
قلم الفقيه
June 11, 2025 at 07:49 AM
#حديث_مع_النفس
#ليلة_البارحة
ما كانَ لِلَّيْلِ أنْ يَسْتَقِيمَ في نَفْسِي كما يَسْتَقِيمُ على ظاهِرِ الأرْضِ، فإنَّ اللَّيْلَ عندِي ليسَ ظُلْمَةً في الكَوْنِ، بلِ انْكِشافًا في الباطِنِ، وخَلاءً في النَّفْسِ تَنْبَعِثُ فيهِ الأشْياءُ منْ حَيْثُ لا يُرْتَجَى لَها بَعْثٌ ولا حَياةٌ.
وقدْ كانَ منْ أَمْرِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أنَّنِي ما هَمَمْتُ بالكِتابَةِ، ولا طَلَبْتُ القَلَمَ، ولا نَشَدْتُ الدَّفْتَرَ، ولكِنَّها حَرَكَةٌ خَفِيَّةٌ، كَأَنَّها منْ وَرَاءِ النَّفْسِ، هيَ الَّتِي دَفَعَتْنِي أنْ أَفْتَحَ الوَرَقَ، وأنْ أَسْتَلِمَ القَلَمَ، لا بِيَدِي، بلْ بِرُوحِي!
كَتَبْتُ… ولا أَدْرِي ما كَتَبْتُ. أَحْسَبُهُ حَدِيثَ نَفْسٍ طالَ عليهِ الصَّمْتُ، حتّى ضَجَّ من سُكُوتِهِ، فانْفَجَرَ!
في كُلِّ جُمْلَةٍ كَتَبْتُها، كانَتْ مَشَاعِرِي تَتَصَارَعُ: خُشُوعٌ كَأَنِّي واقِفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، ورَعْدَةٌ كَأَنَّ خَطِيئَتِي أَمَامِي، وَحَنِينٌ كَأَنَّنِي أَفَتِّشُ عنْ شَيْءٍ فَقَدْتُهُ منذُ دَهْرٍ، ووَجَعٌ أَعْرِفُهُ ولا أُسَمِّيهِ!
وما أَدْرِي، أَكُنْتُ أَكْتُبُ بِالحِبْرِ، أَمْ كُنْتُ أُفْرِغُ دَمِي في السُّطُورِ؟
وما أَدْرِي، أَكَانَ القَلَمُ في يَدِي، أَمْ كانَتْ يَدِي في يَدِ مَنْ لا يُرَى، يُمْلِي عَلَيَّ ما لَمْ أَكُنْ لَأَقُولَ؟
هيَ لَحْظَةٌ لا تُفَسَّرُ، ولا تُعَادُ، ولكِنَّها وَحْدَها تُسَاوِي عُمْرًا مِنَ الصَّمْتِ.
#قلم_الفقيه