رابطة علماء المسلمين
رابطة علماء المسلمين
June 18, 2025 at 01:48 PM
بل نحن أمة واحدة! ✍🏻 بقلم فضيلة الشيخ د.فيصل بن علي البعداني كان أهل الإسلام، ودعاة الحق، وحملة راية التوحيد الخالص أمةً واحدة، وعُصبةً واحدة، وأخوةً متحابين، منذ نشأ الإسلام وقام، مهما تباعدت ديارهم، وتنوّعت قبائلهم، واختلفت ألوانهم، وتشكلت أفكارهم، وتعدّدت قراءاتهم: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾. ومثلهم: «في توادّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم كمثل رجلٍ واحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمّى». ومثلهم: «كالبنيان، يشدّ بعضه بعضًا». «تتكافأ دماؤهم، وهم يدٌ على من سواهم، يسعى بذمّتهم أدناهم، ويُردّ على أقصاهم». كلّهم: «بنو آدم، طِفُّ الصاع بالصاع». «ليس لأحدٍ فضلٌ إلا بدينٍ أو تقوى». و«أكرمهم عند الله أتقاهم». ربّهم واحد، وكتابهم واحد، ونبيهم واحد، وأبوهم واحد، وهمهم واحد، وقضيتهم واحدة، يتسابقون إلى ربهم بالطاعة، وإتيان خِصال الخير، والاتّصاف بالمكارم: «لا فضل لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ، إلا بالتقوى». وحين كان الفرد المسلم يغفل -في أحيان- عن هذه الحقيقة، فيرى لنفسه فضلًا على أخيه ورفعةً بنسبٍ أو وطنٍ أو لُعاعةٍ من الدنيا، يأتي التقرير والتأنيب، ففي الكتاب: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾، ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾. وفي الحديث: «لا تَقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا». وحين عيّر أبو ذرٍّ رجلًا بأمّه، فقال له: يا ابن السوداء، جاء الإنكار النبويّ الزاجر ناصعًا كالشمس: «يا أبا ذرٍّ!، أعيرتَه بأمّه؟! إنك امرؤٌ فيك جاهلية». وحين تشاجر رجلان: مهاجريٌّ وأنصاريٌّ، فقال الأنصاريّ: يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين، خرج النبي ﷺ مُغضبًا، وقال: «ما بال دعوى الجاهلية؟»، «دعوها فإنها منتنة». وكان شيخ الإسلام في عصره، ومقدَّم العلماء، وعظيم فقهاء زمانه: ابن عباسٍ رضي الله عنهما، يقول: «لسادات الناس في الدنيا: الأسخياء، وفي الآخرة: الأتقياء»، فلم يُفاضِل بين الناس بغير التُّقى وإتيان المكارم. وفي عصرنا هذا: عصرِ غربة الإسلام، وتغلغلِ المفاهيم الجاهلية، وزمنِ انهيار الدولة الإسلامية الواحدة، وتقسيمِ المحتل الغالب لديار الإسلام إلى دويلاتٍ ضعيفةٍ متناحرةٍ متصارعةٍ بحسب معاهدة سايكس–بيكو الشهيرة، فشت بعض المفاهيم القومية والقطرية إلى عقول كثير من المسلمين، فصارت المصلحة الجزئية، والانتماء لجنسٍ أو قُطرٍ هو حدَّ الولاء الفاصل، وميزانَ القرب والبعد، وضابطَ الموافقة والمخالفة. وقد كان هذا في عقول أهل العلم والدعوة مرضًا يحتاج إلى مداواةٍ واستصلاح، وحقًّا أخذوا زمنًا في المعالجة، فنجحوا وأخفقوا، ولكن مع طول العهد وتقادم السنين، وحصارِ الدعوة، وفشو الأمية الشرعية، وضعف التدين والانغماسِ في بحور الشهوة والشبهة، وصنيعِ المناهج الدراسية المؤسسة على المفاهيم القومية والوطنية في غالب البلدان، وهديرِ وسائل الإعلام المغيّبة لمفهوم الأمة الواحدة ومصطلحِ الإخاء الإيماني، والمروّجةِ -في غالبها- لفكر المحتل، والمؤسسةِ لفكر المصلحة القطرية فالقومية في أذهان الأجيال المتعاقبة؛ بدأت تلك الأفكار الجاهلية التي سرّبها المحتل إلى فكر الأمة -بهدف تمكين التشتيت الذي أقامه على عينه، وتأصيل تمزيقه لأمتنا الواحدة وإن تعددت كياناتها السياسية- تتفشّى إلى أوساط بعض أبناء الدعوة الإسلامية، وإلى عقول بعض من يُسمّون بالمفكرين الإسلاميين، فأصبحت مواقفهم مبنية على المصلحة القُطرية، وإن أضرّت غاية الضرر ببقيّة أجزاء الأمة. فصرنا نرى مثلًا: "حسن نصر غزة"، بينما حسن نصرهم هذا قد تحالف مع الشيطان، ودمّر مدن العراق والشام، وهتك أعراض أهلها، وجعل مياه بعض أنهارها حمراء من دماء رضعها ونسائها، حتى فعل فيها ما لم يفعله التتار، وجرف الهوية الإسلامية السنية في اليمن ولبنان، فهدم المساجد، واستولى على المعاهد، وفجّر المنازل، وقتل الدعاة، وهجّر المصلحين، واعتقلهم، وشرّد بأهاليهم. وحين أسقط الله نظام السفّاك المجرم: الأسد، ومحا ذكره من بلاد الشام، رأينا من يقول: سأتحالف مع الهندوس، وأبني لهم في دياري معبدًا، من أجل مصلحة استقرار سوريا! مع أنهم هناك يقتلون المسلمين لمجرد الانتماء للإسلام، وما زالوا يعتدون عليهم في ديار الهند وباكستان. ورأينا من يمدّ يده للصهاينة، ويسارع في ركوب قطار التطبيع، وحرق مراحله الطويلة التي مضى بها من سبقه، مع أنّ أنهار دماء غزة ما تزال تروي الأرض، وأنّات أهلها قد أسمعت أهل الدنيا كلها، وتقتيلُ يهودٍ المتوالي لهم، وحصارهم المُجيع للسكان، وهدم مساجدهم ومشافيهم، وتفجير منازلهم؛ قد سمع به القاصي والداني. وما زالت المواقف المؤسَّسة على الحسابات القطرية، والمُغفلة لمصالح المسلمين بعامة، والمعرضة عن كوننا أمةً واحدة، تتوالى في أكثر من مكانٍ في شرق بلاد الإسلام ووسطها وغربها، وفي أوساط عربها وعجمها، مع فشو كثير من الصمت وترك الإنكار. فإلى أين، يا قوم، تتجه بنا سفينة أدعياء الرسوخ في العلم والتفكير وأنصاف المثقفين؟! وإلى أين تمضي بنا رحلتهم في التلبيس والتضليل؟! ومتى نتقي الله تعالى، فنرعوي ونؤوب؟! فاللهم اهدِ قومي، وردّهم إليك ردًّا جميلا، فإنهم -قد بدا في وسطهم بعض الزيغ وأضلوا بعض السبيل- وهم لا يعلمون. والله الهادي.

Comments