رابطة علماء المسلمين
رابطة علماء المسلمين
May 30, 2025 at 07:29 PM
حول حديث نهي المضحي عن الأخذ من شعره وأظفاره ..لا يجوز التشكيك في السنة الصحيحة: ✍🏻 بقلم فضيلة الشيخ د. عبدالآخر حماد الغنيمي الحمد لله وبعد : فقد ذكرت في مقال سابق خلاف العلماء في مسألة أخذ من أراد الأضحية من شعره وأظفاره في أيام عشر ذي الحجة ، وأنَّ من العلماء من قال بكراهة ذلك فقط ، ومنهم قال بالتحريم .وذكرت أن الذي نميل إليه هو القول بالتحريم ،وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله ،وذلك عملاً بحديث أم سلمة في صحيح مسلم ( 1977) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة ،وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) وفي رواية : ( فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ) . ثم رأيت كلاماً لبعض المعاصرين مفاده التشكيك في هذا القول ، وأنه قول المتشددين الذين يريدون أن يفرضوا رأيهم على الناس ويلزموiم به . كما أعاد بعضهم نشر كلام للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود ، الرئيس السابق للمحاكم الشرعية بقطر ،كان قد نشره في مقال بمجلة الأمة عدد ذي الحجة 1403ه ، ومضمونه التشكيك في حديث أم سلمة حيث قال : ( هذا الحديث ورد من طريق أم سلمه وحدها، ولم يروه أحد من الصحابة غيرها، وقد أنكرت عائشة على أم سلمة هذا الحديث مبينة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا في حق من أحرموا بالحج، وذلك لكون أهل المدينة يهلون بالحج عند طلوع هلال ذي الحجة، قالت: ولقد فتلت قلائد هدى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمتنع من شيء كان مباحاً ،أي لا من الطيب ولا من النساء، ولا غير ذلك من شعره وأظفاره ) .وقد وقفت على كلام قريب من هذا للدكتور عصام البشير وزير الأوقاف السوداني السابق ،ومن قبله وقفت على كلام بنفس المعنى للشيخ القرضاوي رحمه الله . وتعليقاً على ذلك كله أقول وبالله التوفيق : 1-إن اعتبارهم انفراد أم سلمة برواية الحديث مدعاةً للتشكيك في صحته ، هو اعتبار غير صحيح . والصحيح أن انفراد الصحابي برواية حديث ليس بقادح فيه .وهذه دواوين السنة مملوءة بالأحاديث التي لم يروها غير صحابي واحد ، ومع ذلك فهي -متى ما صح سندها إلى ذلك الصحابي- متلقاة من الأمة بالقبول .فحديث : ( إنما الأعمال بالنيات ) ، مثلاً ،وهو فاتحة صحيح البخاري ،لم يروه إلا عمر رضي الله عنه ، ومع ذلك فهو أحد الأحاديث العظام ،التي عليها مدار الإسلام كما ذكره الإمام النووي وغيره . 2-ومع ذلك فلم تنفرد أم سلمة بذكر هذا الحكم ،بل كان كثير من الصحابة يقولون به، كما في مستدرك ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ (4/ 221) ﻋﻦ ﻗﺘﺎﺩﺓ ﻗﺎﻝ: ( جاء رجل من عتيك فحدث سعيد ﺑﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺐ أن ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﻳَﻌْﻤﺮ يقول : من اشترى أضحية في العشر فلا ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻩ ﻭأظفاره . قال ﺳﻌﻴﺪ: نعم ، فقلت : عمن يا أبا محمد؟ قال : عن ﺃﺻﺤﺎﺏ رسول الله ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ). والخبر صححه الشيخ الألباني في الإرواء (4/ 377 ، 378) ، ثم قال :( وفي هذا دليل على أن هذا الحديث كان مشهوراً بين الصحابة رضي الله عنهم ، حتى رواه ابن المسيب عن جماعة منهم ، وهو وإن لم يصرح بالرفع عنهم ،فله حكم الرفع ؛لأنه لا يقال بالاجتهاد والرأي ). 3-وكذا لا يصح قولهم :إن عائشة أنكرت على أم سلمة ، لأنها إنما أنكرت على ابن عباس ، كما أخرجه البخاري ( 1700) ومسلم ( 1321) عن ﻋَﻤْﺮﺓ ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ : ( أن زياداً ﻛﺘﺐ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ: ﺇﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: ﻣﻦ ﺃﻫﺪﻯ ﻫﺪﻳﺎً ﺣَﺮُﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎ ﻳَﺤﺮُﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺎﺝ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺤﺮ ﻫﺪﻳﻪ. ﻗﺎﻟﺖ ﻋﻤﺮﺓ: ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ : ﻟﻴﺲ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ، ﺃﻧﺎ ﻓﺘﻠﺖ ﻗﻼ‌ﺋﺪ ﻫﺪﻱ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻴﺪﻱ، ﺛﻢ ﻗﻠﺪﻫﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻴﺪﻳﻪ، ﺛﻢ ﺑﻌﺚ ﺑﻬﺎ ﻣﻊ أَبي ﻓﻠﻢ ﻳَﺤﺮُﻡ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺷﻲﺀ ﺃﺣﻠﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﻧﺤﺮ ﺍﻟﻬﺪي ).فعائشة أنكرت على ابن عباس لما جعل مَن أهدى هدياً للبيت الحرام في حكم الحاج من كل وجه ، ولم تتعرض لما جاء في حديث أم سلمة من النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار فقط . 4-نعم قد يُرى تعارض ظاهر بين حديثي أم سلمة وعائشة ؛ من حيث كون حديث عائشة يدل بظاهره على أنه لا يحرم شيء على المُهدي ( ومثله المضحي ) ، وحديث أم سلمة يدل عليه أنه يحرم عليه الأخذ من الشعر والأظفار .وقد أشرت في مقال سابق إلى ما ذكره ابن قدامة في الجمع بينهما في المغني ( 11/ 96) من أن حديث عائشة عام ، وحديث أم سلمة خاص ، أي يحمل حديث عائشة على غير ما ذكر في حديث أم سلمة ، بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يجتنب النساء ولا الطيب ولا اللباس ،ولا غير ذلك مما يتكرر ، وأما ما لا يفعل إلا كل عدة أيام كقص الشعر ،وقلم الأظفار ،فالظاهر أن عائشة لم تُرده بخبرها، فيُعمل فيه بحديث أم سلمة . هذا ﻭقد أجاب الإمام ﺃﺣﻤﺪ بجواب آخر ،حيث ذكر كما في ﺍﻟﺘﻤﻬﻴﺪ ﻻ‌ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺒﺮ( 17 / 234 ) أنه ﺫﻛﺮ الحديثين ﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﻬﺪﻱ ، فلم يُفده بشيء في الجمع بينهما ﻗﺎﻝ: ( ﻓﺬﻛﺮﺗﻪ ﻟﻴﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻳﺤﻴﻰ: ﺫﺍﻙ ﻟﻪ ﻭﺟﻪ ،ﻭﻫﺬﺍ ﻟﻪ ﻭﺟﻪ،ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺇﺫﺍ ﺑﻌﺚ ﺑﺎﻟﻬﺪﻱ ﻭﺃﻗﺎﻡ، ﻭﺣﺪﻳﺚ ﺃﻡ ﺳﻠﻤﺔ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳُﻀﺤﻲ ﺑﺎﻟﻤِﺼْﺮ، ﻗﺎﻝ ﺃﺣﻤﺪ: ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺃﻗﻮﻝ) . أي يحمل حديث عائشة كما ذكر ابن القيم في تهذيب السنن ( 7/ 347) على صاحب الهدي ، وحديث أم سلمة على صاحب الأضحية ، فحديث عائشة يدل على أن من بعث بهديه ، وأقام في أهله فإنه يُقيم حلالاً ،ولا يكون مُحرماً بإرسال الهدي، وأما حديث أم سلمة فيدلُّ على أن مَن أراد أن يُضحِّي أمسكَ في العشر عن أخذ شعره وظفره. ثم قال رحمه الله : ( فأيّ منافاة بينهما ؟ ولهذا كان أحمد وغيره يعمل بكلا الحديثين، هذا في موضعه، وهذا في موضعه ). وبعد : فنحن -وإنْ ملنا إلى القول بالتحريم ، ولو من باب الخروج من خلاف العلماء - لا ننكر عل من قال بالقول الآخر ،لأنه في النهاية قول طائفة من أهل العلم ، بل هو قول الجمهور . لكنا ننكر على من يشكك في الأحاديث الصحيحة الثابتة التي تلقتها الأمة بالقبول . ففرق كبير بين من اعتبر ما جاء في حديث عائشة قرينةً تصرف النهي الوارد في حديث أم سلمة من التحريم إلى الكراهة فقط ، وبين من أراد التشكيك في حديث صحيح تلقته الأمة بالقبول . هذا والله تعالى أعلم . 3/ 12/ 1445هـ- 9/ 6/ 2024م

Comments