رابطة علماء المسلمين
رابطة علماء المسلمين
May 29, 2025 at 08:54 PM
بطلان الاستعاضة عن شرط السن بشرط الوزن في الأضاحي : ✍🏻 بقلم فضيلة الشيخ د. عبدالآخر حماد الغنيمي كنت قد نشرت قديماً مقالاً أو أكثر حول ضرورة الالتزام بالسن الشرعي في الأضاحي .وبينت أن السنة الصحيحة قد دلت على أنه لا بد من أن تكون البهيمة مُسنَّة إذا كانت من غير الضأن ،وأنه على هذا اتفقت كلمة الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم . وبينت أن المسنة من البقر هي في قول الجمهور ما بلغت سنتين ودخلت في الثالثة . وأنكرْتُ الفتاوى التي يتبناها بعض المعاصرين والتي خلاصتها أنه لا ضرورة للالتزام بشرط السن ،ما دامت البهيمة سمينة وفيرة اللحم . وبخاصة ما تبنته دار الإفتاء المصرية من أنه يمكن ذبح العجل الذي لم يصل سنه إلى السنتين ،ما دام وزنه لا يقل عن 350 كيلو " قايم". ومما ذكرته في ذلك أننا لا ندري من أين جاؤوا بهذا التحديد ، ولمَ لا يكون الوزن المقبول هو 340 كيلو ؟ أو 360 مثلاً . وقد وقفت مؤخراً على مقطعٍ مصورٍ على قناة دار الإفتاء المصرية على اليوتيوب لأمين دار الإفتاء المصرية ،(وهو منشور أيضاً بجريدة الوطن في 10/ 5/ 2023م ). وفيه يؤكد أمين الفتوى أن دار الإفتاء المصرية قد حددت الوزن المجزئ في البقر بأنه في حدود ( 350 كيلو قايم فما أكثر) . ثم قال – فيما يبدو أنه جواب عن تساؤلنا نحن وأمثالنا حول مستندهم في هذا التحديد- : ( طيب احنا جبنا ال350 قايم منين ؟ جبناها من سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم حيث حدد للأضحية من البقر أن تكون كسرت سنتين ) . ثم ذكر أن البقرة التي كسرت سنتين التي تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم هي التي ترعى بنفسها، وليست التي تعلف ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم حدد السنتين لعلةٍ ،وهي علة السِّمَن .ثم ذكر أنه بسؤال المختصين عن وزن البقرة التي ترعى بنفسها بدون علف لمدة سنتين قالوا لنا : تقريبا 350 كيلو فأكثر، وما دامت العلة في تحديد سن الأضحية هي السِّمَن فإنه إذا تحقق هذا الوزن فإن تلك الذبيحة تجزئ للأضحية ، وبما أن البهيمة التي تعلف ستصل لهذا الوزن قبل السنتين ، فإنها تجزئ في الأضحية . انتهى كلام أمين الفتوى ، وتعليقاً عليه أقول : أولاً: ادعاء أن الرسول قد حدد السن بالنظر للأنعام التي ترعى بنفسها بدون علف- وهي التي تسمى بالسائمة – ادعاء غير صحيح ، ولا دليل عليه ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قال فيما أخرجه مسلم (1963) من حديث جابر رضي الله عنهما : ( لا تذبحوا إلا مسنة ....) .ولم يقل : ( لا تذبحوا من السائمة إلا مسنة ) .وقد كان في زمن النبي أنعام سائمة وأنعام معلوفة ؛ فلو كان يقصد السائمة لحددها كما فعل في الزكاة ؛حيث قال كما في في صحيح البخاري ( 1454) من حديث أبي بكر رضي الله عنه: ( في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ...) ،ومثله حديث معاوية بن حيدة القشيري أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( في كل سائمةِ إبلٍ في كلّ أربعينَ بنتُ لبون ...). [ أخرجه أبو داود (1575)، والنسائي (2444)، وأحمد (20016) وصححه الألباني في صحيح أبي داود] . ثانياً: القول بأن البقرة السائمة التي ترعى بنفسها لمدة سنتين سيصل وزنها إلى 350 كيلو تقريباً ، هو أيضاً قول ليس مسلَّماً ، ولا ندري من هم المختصون الذين سألتموهم في ذلك ؟ ولا على أي أساس بنوا تقديرهم هذا ؟. والمعروف أن ذلك يختلف باختلاف البلدان ،واختلاف نوعية المرعى ،واختلاف نوعية البقر ، بل الاختلاف بين بقرة وأخرى من نفس الصنف . وكم رأينا عند أهلنا الفلاحين من بهائم مولودة في نفس اليوم ، وتُعلف من نفس العلف ، ومع ذلك ما إنْ تمضي عدة أشهر حتى نرى بعضها أسمنَ من بعض . ولا شك أن ذلك هو ما يحدث بالنسبة للسائمة . ثالثاً : ادعاء أن علة تحديد السن هي السِّمَن ، هو أيضاً ادعاء غير صحيح ، يرده حديث البراء بن عازب الذي أخرجه البخاري ( 5556) ومسلم ( 1961) وفيه أنه رضي الله عنه قال : (ضحَّى خال لِي يُقال له أبو بردة قبل الصلاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( شاتك شاةُ لحم فقال : يا رسول الله إن عندي داجِناً جَذَعَةً من المعز . وفي رواية : ( عَناقاً جَذَعَةً )، وفي رواية عند البخاري ( 5563) : ( فإن عندي جذعة هي خير من مسنتين أأذبحها ؟ قال : اذبحها ولن تصلح لغيرك ) ، وفي رواية عند البخاري ( 5545 ) :( ولن تجزئ عن أحد بعدك ). وفي رواية عند البخاري ( 976 ) : ( ولا تفي عن أحد بعدك ) .ففي هذا الدلالة الواضحة على أن مَنْ بَعدَ ذلك الصحابي لا يجزئ عنه من المعز -ومثلها البقر والإبل – إلا المسنة ، وفي قول أبي بردة : ( فإن عندي جذعة هي خير من مسنتين ) ما يفيد أنها سمينة طيبة اللحم ، ومع ذلك لم تجز التضحية بها إلا على وجه الخصوصية لأبي بردة رضي الله عنه ، قال الإمام ابن القيم في تهذيب السنن ( 4/102 ): ( أما حديث أبي بردة بن نيار فلا ريب في صحته ،وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في الجذعة من المعز : ولن تجزئ عن أحد بعدك ، وهذا قطعاً ينفي أن تكون مجزئة عن أحد بعده). وقد ذكر الحافظ في الفتح ( 10/ 16) أن مما يؤخذ من هذا الحديث : ( أن المرجع في الأحكام إنما هو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،وأنه قد يخص بعض أمته بحكم ويمنع غيره منه ولو كان بغير عذر ). وإذن فليس صحيحاً أن المقصود من الأضحية هو اللحم فقط ، بل الذبح نفسه عبادة يُتقرب بها إلى الله عز وجل ، ويدخل في المقصود من الأضحية تعظيم شعائر الله عز وجل ، وكذلك الامتثال لأمر الله عز وجل بذبح الأضاحي إحياء لسنة الخليلين عليهما السلام ،وتحصيل تقوى الله عز وجل بالإخلاص في تلك العبادة ، كما قال تعالى : ( لن ينالَ اللهَ لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ) [ الحج : 37]. رابعاً: ثم إنه إن كان من حكمةٍ تُتلمس من وراء المنع من التضحية بغير المسنة من المعز والبقر والإبل ، فإنه قد ذكر كثير من أهل العلم أن ذلك بسبب أنه في تلك السن يمكن للذكر منها أن يلقح أنثاه . قال الموفق ابن قدامة في المغني ( 9 / 349) : ( إنما يجزئ الجذع من الضأن في الأضاحي لأنه ينزو فيلقح، فإذا كان من المعز لم يلقح حتى يصير ثنياً ). وكذا قرر شيخ الأزهر السابق الشيخ جاد الحق رحمه الله -في فتواه الشهيرة التي منع فيها التضحية بالبقرة التي لم تبلغ سنتين مهما بلغ وزنها -قرر أنه: ( ليست الحكمة في هذا - والله أعلم - كثرة اللحم مع تلك السن أو قلته مع هذه، وإنما الحكمة كما نقل بعض الفقهاء أن الجذع من الضأن يلقح أنثاه، ولا يلقح الجذع من غير الضأن أنثاه ) ثم قال رحمه الله : ( لما كان ذلك: لم تجزىء الأضحية من البقر المسئول عنه مادام سنه منذ ولادته عشرة أشهر، ولابد لجوازه أضحيةً مشروعةً أن يكون له عامان ودخل في الثالث على ما تقدم بيانه ؛لأن الاعتبار لبلوغ سن التلقيح لا لكثرة اللحم ). وأياً ما كانت الحكمة فالواجب هو الوقوف عند ما حدده الشرع ،ونطق به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، ومشى عليه سلفنا من أهل العلم والدين . وإلا فقولوا لنا أيها القوم : كيف تستبيحون التهاون في شرطٍ اشترطه المعصوم صلى الله عليه وسلم وهو شرط السن ، ثم تُلزمون الناس بشرطٍ وضعتموه أنتم من عند أنفسكم ،وهو شرط الوزن ، الذي لا دليل عليه من كتاب أو سنة أو إجماع؟ .. 26/ 11/ 1446هـ- 24/ 5/ 2025م

Comments