
رابطة علماء المسلمين
May 28, 2025 at 07:56 PM
#من_أقلامهم
العشر المباركات من ذي الحجة
✍🏻 بقلم فضيلة الشيخ د. مهران ماهر عثمان
العشر المباركات من ذي الحجة
إن من نعم الله تعالى علينا أن مواسم الخير يتبع بعضها بعضاً، فبعد أن انقضى موسم رمضان جاء موسم الحج، وموسم العشر من ذي الحجة.
فينبغي اغتنام هذه المواسم وعدم التفريط فيها، ففضائل الله على هذه الأمة كثيرة، ومن فضله علينا: شُكْرُ العمل القليل والمجازاة عليه بالأجر الكبير.
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ. فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ رواه البخاري.
فضائل العشر من ذي الحجة وما ورد فيها
من فضائل العشر من ذي الحجة
1/ أنّ الله تعالى أقسم بها بقوله:﴿وَلَيَالٍ عَشْر﴾ [الفجر/2].
قال الإمام الطبري: “والصواب من القول في ذلك عندنا أنها عشر الأضحى لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه” [جامع البيان 30/ 169].
وقال ابن كثير رحمه الله: “والليالي العشر: المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف” [تفسير القرآن العظيم (4/ 539)].
وقال الشوكاني رحمه الله: “هي عشر ذي الحجة في قول جمهور المفسرين” [فتح القدير (5/ 613)].
وهذا دليل على فضلها وعظيم أمرها.
2/ وهي الأيام المعلومات التي أُمرنا فيها بذكر الله تعالى، قال تعالى:﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج/27-28].
قال ابن عباس عن الأيام المعلومات: “أيام العشر” رواه البخاري.
3/ وهي العشر المذكورة في قول ربنا: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ [الأعراف: 142]، وهذا ورد عن غير واحد من السلف، منهم مجاهد رحمه الله، فقد قال: “هو ذو القعدة، وعشر من ذي الحجة” [جامع البيان للطبري (13/ 86)].
4/ وهي أيام يتضاعف فيها ثواب العمل، لما ثبت عند البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ». قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ». وللترمذي: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى الله مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».
قال ابن رجب: “وهذا يدل على أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالعمل الفاضل في غيره، ويزيد عليه لمضاعفة ثوابه وأجره” [لطائف المعارف، ص459].
ومن أراد أن يستشعر فضل هذه الأيام ويتصور ذلك فليتدبر هذا الحديث:
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ؟ قَالَ: «لَا أَجِدُهُ». قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ»؟ قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ رواه الشيخان. ومع ما للجهاد من هذه المكانة يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الطاعة في العشر -التي هي دون الجهاد في غير العشر – أفضل منه، أما الجهاد فيها فلا شيء يعدله.
5/ وهي أفضل أيام الدنيا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل أيام الدنيا العشر» رواه البزار وصححه الألباني.
6/ وفيها يوم عرفة.
7/ وفيها أعظم يوم عند الله، وهو يوم العيد، وهو يوم الحج الأكبر، وسُمِّي بذا لأن معظم أعمال الحج تقع فيه؛ من الوقوف عند المشعر الحرام، ورمي جمرة العقبة، والطواف، والسعي، والحلق أو التقصير، ونحر الهدي.
قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ» رواه أبو داود.
ويوم القر: اليوم الحادي عشر، وسُمي بذلك لقرار الحجاج بمنىً فيه وعدم نفرهم منها.
قال ابن القيم رحمه الله: “فالزمان المتضمن لمثل هذه الأعمال أهل أن يقسم الرب عز وجل به” [التبيان في أقسام القرآن، ص 18].
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يأتي ذلك في غيره” [فتح الباري (2/ 460)].
إشكالان يتعلقات بالعشر من ذي الحجة وجوابهما
الأول:
قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ»، ألا يتعارض مع الحديث الآخر: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة».
الجواب: لا؛ فإنّ يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام.
الثاني:
أليست ليالي العشر من رمضان أفضل؛ لأن فيها ليلة القدر؟
سئل شيخ الإسلام عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فأجاب:” أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة” [الفتاوى (25/ 287)].
وظائف المسلم في العشر
ندب الحديث إلى العمل الصالح مطلقاً في هذه الأيام، وقد كان سعيد بن جبير رحمه الله إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادًا حتى ما يكاد يقدر عليه. أخرجه الدارمي.
ومن الوظائف التي ينبغي العناية بها:
1/ الحج.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ لله فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رواه الشيخان.
2/ الاعتناء بالفرائض.
إذ لا أحبَّ إلى الله منها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» رواه البخاري.
3/ كثرة النوافل
للحديث السابق، من تلاوة القرآن، والتنفُّل بالصلاة، وإدامة الذكر، والصلة، والصدقة، وإعانة المحتاج، وهذا باب لا يُحصى أفراده ولله الحمد.
وفي الإكثار من النافلة فوائد عديدة، منها:
تزكية النفس.
يُجبر خلل الفريضة بها.
نيل محبة الله تعالى.
4/ كثرة الذكر.
لقول الله تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ [الحج/27-28].
قال ابن رجب رحمه الله: “وأما استحباب الإكثار من الذكر فيها – في أيام العشر – فقد دلَّ عليه قول الله عز و جل: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾، فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء” [لطائف المعارف، ص289].
وقال النووي رحمه الله: “واعلم أنه يُستحبُّ الإِكثار من الأذكار في هذا العشر زيادةً على غيره، ويُستحب من ذلك في يوم عرفة أكثر من باقي العشر” [الأذكار، ص389].
ومنه التكبير والتهليل والتحميد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ الله وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» رواه أحمد، وصححه أحمد محمد شاكر.
قال البخاري رحمه الله: “كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناسُ بتكبيرهما” رواه البخاري، وهذا وصله أبو بكر المروزي.
وعن يزيد بن أبي زياد قال: رأيت سعيد بن جبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى ومجاهدًا -أو اثنين من هؤلاء الثلاثة- ومن رأينا من فقهاء الناس يقولون في أيام العشر: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد” أخرجه الفريابي في أحكام العيد.
رحمهم الله جميعاً.
وعن ميمون بن مهران رحمه الله قال: “أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها، ويقول: إن الناس قد نقصوا في تركهم التكبير” أخرجه أبو بكر المروزي في العيدين.
وينبغي الجهرُ به؛ إحياءً للسنة، وتذكيراً للغافل.
والتكبير فيها قسمان:
مطلق، ويكون في العشر كلها، وسبق ذكر الآثار فيه.
ومقيد بدبر الصلاة المكتوبة.
وفيه آثار في مصنف ابن أبي شيبة، أوردها في كتاب صلاة العيدين، باب: التَّكْبِيرُ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ هُوَ إِلَى أَيِّ سَاعَةٍ، من هذه الاثار:
عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه “أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيُكَبِّرُ بَعْدَ الْعَصْرِ”.
وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، يُكَبِّرُ فِي الْعَصْرِ”.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنَ النَّحْرِ يَقُولُ: “اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ”.
وعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه “أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ”.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، “أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ”.
وكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله، يُكَبِّرُ تَكْبِيرَ الْعِيدِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، “أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّفْرِ” -يَعْنِي الْأَوَّلَ-.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: “يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ”.
وأورد ابن أبي شيبة رحمه الله في مصنغه بعد ذلك عدداً من الآثار عن التابعين.
فبداية التكبير من فجر عرفة، وهذا ما عليه: عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنه.
ونهايته بصلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر، وهذا ما عليه: علي وزيد بن ثابت وابن عباس وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم.
وأمّا بالنسبة للحاج فيبدأ التكبيرُ المقيّد عقِب صلاةِ الظهر من يوم النحر.
فما هي صيغ التكبير الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم؟
أ/ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وهذه ثابتة عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما.
ب/ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وهذه ثابتة عن ابن مسعود رضي الله عنه، وعن غيره.
وهاتان الصيغتان أوردهما ابن أبي شيبة في المصنف في كتاب صلاة العيدين، كيف يكبر يوم عرفة؟
ج/ الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا. وهذه رواها البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وصححها الألباني في إرواء الغليل (3/ 126).
د/ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ مُخْلِصِينَ له الدَّيْنَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.
وهذه استحسنها الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الأم (1/ 241)، والأمر في هذا واسع، ولا تلزم صيغة معينة، وهذا ما عليه الإمام مالك رحمه الله، قال سحنون: “قلت لابن القاسم: فهل ذكر لكم مالك التكبير كيف هو؟ قال: لا، وما كان مالك يحدّ في هذه الأشياء حداً” [المدونة (1/ 245)]. وفي مسائل الإمام أحمد رحمه الله (ص: 61) قال في هذه المسألة: “الأمر واسع”، وبه قال ابن تيمية [الفتاوى الكبرى (2/ 369)].
التكبير الجماعي.
لا حرج فيه.
قال الإمام مالك رحمه الله: “الْأَمْرُ عِنْدَنَا: أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ، وَأَوَّلُ ذلِكَ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ، وَالنَّاسُ مَعَهُ” [الموطأ (3/ 592)].
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: “يُكَبِّرُ النَّاسُ فِي الْفِطْرِ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فُرَادَى، وَجَمَاعَةً فِي كُلِّ حَالٍ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ ثُمَّ يَقْطَعُونَ التَّكْبِيرَ” [الأم (1/ 275)].
وقال: “يُكَبِّرُ الْحَاجُّ خَلْفَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى أَنْ يُصَلُّوا الصُّبْحَ مِنْ آخَرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ يَقْطَعُونَ التَّكْبِيرَ إذَا كَبَّرُوا خَلْفَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ آخَرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيُكَبِّرُ إمَامُهُمْ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ فَيُكَبِّرُونَ مَعًا، وَمُتَفَرِّقِينَ” [الأم (1/ 275)].
وقال: “وَيُكَبِّرُ الْإِمَامُ، وَمَنْ خَلْفَهُ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ وَأَكْثَرَ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ الْإِمَامُ كَبَّرَ مَنْ خَلْفَهُ” [ الأم (1/ 275-276)].
وقال ابن قدامة رحمه الله: “فَصْلٌ النِّسَاء يُكَبِّرْنَ فِي الْجَمَاعَة فِي الْعِيدَيْنِ. وَالْمُسَافِرُونَ كَالْمُقِيمِينَ، فِيمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ فِي الْجَمَاعَةِ، وَفِي تَكْبِيرِهِنَّ فِي الِانْفِرَادِ رِوَايَتَانِ كَالرِّجَالِ. قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: قُلْت لِأَحْمَدَ، قَالَ سُفْيَانُ: لَا يُكَبِّرُ النِّسَاءُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ إلَّا فِي جَمَاعَةٍ. قَالَ: أَحْسَنُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ. وَيَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ يَخْفِضْنَ أَصْوَاتَهُنَّ، حَتَّى لَا يَسْمَعَهُنَّ الرِّجَالُ” [المغني لابن قدامة (2/ 294)].
وقال الفوزان حفظه الله: “والتكبير في عيد الفطر آكد؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾؛ فهو في هذا العيد آكد؛ لأن الله أمر به. ويزيد عيد الأضحى بمشروعية التكبير المقيد فيه، وهو التكبير الذي شرع عقب كل صلاة فريضة في جماعة، فيلتفت الإمام إلى المأمومين، ثم يكبر ويكبرون” [الملخص الفقهي (1/ 278)].
وقال الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله: “كيفية التكبير في العيدين: والتكبير يكون فرادى ويكون جماعة، ومعنى (جماعة) أن يكون الجميع في وقت واحد يقولون: (الله أكبر الله أكبر)، ويكون بالدور، فقوم يكبرون والآخرون يرددون تكبير هؤلاء القوم، وربما سمعنا، أو نشرت الصحف قول بعض من يعترض ويمتنع، بل هناك من تقدم إلى المحراب، وأخذ وآلة تكبير الصوت من يد الذي يكبر وقال: هذه بدعة! وهذه والله جرأة، ولا ينبغي هذا أبداً؛ فالتكبير بالتدوير موجود في الزمن السابق، ويذكر العلماء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أنه كان يكبر منذ أن يخرج من بيته إلى المصلى والناس يكبرون بتكبيره، وعمر كان يكبر في منى وهو في مكانه، ويسمع الناس تكبيره فيكبرون بتكبيره حتى ترتج منى بالتكبير. فالتكبير بالدور لا مانع منه، والتكبير بالصيغ المعروفة التي ألفها الناس وورد النص بها، وترديدهم هذا التكبير في أنفسهم، أو بصوت يسمعه الآخرون، لا مانع منه” [شرح بلوغ المرام لعطية سالم (9/ 105) بترقيم الشاملة آليا].
فــ”مسألة التكبير الجماعي من مسائل الاجتهاد، ولا ينبغي أن يتعصب أحد الفريقين لرأيه فيها، فإن قيل: الأصل في الأذكار والأدعية الإفراد ونحن على ذلك الأصل. قلنا: خرجت أفراد من هذا الأصل كـ”دعاء الاستسقاء ودعاء، القنوت ونحوها. وقلنا: وردت أدلة يفهم منها أن يكون هذا جماعياً. فإن قيل: الباء في هذه الآثار للسببية، قلنا: ولماذا لا تكون للمعية؟! فإن قيل: نحملها على السببية إبقاءً على الأصل؟ قلنا: الأصل تخرج منه المخصصات وأولى من ذلك أن نقول: كل ما جاء الدليل بفعله فعلناه سواء خالف أصلا أو فرعا” [منقول من منتدى أهل الحديث، وقد وجدت النقولات السابقة في ذلك المنتدى، فوثقتها من مصادرها].
بشرى للمكبِّرين!
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أَهَلَّ مُهِلٌّ قطُّ إلَّا بُشِّرَ ، ولا كَبَّرَ مُكَبِّرٌ قطُّ إلَّا بُشِّرَ». قيل : بالجنةِ ؟ قال : «نَعَمْ» رواه الطبراني في الأوسط، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (1621).
5/صيام التسع.
فمن غُلب أخذ منها ما يُطيقه، فعن هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ امْرَأَتِهِ قَالَتْ: “حَدَّثَتْنِي بَعْضُ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَتِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ” رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني في صحيح النسائي برقم (2372).
ولا يشكل على هذا قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم: “مَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ”. قال ابنُ القيّم رحمه الله بعد أن أوردَ هذه المسألةَ: “والمثبِت مقدَّمٌ على النّافي إن صح” [زاد المعاد (2/ 66)].
وقال النووي رحمه الله مزيلاً هذا الإشكال: “قول عائشة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط. وفي رواية: لم يصم العشر. قال العلماء: هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا الأيام التسعة من أول ذي الحجة، قالوا: وهذا مما يتأول، فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحباباً شديداً، لاسيما التاسع منها وهو يوم عرفة، وقد سبقت الأحاديث في فضله… فيتأول قولها: “لم يصم العشر” أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما، أو أنها لم تره صائماً فيه، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر. ويدل على هذا التأويل حديث هُنَيْدَة بنِ خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كلِّ شهر” [شرح مسلم (8/ 71-72)].
وربما صامها النبي صلى الله عليه وسلم ثم ترك صيامها خشية أن تفرض كما ترك الاجتماع في صلاة الليل في رمضان لذات العلة، فأخبرت كل واحدة بما رأته من حاله، أو ترك ذلك إشفاقاً على أمته، ويحتمل أن هذا الفضل الذي ورد في شأن صيامها شرع متأخراً [ينظر: فضائل العشر من ذي الحجة للشيخ الطريفي، ص:40].
ولا ريب أنَّ الصوم داخل في عموم العمل الصالح الذي ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإكثار منه.
ومن الآثار التي وردت عن الصحابة أثران في مصنف عبد الرزاق جود إسنادهما الشيخ الطريفي فرج الله عنه في [فضائل العشر، ص41]:
الأول: عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، “أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُقْضَى رَمَضَانُ فِي الْعَشْرِ”.
والثاني: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهِبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَالَ: إِنَّ عَلِيَّ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ، أَفَأَصُومُ الْعَشْرَ تَطَوُّعًا؟ قَالَ: “لَا، وَلِمَ؟ ابْدَأْ بِحَقِّ اللَّهِ، ثُمَّ تَطَوَّعْ بَعْدَمَا شِئْتَ”.
ولا تعارض بينهما؛ فالأول يدل على أن القضاء فيها أفضل من غيرها؛ لأن قضاء رمضان عمل صالح، والثاني يدل على أن الأفضل البدء بالقضاء قبل التطوع، ولا ريب أن هذا ليس بواجب لكون وقت القضاء موسعاً.
والأثران يدلان على أن صوم العشر كان معروفاً عند الصحابة رضي الله عنهم.
وإذا غُلب الإنسان فلا أقل من صوم يوم عرفة لغير الحاج، لقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسـنة التي بعده» رواه مسلم.
6/ قيام ليلها.
فقد استحبه الشافعي وغيره، وقال سعيد بن جبير:” لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر” [انظر اللطائف، ص289].
وهو داخل في عموم الحديث الذي ندب إلى الاستزادة من الخير فيها.
7/ ومن آكد الأمور في هذه العشر البعد الشديد عن طريق المعصية.
فقد قال بعض أهل العلم بمضاعفة السيئة في الأشهر الحرم، وهي رجب، وذو القعدة وذو الحجة وشهر الله المحرم، قال الله تعالى:﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ الله اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ الله يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ [التوبة/36].
والمعاصي من أسباب الحرمان من التوفيق.
8/ دعاء يوم عرفة.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» رواه الترمذي.
قال ابن عبد البر: “وفيه من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره،… وفي الحديث أيضًا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب” [التمهيد (6/ 41)].
9/ الأضحية.
والأضحية من خير القربات في يوم العيد، واختلف العلماء في حكمها، والصحيح أنها سنة مؤكدة للقادر، والله أعلم.
10/ صلاة العيد، وهي واجبة في الراجح من قولي العلماء.
بماذا نستقبلها؟
بأمرين:
الأول:
ذكر علماؤنا رحمهم الله أن مواسم الخير تُستقبل بالتوبة والإنابة إلى الله ؛ ولعلَّ ذلك لأن يكون أدعى لتوفيقِ الله للعبد فيها.
الثاني:
العزم الأكيد على استغلالها بما يحبه الله ويرضاه، ومن صدق اللهَ صدقه اللهُ تعالى، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «إن تصدق الله يصدقْك» رواه النسائي.
هل يلزم المضحي أن يترك شيئاً إذا دخلت العشر؟
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» رواه مسلم. وله أيضاً: «فلا يأخذنَّ شعراً ولا يقلمنَّ ظفراً ».
وتحته مسألتان:
الأولى:
حكم تقليم الأظافر وحلق الشعر لمريد الأضحية، وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال:
أ/ التحريم؛ لأن الأصل أن النهي للتحريم، وهذا قول أحمد والظاهرية رحمهم الله. قال ابن حزم رحمه الله: “من أراد أن يضحي ففرض عليه إذا أهل هلال ذي الحجة أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي, لا بحلق, ولا بقص، ولا بغير ذلك, ومن لم يرد أن يضحي لم يلزمه ذلك” [المحلَّى (6/ 3)].
ب/ الكراهة، وهذا قول مالك والشافعي رحمهما الله؛ لقول عائشة رضي الله عنها: “كنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا وَمَا يُمْسِكُ عَنْ شَيْءٍ، مِمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ، حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ» متفق عليه، وهذا وقع قبل حجة الوداع، فقد أرسل هديه صلى الله عليه وسلم وبقي في المدينة، ولم يمتنع عن شيء يمتنع المحرم منه.
ج/ الإباحة، وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
والقول الثاني يجتمع به الدليلان؛ فالنهي للكراهة، وعدم الكفِّ عن ذلك منه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
الثانية:
في الحكمة من ذلك.
قال النووي رحمه الله:” قال أصحابنا: والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار، وقيل: التشبه بالمحرم، قال أصحابنا: هذا غلط ؛لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم” [شرح مسلم (13/ 139)].
ربِّ صلِّ وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
