الكتاب الشهري
June 13, 2025 at 04:42 PM
*هل يعلم الموتى بطُول مكثِهم في القبور؟*
قال ابن الجوزي رحمه الله:
سأل سائلٌ: *هل يعلم الموتى بطول مكثِهم في القبور؟*
فأجبت: *الله أعلم بحقيقة ذلك، غير أن الذي يظهر لنا بمقدار علومنا أن الأبدان قد بَلِيَتْ، فالحواسُّ المُدرِكة معدومةٌ، وآلات العلم مفقودةٌ، وليس ثَمَّ إلا الأرواح،* وقد جاء في الحديث الصحيح: *«أنها في حواصل طيرٍ خُضْرٍ تأكل من شجر الجنة»،* وهذا يقتضي أنها مُودَعةٌ في محلٍّ يُتصرَّف بها ولا تَتصرَّف فيه،
*فكأنها من جنس ما يجري في المنام لها؛ فإنها مُودَعة في البدن، وآلات تصرُّفِها مُعطَّلةٌ، فهي ترى في مَنامِها ما تَلَذُّ به وما يؤذيها، ولا تدري قدرَ مدة النوم،*
فإدراكُها قاصرٌ بعد الموت، فعلى هذا ليس لها علمٌ بمقدار مدة اللبث من حين الموت إلى البعث.
ومن هذا الجنس: قول أهل الكهف: *﴿لَبِثْنا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾* [الكهف: ١٩]، وذلك أنهم ناموا أولَ النهار وانتبهوا في آخرِه، ولم يعلموا قدرَ مكثِهم في النوم.
ومن هذا النوع: البعث، ويدل على هذا قوله تعالى: *﴿وَيَومَ يَحشُرُهُم كَأَن لَم يَلبَثوا إِلّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ﴾* [يونس: ٤٥]، ولهذا يُقال: *﴿كَم لَبِثتُم فِي الأَرضِ عَدَدَ سِنينَ. قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ فَاسأَلِ العادّينَ﴾* [المؤمنون: ١١٢-١١٣].
فإن قيل: فأين تأثيرُ العذاب في قوله ﷻ: *﴿النّارُ يُعرَضونَ عَلَيها غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾* [غافر: ٤٦]؟
وأين تأثير النعيم في قوله ﷺ: *«ما منكم أحدٌ إلا ويُعرَض عليه مقعدُه من الجنة أو النار غُدوةً وعشيَّةً، فيُقال: هذا مَقعَدُك حتى يبعثَك الله إليه»؟*
فالجواب: إن النعيم والعذاب في الحديث مع الأرواح، فهي التي تُنعَّم وتُعذَّب، إلا أنها قد عُدِمَتْ آلاتُها التي تُدرِك بها عِلمَ مقادير الزمان،
*فإذا عادت إلى الأبدان وتصرَّفت في آلات الإدراك، نَسِيَتْ ما كانت فيه.*
ويمكن أن يُقال: إن *الناس إذا بُعِثوا هالَهم ما يَرَوْنَ من أهوال القيامة، فيَنسَوْنَ طولَ ما قدموا عليه.*
والله أعلم بحقيقة ذلك.
صيد الخاطر (ص ٥٥٣ - ٥٥٤).
👍
4