
رابطة علماء المسلمين
June 17, 2025 at 09:54 AM
*(( نحن مع من؟! ))*
✍️ *د. فيصل البعداني*
*كثر اللغط بين كثير من الإسلاميين حول الحرب الدائرة اليوم بين المشروعين الصهيوني والصفوي، وابتداءً فالمشروعان عدوان للأمة، ونفي صفة العداء عن أحد المشروعين – كما يفعل بعضهم – يحمل في طياته مغالطة كبيرة وخداعًا ظاهرًا، فشمس إجرام الطرفين في حق أمتنا لا تُغطّى بغربال، إلا أن ينطلق بعض ركاب سفينة الهوى والتضليل من منطلق تقسيمات سايكس-بيكو للمنطقة، فيرى إجرام أحد الطرفين في زاوية من أرض أمتنا ولا يرى إجرامهم في الزاوية الأخرى.*
*أما الخلاف بين من يُثبت العدوّين ويُحذّر من الخطرين في: "أيّ السفاكين أجرم؟"، فقضية محتملة، ولكلٍّ قراءته للمشهد، وزاوية نظره التي تتسع للخلاف وتعدد وجهات النظر، فليقل كلٌّ منّا ما شاء، ما لم يصحب ذلك دعوة منه للاصطفاف مع طرف ضد آخر، لأن في ذلك القول سذاجة في الطرح، وخفة في التفكير، ومناقضة للحقيقة، فصراع المشروعين إنما هو صراع من أجل الهيمنة علينا نحن، فنحن الكعكة المتصارَع على أكلها لا أكثر، ومن انتصر منهما فسيقبل على تناولها باردةً مبرَّدة.*
*فالصفوي يَجرف العقيدة، ويفرض الرفض والتبعية، ويَقتل النفس، ويَنتهك السيادة، ويَنهب الثروات، ويَعبث بالأعراض، ويُفسد الأخلاق، ويُدمّر المدن، ويُهجّر الشعوب، ويَهدِم المآذن ودور العلم، ويُسيل أنهار الدم، وإن لم تُصدّق ما أقول يا صاحبي، فاسأل مواسم الحج، وأهل دول أربع: لبنان والعراق وسوريا واليمن، يُحدّثونك عن فداحة الإجرام الإيراني ومشاريعه في بلدانهم.*
*والصهيوني، يفرض التغريب والتطبيع وتغيير المناهج وحصار الدعوة والدعاة، ويَحتل الأرض، ويَنتهك السيادة، ويُمارس الوحشية بأبشع صورها: قتلًا وتدميرًا وتجريفًا وتهجيرًا وحصارًا وتجويعًا، وما مشاهد إجرامه البشع في غزة وباقي مدن الضفة، وفي الشام عنا ببعيد.*
*وعند استيعاب تلك الحقيقة، فلن يُطرح ذلك السؤال الساذج، الذي يُطرح في سياق حتمية التبعية وتأصيل تقديمها للأعداء: (نحن مع من؟)، لأنا في الوقت ذاته نعادي المشروعين، ونستعيذ بالله من المشروعين، ونسأل الله أن يطيل أمد الصراع بين المشروعين حتى يقضي كل طرف منهما على الآخر، فنحن باختصار أصحاب مشروع ثالث: له هويته الإسلامية النقية، ومناهجه الباثّة للتوحيد، والمقيمة للعدل، والآمرة بالإحسان، والناهية عن الظلم والعدوان، والداعية إلى امتلاك أدوات القوة لنصرة الحق، ومدافعة الشر، والدفاع عن المستضعفين، والذود عن الهدى والخير والفضيلة.*
*وقد تورّط بعض الأخيار في تأصيل تلك التبعية، فذكر أنّه صراع قائم بين "أهل بدعة مغلظة" و"كفر معادٍ"، ولم ينسَوا أن يستجلبوا مع طرحهم الرهيف فتاوى قديمة لهذا العالم أو ذاك، في تقرير أن المسلم يكون مع صاحب البدعة المغلظة ضد الكافر المعتدي هكذا بإطلاق، وما طرحوه يشتمل على قصص من المغالطات كبيرة وكثيرة، ويمكن الإشارة – في سياق هذا التسطر الجملي – إلى بعضها:*
*أولًا: أن الصراع لم يبدأ بضرب الصهاينة لإيران، كما لم يبدأ الصراع بين حماس والصهاينة باجتياح السابع من أكتوبر 2023م، بل هو صراع طويل ممتد بين الطرفين، وفي تقديم هكذا قراءة تجريف للحقيقة وتزييف للوعي وتسطيح للتفكير، فإن جوهر الصراع الممتمد منذ عقودبين المشروعين وحقيقته هو صراع على الهيمنة على منطقتنا ومقدراتها.*
*ثانيًا: أن مواقفنا الرافضة والمعادية للمشروع الإيراني ليست بمبنية على ما يسميه بعض المصفقين لها من أبنائنا "الاصطفاف الطائفي"، فتمنّينا لهلاكهم – على أي طريقة هلكوا – إنما هو لعظم عدوانهم وشديد إجرامهم بالمسلمين، فقد فعلوا بنا في لبنان وسوريا والعراق واليمن كما فعل اليهود بأهل غزة، بل أشدّ، بالنظر لسعة بقعة صنيعهم. فالاتهام بالطائفية، وتناول تحرير الموقف منهم بعيدًا عن فضائعهم، طرح غير مفهوم، ولا واقعي، ولا رشيد، فليتقِ اللهَ صاحبُه في حق أمته، وفي حق الحقيقة التي يدعي نصرتها، وفي حق وظيفة القلم الرفيعة التي يتحدث تحت ردائها.*
*ولو أن إيران – كما سطّر د. شبيبة – كانت دولة (مسالمة، منشغلة بنفسها، لا تعتدي على غيرها، ولا تُصدّر بالعنف فكرها، ولا تتدخل في سيادة الدول، ولا تقود الحروب وتزرع الفتن)، لأدَنّا من أول وهلة قصفها، واستنكرنا الاعتداء عليها، ولَما سرّنا ما سار فيها، فنحن لا نحب القتل ولا الظلم لأحد، لمجرد عقيدته المنحرفة أو مذهبه الباطل.*
*ولو كان اليهود لم يُدنّسوا الأقصى، ولم يحتلوا فلسطين، ولم يعتدوا على المسلمين، لما أيدنا قصفهم، ولا سرّنا لهب النار في أبراجهم، لمجرد دينهم المحرّف وعقيدتهم الباطلة.*
*المسلم الحق، والإنسان السوي، لا يُبارك الاعتداء على أحد، ولا يُشجّع على القتل لمجرد الاختلاف مع الآخر في الدين أو العقيدة أو المذهب أو العرق، ما دام المخالف مسالمًا لم يعتدِ، وفي الوقت ذاته، المسلم الحق، والإنسان السوي، كذلك لا يؤيد الظالمين، ولا يُبارك فعل المجرمين، ولا يتعاطف معهم، ولو شاركوه اسم الإسلام، وزعموا الانتماء للنبي، ورفعوا راية القرآن.*
*اليهودي المسالم، والصفوي المسالم الذي كفّ شرّه، ومنع ظلمه، وكُسِر سلاحه، لا ديننا ولا إنسانيتنا يُجيزان لنا الاعتداء عليه، أو المشاركة في ظلمه، أو الرضا بذلك.*
*أما وقد اعتدوا علينا، ودمّروا أوطاننا، وسفكوا دماءنا، وحاربونا في ديننا ودنيانا، فحيث ألقت رحلها أم قشعم... لا نامت لهم عين، ولا أمنة لهم دار).*
*ثالثًا: ما كنت أتمنى لبعض الدعاة الأجلاء والمصلحين الفضلاء – وهم عدد لا بأس به – الزج بفتاوى ابن تيمية في الموقف من الرافضة، وهم يعلمون أن للفتاوى ظرفها الذي قيلت فيه، وأنها تُنزَّل على من يُتحدَّث عنهم وقتها: اعتقادًا وعداوةً، ولا يصح تنزيلها على من قبلهم ولا على من بعدهم بمجرد التشارك في الاسم، متى اختلف الحال.*
*ويا ليتهم تنبّهوا إلى أن عقائد الفرق تتطور من يوم إلى آخر، صلاحًا أو فسادًا، فأخذ فتوى عالم في زمان محدد وتسقيطها على أهل زمن لاحق أو سابق مع اختلاف حال الفرقة من عصر إلى عصر أيضًا جدُّ مشكل، والإنصاف في هذا الباب – باب التكفير – هو: "التكفير بحسب الأقوال، لا بالجملة".*
*فهل من يقول: "يا علي"، "يا حسين"، أو يسجد لقبر، أو يطوف حول وثن، أو يقول بتحريف القرآن، أو بكفر عائشة، أو باتهامها في عرضها، أو بكفر عامة الصحابة، أو يزعم علم بشرٍ بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله، أو... مسلم؟! يصح أن يقال بأن ابن تيمية لا يكفره؟!*
*مع أن كتبه طافحة بتكفير من هذه أقواله، ومن ذلك قوله على سبيل المثال:*
*(وأما من سبهم سبًّا لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم، مثل وصف بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلة العلم، أو عدم الزهد، ونحو ذلك، فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يُحمَل كلام من لم يُكفّرهم من أهل العلم. وأما من لعن وقبّح مطلقًا، فهذا محل الخلاف فيهم، لتردُّد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد. وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرًا قليلًا لا يبلغون بضعة عشر نفسًا، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضًا في كفره، فإنه مكذّب لما نصه القرآن في غير موضع، من الرضى عنهم).*
*(قال أحمد في رواية أبي طالب في الرجل يشتم عثمان: هذه زندقة. وقال في رواية المروزي: من شتم أبا بكر وعمر وعائشة، ما أراه على الإسلام. قال القاضي أبو يعلى: فقد أطلق القول فيه أنه يكفر بسبه لأحد من الصحابة، وتوقف في رواية عبد الله وأبي طالب عن قتله، وكمال الحد وإيجاب التعزير يقتضي أنه لم يحكم بكفره. قال: فيُحتمل أن يُحمَل قوله: "ما أراه على الإسلام" إذا استحل سبهم، بأنه يكفر بلا خلاف).*
*(وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرًا قليلًا لا يبلغون بضعة عشر نفسًا، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضًا في كفره، فإنه مكذّب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم. بل من يشك في كفر مثل هذا، فإن كفره متعيّن، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وأن هذه الأمة التي هي: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، وخيرها هو القرن الأول، كان عامتهم كفارًا أو فساقًا، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها. وكفر هذا مما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام، ولهذا تجد عامة من ظهر عنه شيء من هذه الأقوال، فإنه يتبين أنه زنديق، وعامة الزنادقة إنما يستترون بمذهبهم، وقد ظهرت لله فيهم مَثُلات).*
*(فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين).*
*(والرافضة جهمية قدريّة، وفيهم من الكذب والبدع والافتراء على الله ورسوله، أعظم مما في الخوارج المارقين الذين قاتلهم أمير المؤمنين علي وسائر الصحابة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل فيهم من الردة عن شرائع الدين، أعظم مما في مانعي الزكاة الذين قاتلهم أبو بكر الصديق والصحابة).*
*(أما من اقترن بسبه دعوى أن عليًّا إله، أو أنه كان هو النبي، وإنما غلط جبريل في الرسالة، فهذا لا شك في كفره، بل لا شك في كفر من توقّف في تكفيره).*
*وتلك هي الحالة المشتهرة من المذهب الذي يسير عليه ملالي إيران اليوم.*
*ولنَفترض أن ابن تيمية لا يكفّرهم – بحسب تلك الفتاوى المنقولة من أولئك الفضلاء – فالواجب حمل كلامه رحمه الله تعالى على عدم تكفير من لم يكفرهم في فتاويه الأخرى، فالجمع أولى من الترجيح، كما تقول قاعدة أصول الفقه.*
*جمع الله كلمة الدعاة ووفقهم لحسن الفقه، وسلامة القصد، ونصرة الحق وتبيينه،وتحقيق الإخاء، إنه جواد كريم والله الهادي .*