
شريف طه
June 17, 2025 at 12:26 AM
الشمول والتوازن في إدراكنا وتصورنا عن المخاطر والمشاريع المعادية، يؤدي للاتزان في سلوكنا وموقفنا من صراعات المنطقة.
المشروع الصهيوني في مقدمة المشاريع المعادية. لا يجوز الاختلاف في ذلك، ولا التشكيك فيه، ولا التهوين منه.
والمشروع الإيراني كذلك لا يجوز التقليل من خطره، أو اعتباره معنا وليس ضدنا أو أن الخلاف معه خلاف فكري بسيط، أو الغفلة عن كونه مشروعا مؤسسا على تصدير ثورته على أنقاض الدول العربية.
ولا يجوز نسيان أحلامه باحتلال القاهرة ومكة والشام، و امتلاك مراكز التوجيه الديني في المسلمين.
وهو ينظر لصراعه مع السنة على أنه امتداد للصراع التاريخي مع بني أمية، الذين يكنون لهم العداوة والحقد الشديد.
لا يصح الخلاف في ما سبق؛ لأنها ببساطة حقائق وليست وجهات نظر.
حقائق عشناها على مدار خمسين عاما تقريبا، رأينا فيها صفحات من الحقد الأسود، والتحالف مع الأمريكان والصهاينة لتمكينهم من العراق وسوريا واليمن وأفغانستان.
ملايين القتلى والمشردين على أيدي الإيرانيين، لم يعتذروا عنها حتى اليوم، ولا يرون أنهم ارتكبوا جرما، ولو عاد بهم الزمن لعادوا.
كل هذا معروف..
وحينما يشتعل الصراع بين هذين المشروعين، فلا يجوز الخلاف في هذا، ولكن يتمحض النظر في توابع ذلك الصراع علينا، وما ارتدادات هذا الصراع من الناحية الجيوسياسية (أي النفوذ والسيطرة في المنطقة) بدلا من المزايدات، واستدعاء توصيفات وخلافات فقهية، ليست هي العامل الوحيد في النظر لهذا الصراع.
ولكن للأسف الشديد مع كل نازلة، ينحرف النقاش لقضايا كلامية جدلية لا أثر لها في الواقع بالمرة.
كثير ممن يعرف ويقر بخطر المشروع الإيراني، يتخوف من انطلاق جماح الصهاينة، وانفلات عقالهم، وانفتاح شهيتهم لتحقيق أحلامهم التي كانوا يرونها بعيدة نسبيا، ولكن مع هذا التراجع والسقوط لخصومهم، ربما تنفتح شهيتهم أكثر وأكثر.
فلا معنى لأن تسرد لمن هذا موقفه، التحذير من الرافضة، فهو مقر بذلك.
وهذا الموقف المتخوف من التمدد الصهيوني، سيكون موجودا حتى ولو كانت إيران دولة غير مسلمة بالكلية، فقضية التوازنات السياسية في عالم اليوم، تعتمد على المصالح المرتبطة بالدول، وليس فقط على الهويات. نعم للعقائد دور في ذلك لا يمكن إنكاره أو تجاهله، ولكن ليس الأمر منحصرا في ذلك.
فمثلا : أذربيجان دولة ذات أكثرية شيعية، ولكنها تابعة لمحور أمريكا وإسرائيل، ومتحالفة مع إسرائيل تحالفا وثيقا، خاصة في مجال الاستخبارات والأمن، وهو ما تعتبره إيران تهديدا لها، وفي المقابل تتحالف مع أرمينيا المسيحية وتؤيدها في صراعها مع أذربيجان.
باكستان مثلا رغم وجود توتر في علاقتها مع إيران لأسباب عديدة، من أهمها وجود علاقات جيدة بين إيران والهند الخصم التاريخي لباكستان، وقامت الهند بتطوير ميناء (تشابهار) الإيراني المنافس لطريق (الحزام والطريق) الصيني الذي يمر بباكستان.
ومع ذلك تخشى باكستان من نتائج الصراع الأخير، أن يجعلها في مرمى الاستهداف بعد ذلك؛ ولذلك ترفض العدوان الإسرائيلي بشدة.
ومصر تعرف - وكل أحد يعرف - أنها في بؤرة الاستهداف الصهيوني، وأن الأطماع الصهيونية في سيناء لم تنقطع، وأن اتفاقية السلام لم تعد سدا منيعا يحول دون نشوب الصراع.
ولذلك من الطبيعي أن ترفض مصر بشدة هذا الاعتداء الإسرائيلي.
بل إن توسع الصراع يجعله يؤثر ويمتد لكل دول المنطقة، ولذلك أتصور أن التصريحات الصادرة عن وزراء الخارجية العرب اليوم، و الرافضة لهذا العدوان والمنددة به، هي تصريحات صادقة وتعبر عن حقيقة المخاوف من امتداد هذا الصراع وآثاره على المنطقة كلها.
نسأل الله تعالى أن يجعل فرجا ومخرجا لعباده المستضعفين.
قال تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين}.