
فوائد وفرائد
June 12, 2025 at 05:43 PM
*زمن العزة 57*
(أيام عمر 16)
(( الطريق إلى القادسية 4))
.. و ظل الأسد متربصا في براثنه شهرا كاملا .. ينتظر قدوم .. الباشا .. رستم قائد الفرس بجيشه ...!!!!
.. ، و لكن رستم زاد تردده بعد قصة ( إناء التراب ) ، و كان يتمنى أن يجد لنفسه مخرجا حتى لا يلاقي المسلمين في قتال بهذه الخطة الغبية التي وضعها له كسرى يزدجرد ..!!
..، و أخذ كسرى يضغط على رستم ليتحرك سريعا نحو
القادسية .. ، فاضطر أن يستجيب .. ، و خرج من المدائن بجيش الفرس ولكنه كان متباطئا جدااا ... !!
.. ، و كلما وقف في استراحة أثناء الطريق أرسل إلى
يزدجرد يسأله : (( أقاتل ، أم أرجع ... ؟!!! ))
... ، و مما زاد من مخاوفه ، و ضاعف من تشاؤمه تلك الرؤيا المنامية التي رآها قبل المعركة .... !!!!
.. ، فقد رأى رستم في منامه : أن مَلَكا ينزل من السماء ، و يدخل معسكر الفرس فيجمع أسلحتهم ثم يعطيها لرجل ..!!
فسأل رستم في المنام :
(( من هذا الرجل الذي جمع أسلحتنا ... ؟!!! ))
.. ، فقيل له : (( إنه محمد ))
.. ، ثم رأى هذا الرجل يعطى الأسلحة التي جمعها إلى رجل آخر ... ، فسأل رستم : (( ومن هذا الرجل .... ؟!!! ))
.. ، فقيل له : (( إنه عمر بن الخطاب ))
.. ، ثم أخذ هذا الرجل الثاني أسلحة الفرس ، و أعطاها إلى رجل ثالث ... ، فتعجب رستم ، و قال في منامه :
(( ومن هذا الرجل الثالث ... ؟!! ))
.. ، فقيل له : (( إنه سعد بن أبي وقاص ))
.. ، ثم قام رستم من نومه فزعا متشائما من هذا الذي رآه ..
، و جمع من يثق فيهم من المنجمين .. ، فسألهم عن تأويل ذلك ...؟!!!
.. ، فاضطرب المنجمون ... ، و تذبذبت تأويلاتهم .. ،و طلبوا من رستم ألا يقص هذه الرؤيا على أحد بعد ذلك ... !!!!
و ستسألني الآن بكل تأكيد :
ومن أين لنا أن نعرف خبر تلك الرؤيا المنامية ، و غيرها من الحوارات و المواقف التي تحدث في الغرف المغلقة بين الفرس ...؟؟ !!!
... ، و الجواب : عن طريق الرفيل ، و من هم مثله ... !!
فمن هو الرفيل :
.. الرفيل .. بضم الراء المشددة ، و فتح الفاء ..
هو أحد حاشية رستم المقربين له ، و موضع ثقته ..
، ولكنه كانت تراوده فكرة ( اعتناق الإسلام ) خاصة بعد أن عرف بأخبار الانتصارات المبهرة التي حققها خالد بن الوليد و المثنى بن حارثة في العراق في أقل من سنة .. !!
.. ، و كان الرفيل مترددا جداااا .. يسأل نفسه : هل يدخل في الإسلام ؟! .. ، أم يظل على دين آبائه العظماء الذين يسيطرون على نصف الأرض ، و يعيشون في رفاهية ونعيم ... ؟!!
.. ، و لكنه لما سمع رستم وهو يروي تلك الرؤيا المنامية .. الواضحة الدلالة .. على المنجمين .. استقر الإيمان في قلبه ..
.. ، فأسلم سرا .. قبل بدء معركة القادسية بأيام ..
سبحان الله العظيم ..
، وانتظر الرفيل الفرصة المناسبة حتى يعلن إسلامه أمام المسلمين ... !!
.. ، و بالفعل ....
استطاع الرفيل أن يصل .. في الخفاء .. إلى سعد بن أبي وقاص في القادسية قبيل المعركة .. ، و نطق بالشهادتين بين يديه ، فطلب منه سعد أن يخفي إسلامه ، و أن يرجع إلى معسكر رستم حتى يكون عينا للمسلمين فيخبرهم بأخبار الفرس ...
.. ، الرفيل و غيره من الذين أسلموا من الفرس كانوا هم مصدر تلك الأخبار و الحوارات التي كانت تدور بين قادة الفرس .... !!!!
.. ، و روايات الرفيل نقلها لنا عنه ابنه / النضر بن الرفيل ..!!!
.... .. ...... ...... ...... ......
بدأ رستم يقترب بجيش الفرس من القادسية شيئا فشيئا .. ، فأراد سعد بن أبي وقاص أن يرسل فرقة استطلاع لمعرفة أخباره ، و إلى أين وصل .. ، فاختار سبعة من فرسان المسلمين لهذه المهمة ، و جعل قائدهم /طليحة بن خويلد
، و جعل معه في تلك الفرقة فارسا آخر من أبطال العرب المشاهير .. وهو عمرو بن معديكرب .. ،
و طلب سعد منهم أن يعرفوا مدى اقتراب جيش رستم من القادسية .. ، كما طلب منهم .. إن استطاعوا .. أن يعرفوا موقع خيمة رستم داخل جيشه .. ، و أن يحاولوا أسرَ أحد جنود الفرس .. إن أمكن .. ليتم استجوابه ، و معرفة أسرار الجيش الفارسي ... !!!!
** تذكرون من هو طليحة بن خويلد قائد تلك الفرقة ... ؟!
.. ، لو رجعتم إلى أحداث حروب الردة ستذكرونه ..
لقد كان واحدا من أشهر الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .. ، بل وادعى النبوة .. ، و أخذ يفترى على الله الكذب .. ، و كان يدعي أنه يأتيه جبريل بالوحي من السماء .. ، حتى أفسد دين الناس ، و اتبعه خلق كثير .. !!!
.. ، و كان من جرائمه .. أن قتل أحدُ أتباعه من المرتدين/ قتل الصحابيٓ الجليل عكاشة بن محصن ... !!!
.. ، و كلنا يعرف مكانة سيدنا / عكاشة بن محصن ..
إنه من المبشرين بالجنة .. ، فهو الذي ذكر في الحديث الشهير .. حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، ولا عذاب .. ، حينما طلب سيدنا / عكاشة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله أن يكون من هؤلاء السبعين ألف .. ، فقال له : (( أنت منهم )) .. !!
.. ، و سبحان الهادي ..
لقد تاب الله على طليحة بن خويلد بعد ذلك .. ، و ذهب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليعتذر عن جرائمه ، و ليعلن عودته إلى الإسلام .... !!!
و طليحة من أبطال العرب المشاهير الشجعان الذين يحملون اللقب المعروف : (( رجل بألف فارس ))
.. ، و ها هو يشارك مع المسلمين في معركة القادسية .. ،
و لكن قلبه كان يحترق كل لحظة من شدة الندم على ماضيه الأسود .. ، فكان يرجو أن يقدم شيئا للإسلام يكفر به عما فعله من الموبقات ، و الجرائم ... !!!!
... ، أما زميله في فرقة الاستطلاع .. عمرو بن معديكرب .. فقد كان حاملا للقب أيضا .. كان رجلا بألف فارس .. ،
و كان صاحب أشهر سيف عرف في جزيرة العرب .. ، و اسمه : (( الصمصامة )) .. ، فقد اشتهر عمرو بين قبائل العرب بأنه لا يقاتل أحدا بهذا السيف إلا قتله ....!!!
.. ، ولكن مع الأسف الشديد كان هو أيضا ممن ارتدوا عن الإسلام ..... ، ثم تاب الله عليه ...، و حسن إسلامه ...
، و ها نحن نراه الآن في فتوحات بلاد فارس .. على الرغم من كبر سنه وقتها ، فقد شارك في القادسية و قد تجاوز الثمانين عاما ...!!
...... ..... ...... ..... .....
تحركت فرقة الاستطلاع لتستكشف تحركات جيش رستم .. ففوجئت به قريبا جدا من القادسية .... !!!!
.. كان أقرب بكثير مما كانوا يتوقعون ... !!!!!
.. ، فاقترح عمرو بن معديكرب على زملائه أن يعودوا سريعا لإبلاغ سعد بن أبي وقاص حتى يستعد بالجيش لبدء القتال ...
.. ، و لكن طليحة بن خويلد رفض تماما هذا الاقتراح ، لأنهم لم ينفذوا من المهام الثلاثة التي كلفهم بها سيدنا / سعد إلا مهمة واحدة فقط حتى الآن .. ، فهم لم يعرفوا موقع خيمة رستم داخل جيشه .. ، و لم يأسروا أحد جنود الفرس ....
.. ، بينما كان عمرو بن معديكرب يرى أن محاولة تنفيذ هذه المهام الثلاثة كاملة هي بمثابة انتحار بمعنى الكلمة .. ، لأن عددهم سبعة فقط ..
، بينما جيش الفرس ربع مليون ... !!!
.. ، فلما اختلفا في الرأي ..
قرر عمرو هو و باقي الفرقة أن يعودوا إلى معسكر المسلمين .. ، و أصر البطل / طليحة بن خويلد أن يكمل المهمة وحده ....!!!!
.. ، كان طليحة لا يخاف الموت ، بل كان يطلبه في سبيل الله .. رضي الله عنه .. !!!
.. ، و انطلق طليحة على فرسه .. وحده .. نحو جيش الفرس
.. حتى وصل قريبا جداااا منه ... !!
..... ، و عندما دخل الليل ..
.. بدأ يتحرك في برك و مستنقعات غير عميقة كانت بالقرب من إحدى جانبي الجيش الفارسي .... !!
.. ، كان يتحرك في هدووووء تام .... ، حتى لا يشعر أحد من الفرس بتحركاته .... ، و ظل يتقدم بطول الجيش حتى جاوز مقدمته كلها .. و التي كانت حوالي 24 ألف مقاتل .. ،
ثم أخذ يتحرك إلى جوار قلب الجيش .. ، و هذا القلب كان حوالي 20 ألف مقاتل ... , حتى وصل إلى منتصف هذا القلب .. فإذا بخيمة رستم تظهر أمام عينيه .. عرفها بمجرد أن رآها .. فقد كانت تتميز في شكلها ، و فخامتها عن باقي الخيام .... !!!
.. ، أخذ طليحة يتسلل تحت جنح الظلام بين جند الفرس حتى وصل إلى خيمة رستم .. ، فضرب بسيفه حبال الخيمة .. فوقعت على رأس رستم و من كانوا معه ..
.. ، فصرخ رستم بأعلى صوته في الحرس ليدركوا طليحة ..
، .. ولكن طليحة كان قد قطع الحبل الذي يربط به فرس رستم الخاص .. و بسرعة خاطفة .. طار بفرسه ، و معه فرس رستم في طريقه إلى القادسية ... !!!!
.. ، و انطلقت من ورائه فرقة من أقوى فرسان رستم لتلحق به .. ، فكانت كلما اقتربت منه زاد في سرعته ، حتى يئس فرسان تلك الفرقة من أن يلحقوا به .. فعادوا إلى معسكرهم .. إلا ثلاثة منهم .. ، كانوا أشجعهم و أقواهم .. ، فأصروا على أن يلقوا القبض على طليحة مهما كلفهم ذلك ، .. و واصلوا مطاردته حتى اقترب منه أحدهم ، فرماه برمحه .. فطاش الرمح .. ، فأخذه طليحة فرمى به ذلك الفارس .. فقتله ...!!!
.. ، ثم اقترب منه الفارس الثاني ، فرماه برمحه .. فطاش .. ، فأخذ طليحة الرمح فرماه به .. فقتله ..... !!!!
.. ، و بقي الفارس الأخير ..
كان أشدهم و أشجعهم .. ، فأخذ يطارد طليحة بإصرار عجيب .. على الرغم من مصرع رفيقيه أمام عينيه .. ، و كان سبب ذلك الإصرار هو أن الفارسين المقتولين كانا ابني عمه .. ، فأراد أن ينتقم لهما .... !!
.. ، و اقترب الفارس الثالث من طليحة اقترابا شديدا .. ، وأخذ رمحه و رماه به ..... فطاش أيضا .... !!!!
... ، ثم أخذ طليحة ذلك الرمح ، و هدد به ذلك الفارس الأخير ... ، فقال له :
(( إما أن أقتلك به كما قتلت رفيقيك ..
.. ، أو أن تسلم نفسك لي .. ))
.. ، فاستسلم الفارس ..
، و عاد به طليحة أسيرا إلى سعد بن أبي وقاص ، و قد امتلأ قلبه فرحا بعد أن أتم الثلاثة مهام على أكمل وجه .. !!
.. ، و أدخلوا الأسير الفارسي على سعد ليستجوبه ..
.. ، فقال الفارسي لسيدنا سعد :
(( أمني على دمي أولا .. ، و أنا أصدقك القول ))
.. ، فقال له سعد :
(( الأمان لك .... ، و نحن قوم صدق لا نغدر ، ..
فأخبرنا عن جيشك .. ))
.. ، فقال الفارس :
(( قبل أن أخبرك عن جيشي .. أخبرك عن رجلكم هذا الذي أسرني .. ، إن هذا الرجل ما رأيت مثله في حياتي .. !!!
لقد دخلت حروبا منذ طفولتي فما رأيت رجلا يجتاز وحده معسكرين لا تتجاوزهما جيوش .. ، ثم يقطع حبل خيمة القائد العام للجيش ، و يأخذ فرسه .. ، فيتبعه الفرسان فلا يلحق به إلا ثلاثة ، كل واحد منهم يساوي عندنا ألف فارس في بطولته .. ، فقتل صاحبكم الأول .. ، ثم الثاني ..
، و هما ابنا عمي .. ، فتابعته و أنا أريد الثأر منه ، و لا أعلم فارسا عندنا في قوتي .. ، فرأيت الموت حتى طلبت الأسر .... !!!
.. ، فإن كان جنودكم مثله ، فلن تهزموا أبداااااا ..... ))
.. ، ثم بدأ الأسير يخبر سيدنا / سعد بمعلومات هامة جدا عن جيش الفرس .... !!
..، فقال له سعد بعدها :
(( إن شئت فابق معنا .. ، و إن شئت فلتعد إلى قومك .... ))
.. ، فقال الأسير : (( بل أبقى معكم )) ...
.... ..... .... .... .......
... (( أومن كان ميتا فأحييناه .. )) ...
* فمكث الجندي الأسير بين المسلمين في معسكر القادسية .. ، فكان يتابع أخلاقهم الرفيعة .. ، و يذهله حسن معاملتهم معه ...!!
.. ، لقد رأى فيهم مالم يكن يراه في بلاد الفرس ..
رأى تواضع القائد مع جنوده ، ورفقه بهم .. ، رأى الصدق .. ، رأى الأمانة .. ، و لاحظ رابطة الإخاء القوية التي تربط بين المسلمين جميعا كبيرهم و صغيرهم .. ، و أجواء الحب في الله التي تعم المعسكر كله .... !!
.. ، فكان يقول في نفسه متعجبا :
(( ما هذا الدين العظيم الذي جعل العرب .. الهمج الرعاع .. الغلاظ الشداد قطاع الطرق يتحولون إلى تلك الفضائل و الأخلاق العالية .... ؟!!! ))
... ، وبعد أيام ....
طلب الأسير مقابلة سيدنا سعد بن ابي وقاص ..
، فلما أذن له .. و دخل عليه .. قال له :
(( يا سيدي .. إني أريد أن أدخل في دينكم هذا ..
.. ، أريد أن أكون من المسلمين ....)) .... !!!
.. فعلمه سيدنا / سعد كيف ينطق الشهادتين ، و طلب منه أن يغتسل .. ، و فرح المسلمون جميعا بأخيهم الجديد فرحة كبيرة ... !!!!!
.. ، و سماه سيدنا / سعد اسما جديدا .. سماه مسلم ... !!
.. ، فكان مسلم هو الفارسي الثاني الذي أسلم بين يدي سعد بن ابي وقاص في القادسية قبل بدء المعرك ..
.. حيث أسلم قبله الرفيل كما رأينا ... !!!
.. ، و شارك مسلم في معركة القادسية في صفوف المسلمين .. ، فكان بطلا من أبطالها .. ، و كان سعد يوكل إليه المهام الصعبة نظرا لخبراته و مهاراته العسكرية العالية .. ، كما أنه كان شجاعا جريئا ...
، و كذلك شارك مسلم .. بعد انتصار القادسية .. في باقي فتوحات العراق ، و بلاد فارس ، فانتفع المسلمون بمعلوماته القيمة في كثير من المواقف الحرجة .. !!
...... ..... ..... ...... .....
** جيش رستم أصبح قاب قوسين أو أدنى من القادسية .. ،
و الواضح أن لقاء القمة قد اقترب ...!!!
.. ، و في نفس ذلك الوقت وصلت أخبار سارة عظيمة رفعت من معنويات المسلمين جميعا قبل بدء معركة القادسية ... ، فقد نصر الله سبحانه جند الشام بقيادة البطل اللامع ، و النجم الساطع /
خالد بن الوليد رضي الله عنه على جيش الرومان الضخم في معركة اليرموك .. و التي سنحكي قصتها كاملة إن شاء الله ، و لكن بعد الانتهاء من أحداث القادسية ... !!!
يتبع ..
❤️
1