
رسائل من غزة 💙 بنات عماد 💙
May 27, 2025 at 09:22 AM
كان رامي يركض في الأزقة الضيقة كمن يطارد ظلَّه، أو كمن يفرّ من صوتٍ لا يُسمع، لكنه يملأ صدره رجفًا.
لم يكن يلهو، ولم يكن يهرب من عتاب أمّه كما اعتاد، بل كان يركض لأن السماء أصبحت فمًا مفتوحًا يبتلع البيوت.
في الصباح، ضحك مع أصدقائه خلف المدرسة على نكتةٍ عن المعلم، وقذفوا الحجارة نحو لافتة قديمة كأنهم يقاومون العالم بالحجارة وحدها.
لكن العالم لم يفهم مزاحهم. عاد عليهم بغضبٍ لا يُفسَّر، كأن المدينة كلها أصبحت هدفًا لعداوة لا اسم لها.
حين سقط أول صاروخ، كان رامي يحاول إصلاح طائرته الورقية.
وحين سقط الثاني، كانت أمّه تجهز الغداء وتغني دون أن تدري أن آخر ما ستفعله في حياتها هو رش الملح على العدس.
ركض رامي. لم يأخذ شيئًا. لا حقيبته المدرسية، ولا صورته مع أبيه المعلّقة قرب التلفاز.
ركض وهو يردد في داخله: “ليس الآن… ليس اليوم…”
لكن الزمن كان قد انقلب. وصارت الدقيقة دهرًا، وصار كل ما حوله يشي بأنه تأخّر.
حين عاد إلى الحارة، لم يجد الحارة.
وجد بيوتًا انقلبت على رؤوسها، وأبوابًا اقتُلعت، وخزائن تقيأت أسرارها، وصرخات لا يعرف أصحابها.
عرف وجه أمّه من خاتمها فقط، يدها كانت تمتد كأنها ما زالت تناديه: “تعال، الغداء صار جاهزًا.”
لكن لم يكن هناك غداء. فقط رماد، وقطعة من ملح ما زالت ناصعة على الأرض.
جلس رامي هناك. لم يصرخ. لم ينهَر.
مدّ يده، وأخذ الخاتم، ومسح التراب عن إصبعه الصغير، ولبسه.
ثم مشى، وكأنه صار رجلًا، أو ظلّ ولد لم يكبر بعد.
مشى لأن لا أحد بقي ليناديه باسمه، ولا بيت ليغضب فيه، ولا طائرة ورقية ليصلحها.
نجا رامي، لكن الطفل الذي كان فيه احترق.
والعالم ظلّ صامتًا، كأنه لم يرَ شيئًا.
🇩🇿
🇮🇱
😢
3