
خطوة تغيير 💛🍂
June 7, 2025 at 10:03 PM
ما شهدته في شوارع بلادي خلال ليلة العيد وأول أيامه لم يكن مجرّد سلوكيات فردية عابرة من بعض الأطفال، بل كان عرضًا صارخًا لأزمة تربوية وأخلاقية عميقة… أزمة، إن لم نواجهها بوعي وإرادة، ستتحوّل إلى واقع مرير تُنتَج فيه الأجيال القادمة على طراز الفوضى والبلطجة بدلًا من الانضباط والاحترام.
مشهد أطفال – تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عامًا – وهم يتنقلون في الشوارع بلا رقيب، يتلفّظون بألفاظ سوقية، يتنمرون، يتحرّشون أحيانًا، يرمون المارة بكلمات جارحة أو تصرفات عدوانية… وللأسف لم يعد هذا استثناءً، بل أصبح متكرّرًا في كل مناسبة، وفي كل حي.
السؤال الآن: ما الذي ينتظرنا بعد سنوات قليلة، إذا كان هذا الجيل يُمارس هذه السلوكيات في سن مبكرة، بلا خجل ولا وازع؟
هل نحن أمام جيل جديد من «البلطجية الصغار» الذين يكبرون على فقدان الحياء، والتطاول على الآخرين، وفقدان الإحساس بالحدود والحقوق؟
المشكلة ليست فقط في هؤلاء الأطفال، بل في غياب مشروع حقيقي واضح لإعادة ترسيخ منظومة الأخلاق والتربية السلوكية في المجتمع، وخصوصًا في المدارس، والنوادي، والبيوت، وحتى عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية.
أنا لا أطلب الكثير.
كل ما أريده ببساطة: أن أستيقظ صباحًا، أودّع أبنائي، وأذهب إلى عملي دون أن يظل قلبي معلقًا بخوفٍ عليهم…
خوف من الشارع، من أصدقاء السوء، من مشهد مؤذٍ، من كلمة قبيحة، من سلوك بلا حياء.
أريد أن أسير في الطريق مطمئنًّا، لا أضطر أن أخفض بصري من تصرّف أحمق من شاب في مقتبل العمر، لم يجد من يعلّمه كيف يكون “رجلًا”، كيف يحترم الناس، وكيف يعرف أن في الشارع بشرًا لهم قلوب وأهل وكرامة.
أريد أن أعيش في وطن لا تُدار فيه الأخلاق كحمل زائد، ولا تُترك السلوكيات المنفلتة لتهزّ أمن الناس النفسي، فقط لأننا نعيش زمنًا صعبًا.
أنا لا أريد أن أهرب…
لكن حين أفقد الأمان في الشارع، والمواصلات، والمدرسة، والمول، لا أجد مفرًّا إلا أن أبحث عن “عالم مغلق”:
مدرسة دولية، نادي خاص، كمباوند محاط بالكاميرات.
لكني حينها، أُدخل أولادي إلى عالم لا يُشبههم، ولا يُشبه دينهم، ولا يُشبه لغتهم، ولا يُشبه الوطن!
هم آمنون، نعم… لكنهم يغتربون.
يغتربون عن هويتهم، وعن واقعهم، وعنّا نحن آباءهم الذين نشأنا في بيوت مفتوحة، وشوارع تُربي، ومدارس تُعلّم وتؤدب.
أنا لا أريد أن أخسر أولادي في زحمة الشارع،
ولا أن أخسرهم في زيف النخبة المعزولة.
ولا أن يكون البديل عن العشوائية هو التغريب!
لهذا أقولها بصدق:
نحتاج مشروعًا وطنيًا وأخلاقيًا حقيقيًا.
مشروع يُشرف عليه رجال الدولة والعلم والدين،
يربط الأمن بالسلوك، ويربط القانون بالتربية،
ويُعيد إلى البلد صورته القديمة… يوم كان الطفل يستحي، والشاب يُربّى، والناس تمشي في الطرقات بطمأنينة.
مشروع يجعل القبضة الأمنية تابعة لـ”قبضة الأخلاق”،
ويجعل التعليم يُربّي قبل أن يُلقّن،
ويجعل الإعلام أداة بناء لا وسيلة تهييج وتشويه.
أنا لا أريد أن أكون غنيًا لأؤمّن أولادي…
أريد فقط أن أكون مواطنًا في وطن يحميني أنا وأبنائي من الانفلات، دون أن يجبرني على أن أشتري الأمان بالمال، أو أفتّش عن الطمأنينة في عالمٍ مستعار.
أنا لا أريد أن أُهاجر… أريد أن أُربّي.
ولا أريد أن أغلق عليهم الأبواب… أريد أن أطمئن وأنا أفتحها.
فهل هذا كثير؟
وهل هذا صعب؟!
وهل هناك من يدرك خطورة ذلك؟!
ش محمد سعد الأزهري