا ريبَ أَنَّه مَن أَمَّلَ أَن يُمسي؛ سار بالنهارِ سيرًا فاترًا، ومَن أَمَّلَ أَن يُصبِحَ؛ عَمِلَ بالليل عملًا ضعيفًا، ومَن صوَّرَ الموتَ عاجِلًا جدَّ.
وقد قالَ ﷺ: "صَلِّ صلاةَ مُوَدِّعٍ".
▫️وقالَ بعضُ السَّلَفِ: أُنذِرُكُم سَوفَ؛ فإِنَّها أَكبرُ جنودِ إِبليسَ.
▫️ومَثَلُ العامِلِ على الحزمِ والمساكِنِ لطولِ الأَملِ كَمَثَلِ قومٍ كانوا في سَفَرٍ، فدَخَلوا قريةً، فمضى الحازِمُ فاشترى ما يصلُحُ لتمامِ سفرِهِ، وجلسَ متأَهِّبًا للرحيلِ.
وقالَ المُفَرِّطُ: سأَتأَهَّبُ، فرُبَّما أَقَمنا شَهرًا، فضُرِبَ بوقُ الرحيلِ في الحالِ، فاغتَبَطَ المُحتَرِزُ، واغتبَن الآسفُ المُفَرِّطُ!
فهذا مَثَلُ الناسِ في الدُّنيا، فمنهُم المستعدُّ المتيقِظُ، فإِذا جاءَ مَلَكُ الموت لم يندَم، ومنهُم المغرورُ المُسَوِّفُ يتجرَّعُ مريرَ الندمِ وقتَ الرِّحلةِ.
وإِذا كانَ في الطَّبعِ حبُّ التَّواني وطول الأمل، ثم جاء إبليس يحثُّ على العمل بمقتضى ما في الطَّبعِ؛ صَعُبَتِ المجاهَدَةُ، إِلا أَنَّهُ من انتبَه لنفسهِ علم أَنَّهُ في صفِّ حربٍ، وأَنَّ عدوَّهُ لا يفتُرُ عنهُ، فإِن فتر في الظاهِر؛ أبطن لهُ مكيدةً، وأَقامَ لهُ كَمِينًا.
ونحنُ نسأَلُ الله السَّلامةَ مِن كيدِ العَدُوِّ، وفِتَنِ الدنيا، وشَرِّ النفوسِ، إنَّهُ قريبٌ مجيبٌ!