بدر  عيد العنزي
بدر عيد العنزي
June 9, 2025 at 12:55 PM
‏تجار العقار .. من الثراء إلى الجمود ! ‏✍️ أ.د. محمد بن دليم القحطاني ‏سؤال هام نطرحه مع بداية المقال هل دخلت الثروات العقارية مرحلة الانكماش؟ حتى وقت قريب، كان يكفي أن تمتلك قطعة أرض خام في موقع استراتيجي لتضمن لنفسك عائدًا قد يتجاوز 30% خلال عام واحد، دون بناء أو تطوير أو حتى دراسة جدوى. كان السوق العقاري السعودي في حالة انتعاش مدفوعة بثقافة المضاربة، وتضخم التوقعات، وقناعة راسخة بأن الأرض “لا تخسر أبدًا”. لكن هذه القناعة باتت اليوم على المحك. ‏دعونا نفترض سيناريو واقعي حسب خبرة كاتب هذه السطور المتواضعة فمثلاً مستثمر عقاري بارز يمتلك أرضًا خامًا تبلغ مساحتها أكثر من مليون متر مربع في ضواحي الرياض، اشتراها العام الماضي بمبلغ 500 مليون ريال، واليوم تقدر قيمتها الدفترية بأكثر من 1 مليار ريال وفق تقييماته، خصوصًا بعد أن ضم المشروع إلى محفظة استثمارية جماعية جذبت مساهمين اعتادوا على عوائد تفوق 35% سنويًا قبل حتى أن تبدأ أعمال التطوير. ‏لكن، وبعد سلسلة الإجراءات التصحيحية التي شملت فرض رسوم على الأراضي البيضاء، اشتراطات التطوير الفعلي قبل التسويق، ضبط الأسعار التمويلية وتوجيه السيولة نحو مشاريع الإسكان المدعومة من الدولة أصبح هذا المستثمر في وضع لا يُحسد عليه. فالأرض، رغم قيمتها المرتفعة على الورق، لا تدر أي عائد حقيقي. بل إنها، في ظل حالة الجمود العقاري الراهنة، أصبحت عبئًا ماليًا يتطلب دفع رسوم سنوية، وصيانة، والتزامات تشغيلية وإدارية تجاه المساهمين، دون تحقيق أي دخل فعلي. ‏الفائدة اليوم؟ صفر، إن لم تكن بالسالب، فتوقف حركة البيع، وتراجع شهية المشترين، وتباطؤ القروض العقارية التجارية، كلها عوامل ساهمت في انكماش العائدات العقارية غير المطورة، خصوصًا لدى أصحاب المحافظ العقارية الكبرى الذين لا يملكون مرونة كافية للتحول إلى نشاط التطوير السكني أو التجاري الفعلي. ‏وفق بيانات الهيئة العامة للعقار، فإن نسبة الأراضي الخام غير المستغلة داخل النطاق العمراني في الرياض تتجاوز 27% من إجمالي المساحات القابلة للتطوير. وفي الوقت ذاته أكثر من 40% من الشركات العقارية الكبرى في المملكة تعاني من انخفاض في السيولة التشغيلية نتيجة تراكم الأصول غير المنتجة، ومعدل دوران العقارات انخفض في بعض المناطق بنسبة 20-30% مقارنة بـ2022. ‏هذا الواقع الجديد يُرسل رسالة واضحة مفادها إن ثروات العقار غير المطور لم تعد حصنًا منيعًا وثقافة “الانتظار الذهبي” التي كانت رائجة فيما مضى بدأت تنقلب على أصحابها، خصوصًا أولئك الذين بالغوا في تقييم أصولهم أو أداروا محافظ استثمارية عقارية بدون خطط تطوير واضحة، وراهنوا على استمرار الطلب دون قراءة التغيرات الاقتصادية والمالية في السوق. ‏اليوم، لم يعد المستثمر الناجح هو من يملك أكبر مساحة، بل من يستطيع تحويلها إلى منتج عمراني فعّال: وحدات سكنية، مراكز تجارية، أو مشاريع تنموية تُواكب رؤية 2030 وتُسهم في خلق قيمة حقيقية. بالتالي، نقولها وبوضوح من يصرّ على عقلية الماضي سيتبخر رأس ماله، مهما بلغ حجمه. أما من يقرأ التحولات ويُبادر بالتكيّف، فالمستقبل لا يزال مليئًا بالفرص.
👍 ❤️ 3

Comments