
سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
May 20, 2025 at 05:40 PM
https://whatsapp.com/channel/0029VaFEaLK7DAWtV3tQvM43
قناتنا على تلغرام: https://t.me/talebsira
صفحتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/talebsira/posts/pfbid02pUfd5SKigpcx7D6VPJRcrqCN35pNfnv9QxznPPL8LMEdDA1brQMomHNtrGEzAxBgl
نتابع مع *خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه*
رابعًا: *المفاهيم الإدارية عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه*:
1- *التأكيد على العنصر الإنساني*:
كتب أمير المؤمنين إلى أحد عماله:
«أما بعد،
فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة واحتقارًا وجفوة..
فالبس لهم جلبابا من اللين تشوبه بطرف من الشدة،
وداول بين القسوة والرأفة
وامزج لهم بين التقريب والإدناء والإبعاد والإقصاء
إن شاء الله».
فكان على الرئيس ملاحظة الأوضاع النفسية لمرؤوسيه،
وأن يضع استراتيجيته الإدارية على ضوء هذا الواقع،
وأن يوازن بين ضرورات الضبط والتنظيم
مع الضرورات الواقعية التي تفرزها الحالات الإنسانية والنفسية،
فمن الخطأ أن تقوم النظرية الإدارية التنظيمية على قواعد صارمة وثابتة لا تراعي العامل الإنساني،
ولا تراعي تأثيرات الظروف،
وكأن التنظيم الإداري لأي مؤسسة أو منظمة أو حركة أو حزب أو جمعية أو ناد...إلخ
يتحرك في فراغ بمعزل عن التأثيرات الخارجية والداخلية.
2- *عامل الخبرة والعلم*:
في هذا النطاق يؤكد أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه على أهمية أن يكون المسؤول صاحب خبرة وعلم،
فإذا كان كذلك فله حق الطاعة،
وإلا فإنه لا طاعة له،
يقول أمير المؤمنين:
عليكم بطاعة من لا تعذرون بجهالته،
فإذا كان جاهلاً فإنهم معذورون
فلا طاعة للجاهل لأنه يأخذهم إلى الهلاك.
ويقول أيضًا:
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق,
والجاهل غير العارف بالأمور ينتهي أمره إلى معصية الخالق بأمر مخالف.
3- *العلاقة بين الرئيس والمرؤوس*:
هذه العلاقة لا يرسمها التسلسل التنظيمي والتدرج
بل ترسمه المصلحة المشتركة بين الرئيس والمرؤوسين،
يقول أمير المؤمنين علي لواليه عندما بعثه إلى مصر:
«ثَمَّ أمور من أمورك لابد لك من مباشرتها،
منها إجابة عمالك بما يعيا عنه كتابك،
ومنها إصدار حاجات الناس يوم وردها عليك بما تحرج به صدور أعوانك»,
ونحن هنا أمام حالة أُلغي فيها التسلسل الوظيفي إلغاء تامًا،
وإذا لم يقدر الوالي على القيام بهذه المهمة
فإنه ينتدب بعض خلصائه لذلك، فيقول:
«وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال،
ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم»,
وهذا تجاوز واضح على الإدارة البيروقراطية
التي ترى أن كل شيء يجب أن يتم ضمن التسلسل الإداري ولا حق لأحد في إلغاء هذا التسلسل،
ومن يُلغِ ذلك يُعد متجاوزًا للتنظيم،
ثم بين أمير المؤمنين مضار التقيد غير المسؤول بالتسلسل الوظيفي:
«فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور،
والاحتجاب عنهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه؛
فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير،
ويقبح الحسن ويحسن القبيح،
ويشاب الحق بالباطل».
هذه هي مضار التسلسل الإداري والتقيد الحرفي به،
فتباطؤ الأمور بين هذه السلسلة الطويلة وانتقالها من مسؤول إلى مسؤول،
ومنه إلى مسؤول ثالث فرابع وخامس حتى وصولها إلى الناس العاديين،
هذه السلسلة التي تجري بعيدًا عن مباشرة الرئيس الأعلى قد تغير الأمور وتقلبها رأسًا على عقب،
فيصبح الصغير كبيرًا والحق باطلاً،
والحسن قبيحًا والقبيح حسنًا،
كما يقول أمير المؤمنين رضي الله عنه،
وهو ما تعانى منه التنظيمات البيروقراطية
لأنها تعتمد على سلسلة تنتقل عبرها المسائل والقضايا،
فتنحرف عن أهدافها ومراميها،
والعلاج - كما يقدمه أمير المؤمنين علي - هو ألا يحتجب المسؤول عن أفراده،
فاحتجابه يتسبب في تغيير قراراته
أو تطبيقها في أحسن الظروف تطبيقًا متحجرًا
بعيدًا عن الأهداف التي طمح من أجلها،
ومهمة الرئيس ليست محصورة في لقاء المرؤوسين،
بل عليه أن يوفر الأجواء المطمئنة
التي تجعل المرؤوس قادرًا على طرح مشاكله بطمأنينة وبدون خوف،
لأن الغاية ليست هي المقابلات الفجة،
بل الهدف هو أن يكون هذا اللقاء مفيدًا
فلابد من خلق الأجواء المناسبة لهذه اللقاءات،
يقول في ذلك:
واجعل لذوي الحاجات منك قسمًا تُفرغُ لهم فيه شخصك
وتجلس لهم مجلسًا عامًا فتتواضع فيه لله الذي خلقك
وتقعد عنهم جندك وأعوانك من حراسك وشرطك
حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع,
ويبعث إلى قثم بن العباس «ابن عمه» برسالة يقول فيها:
«ولا يكن لك إلى الناس سفير إلا لسانك ولا حاجب إلا وجهك»,
وهناك نصوص أخرى تؤكد على طبيعة العلاقة بين الرئيس والمرؤوسين
وأنها لا تقوم عبر الوسائل ولا القيود الإدارية،
بل تقوم وجهًا لوجه عندما تستدعي الحاجة لذلك.
4- *مكافحة الجمود*:
هناك بعض النظريات الإدارية واللوائح التنظيمية تسبب الجمود،
وإضاعة الوقت والجهد، وإضاعة الحقوق،
كما أن كثيرًا من الأعمال لا يفكر بإنجازها أساسًا
لأنها تستغرق وقتًا طويلا حتى يتم إقرارها عبر السلسلة الإدارية،
من هنا جاءت دعوة أمير المؤمنين رضي الله عنه: من أطاع التواني ضيع الحقوق.
5- *الرقابة الواعية*:
الرقابة مهمة في كل تنظيم إداري،
فقد نوه أمير المؤمنين رضي الله عنه إلى هذه الوظيفة فقال:
«وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم،
فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية»,
فالرقابة عند أمير المؤمنين هي عطف ونصرة للمراقَب لمواصلة أداء الأمانة،
كما أن الرقابة لابد أن تتم عبر وسائط من أهل الصدق والوفاء
حتى يكون تقييمهم عادلاً لا تتلاعب فيه أهواؤهم،
فالرقابة هنا عامل مساعد على التقدم،
وتدفع بالأفراد إلى الحركة، والإخلاص في العمل.
إن القوانين الصارمة لا وجود لها في الفكر الإداري لأمير المؤمنين رضي الله عنه
عندما تعيق هذه القوانين حركة الأفراد داخل التنظيم،
وتصبح سببًا لإضاعة الحقوق.
6- *التوظيف يتم عبر الضوابط وليس عبر الروابط الشخصية*:
في هذا المجال أكد أمير المؤمنين على في عهده لواليه على مصر:
«ثم انظر في أمور عمالك
فاستعلمهم اختبارًا
ولا تولهم محاباة وأثرة»
فلابد من إجراء الاختبارات الأولية على الشخص الذي يراد استخدامه في عمل ما،
ويجب أن يبتعد الرئيس عن المعايير الشخصية في توظيف أو ترقية الأشخاص إلى المناصب العالية،
ثم يقول:
«ثم انظر في حال كُتابك،
فولّ على أمورك خيرهم»
وليس أقربهم إلى قلبك وعائلتك،
فلا مجال للروابط والعواطف،
فالمعيار هو الحق،
وتتعلق هذه الميزة بخاصية أخرى هي الأمانة.
7- *الضبط*:
ففي كتاب أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه إلى الأشعث بن قيس يتبين هذا المفهوم:
«وإن عملك ليس لك بطعمة،
ولكنه في عنقك أمانة،
وأنت مسترعى لمن فوقك».
فقد اعتبر أمير المؤمنين العمل الإداري – في هذا النص – أمانة،
ويجب على المسؤول أن يرد هذه الأمانة كما هي،
وأن يحافظ عليها،
وأنه مسؤول أمام الله على أدائها،
ومسؤول أمام رئيسه «من فوقه» اعترافًا بأهمية التسلسل الوظيفي،
وهذا عامل مهم من عوامل إيجاد الضبط الإداري الذاتي
الذي يمنع مظاهر التسيب والانحراف.
8- *المشاركة في صنع القرار*:
إذا ما أعدنا قراءة النصوص عند أمير المؤمنين التي تحث على المشاورة
لوجدنا أن الغاية من هذا الحث هو إيجاد مقدار من المشاركة في صنع القرار،
وأن لا ينفرد رجل واحد في صنع القرار،
سواء كان هذا الرجل قائدًا عسكريًا، أو ماليًا، أو مديرًا
أو مسؤولاً في أي ميدان من الميادين،
فـ«الشراكة» في الرأي تؤدي إلى الصواب،
لأنها مشاركة جمع من العقول،
وإضافة آراء ذوي الخبرة والتجربة،
فالقرار الذي يأتي عبر مناقشة مستفيضة
ستجتمتع عليه الآراء فيكون أقرب إلى الصواب,
فالمشاورة تكفل هذا النجاح،
يقول أمير المؤمنين علي: شاوروا فالنجاح في المشاورة,
ولم يحدد أمير المؤمنين كيفية وأسلوب المشاورة
بل وضع أمامنا قاعدة عامة،
وذكر لنا فوائد تطبيق هذه القاعدة،
ولم يستثن ميدانًا من الميادين عن المشورة،
وهذا يعني أنها ضرورية لكل عمل يقوم به الإنسان،
وتشتد الضرورة عندما يكون هذا العمل منوطًا بمجموعة من الأشخاص وليس فردًا واحدًا،
وإذا أمعنا النظر في هذا النص: *صواب الرأي بإحالة الأفكار*
لاتضح لنا أهمية المناقشات المستفيضة من ذوى الشأن للوصول إلى القرار الصائب.
9- *حسن الاختيار لدى الوالي والضمانات المادية والنفسية لموظفي الدولة*:
إن حسن الاختيار يسد الطريق أمام المشاكل التي قد تطرأ نتيجة ضعف الموظف أو عدم انسجامه مع الجو العام،
وإذا أمعنا النظر في رسالة أمير المؤمنين علىّ لمالك الأشتر النخعي
لوجدنا الشروط المهمة التي يضعها أمامه عند اختياره لعماله:
« ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارًا،
ولا تولهم محاباة وأثرة،
فإنها جماع من شعب الجور والخيانة،
وتوخَّ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة،
والقدم في الإسلام المتقدمة
فإنهم أكرم أخلاقًا،
وأصح أعراضًا،
وأقل في المطامع إسرافًا،
وأبلغ قي عواقب الأمور نظراً».
فهذه شروط متعددة غير محصورة بالكفاءة اللازمة في العمل فقط،
بل لابد من ملاحظة « العامل» من النواحي النفسية والاجتماعية أيضًا،
حتى لا يأخذه الطموح ولا تتغير نواياه وأغراضه،
كما لا بد من ملاحظة سلوكه الاجتماعي
وقدرته على التكيف في المحيط الاجتماعي الجديد،
عند ذلك تبدأ مسئولية الوالي:
ثم أسبغ عليهم الأرزاق،
فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم،
وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم،
وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك,
فعندما تجتمع تلك الخصال في فرد من الأفراد
ثم يقابل بالمكافأة الجيدة
فإن ذلك مدعاة له لأن يستقيم في عمله
ويواصل جهده لترقية الولاية أو المؤسسة.
وفي مكان آخر يقول:
وأفسح له في البذل ما يزيل علته،
وتقل معه حاجته إلى الناس،
وأعطه من المنزلة لديك مالا يطمع فيه غيره من خاصتك,
وهذه عوامل تحصن الموظفين الكبار من السقوط في طريق الرشوة أو شرائه بالمال:
أ- البذل الواسع الذي يكفل جميع حاجاته حتى يشعر بالغنى.
ب- المنزلة المرموقة حتى يشعر بالأمن والطمأنينة على وظيفته،
وهذا ما يسمى بالأمن الوظيفي.
فماذا يريد الموظف بعد كل ذلك إذا كانت حياته مؤمنة،
ووضعه الوظيفي مستقرًا،
وهذه الضمانات لكبار موظفي الدولة يمكن إنزالها على الشركات الكبرى والمؤسسات العملاقة وقادة الحركات الإسلامية،
إنها كفالة كاملة تضمنها للموظف أفضل الأفكار الإدارية،
فحتى الإدارة في الدول المتقدمة اقتصاديا حاليا لا تحيط الموظف بهذا الشكل من الرخاء الأمني والمعيشي،
فالموظف يأخذ راتبًا معينًا،
وقد يكون هذا الراتب غير كاف لتغطية جميع نفقاته،
فماذا سيعمل حينذاك يا ترى؟
قد تدفعه الحاجة إلى أعمال مشينة مخلة بالأخلاق،
لكن المنهاج الإداري لأمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه يجب أن يؤمن الموظف حتى يصل حد الغنى،
أي لا يتم الاكتفاء بالراتب الشهري فقط،
بل المعيار هو تأمين حاجاته،
ومن ثم توفير الأمن الوظيفي له:
«وأعطه من المنزلة ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك».
10- *مرافقة ذوي الخبرات*:
فذوو التجارب هم مصدر المعرفة الواقعية،
ومن الطبيعي أن يستفيد المتعلم من أصحاب التجار أكثر ممن يتلقى العلوم النظرية،
وقد استفاد الدول المتقدمة صناعياً من هذه القاعدة عندما حولوا معاملهم إلى جامعات يستفيد منها العامل الجديد،
فهو يتلقى الخبرة ممن سبقه،
والذي سبقه ممن سبقه،
وقد جاءت هذه القاعدة على لسان أمير المؤمنين:
خير من شاورت ذوو النهي والعلم وأولو التجارب والحزم,
وأفضل من شاورت ذوو التجارب,
ويقول في مصاحبة أصحاب العلم والتجربة:
خير من صاحبت ذوو العلم والحلم,
فهذه النصوص ما هي إلا قواعد غايتها إعداد الإنسان المسلم الناجح في الحياة،
ومن ثم بناء المجتمع المتصف بالتقدم والرقي المستمر.
11- *الإدارة الأبوية*:
الوالي هو أب قبل أن يكون صاحب سلطة،
وهو يتعامل مع موظفيه على أنهم أبناؤه،
فمثلما يتحمل الأب تربية أبنائه،
كذلك يتحمل مسؤولية إعداد كبار موظفي الدولة،
وهذا ما أخذت به الدول المتقدمة إدارياً،
والذي نجد له مصداقًا في قول أمير المؤمنين علي إلى مالك بن الأشتر فيوصيه بموظفيه:
ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما,
فيجب أن يتعامل المسؤول مع أفراده معاملة الوالد لولده يرعاه،
ويعفو عنه عندما يسيء،
وعندما يعاقبه فعقوبته هي تربية له.
==
من كتاب *سيرة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه* للدكتور علي محمد الصلابي، المنشور رقم (173)
نشر يومي لسيرة الخليفة الراشدي الرابع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه على واتساب
للانضمام اختر أحد الروابط التالية:
https://chat.whatsapp.com/IOPhN2rk4oy5B2dsPq3wxv
أو
https://chat.whatsapp.com/DziGxd8tXOB64Cyx2kaAj2
أو
https://chat.whatsapp.com/BCsWlnrskNsJGBzEkqRYwn
أو
https://chat.whatsapp.com/BUXtBBRcFPULDPkpN061vC
أو
https://chat.whatsapp.com/Jke0VMAUZ1tKiabyTsX7L3
أو
https://chat.whatsapp.com/BXbxrYt1RvKCtzSeQQScum
أو
https://chat.whatsapp.com/FMy0zjkJhyMKaXyVx5MO79
أو
https://chat.whatsapp.com/J1Q2fFi1lm39A9OFj2rlMD
أو
https://chat.whatsapp.com/C3jaBv16fCi4pREoUc7BfL
أو
https://chat.whatsapp.com/DZeYxykglRt6r0vQNC41eM
ملاحظة: في حال امتلاء المجموعات السابقة اطلب رابطا جديدا من مشرف المجموعة.
ساهم في نشر هذه المجموعات أو نشر ما يُنشَر فيها
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.