الكتاب الشهري
June 14, 2025 at 04:06 PM
*أهمية كتمان الأسرار:* قال ابن الجوزي رحمه الله: *رأيت أكثر الناس لا يتمالكون من إفشاء سرِّهم، فإذا ظهر، عاتبوا مَن أخبروا به.* فوا عجبًا! كيف ضاقوا بحبسه ذرعًا، ثم لاموا مَن أفشاه؟! وفي الحديث: *«استعينوا على قضاء أموركم بالكتمان».* *ولَعمري، إن النفس يصعب عليها كتم الشيء، وترى بإفشائه راحةً،* خصوصًا إذا كان مرضًا أو همًّا أو عشقًا، وهذه الأشياء في إفشائها قريبةٌ. *إنما اللازم كتمانُه احتيالُ المحتال فيما يريد أن يُحصِّل به غَرَضًا؛ فإن من سوء التدبير إفشاء ذلك قبل تمامِه، فإنه إذا ظهر، بطل ما يراد أن يفعل، ولا عذر لمن أفشى هذا النوع، وقد كان النبي ﷺ إذا أراد سفرًا ورَّى بغيره.* فإن قال قائل: إنما أُحدِّث مَن أَثِقُ به. قيل له: *وكل حديثٍ جاوز الاثنين شائعٌ، وربما لم يكتم صديقُك،* وكم قد سمعنا مَن يحدِّث عن الملوك بالقبض على صاحبٍ، فنُمًَ الحديث إلى الصاحب وهرب، ففات السلطان مراده! *وإنما الرجل الحازم الذي لا يتعداه سرُّه، ولا يفشيه إلى أحدٍ.* *ومن العجز: إفشاء السر إلى الولد والزوجة، والمال من جملة السر،* فاطِّلاعُهم عليه: - إن كان كثيرًا، فربما تمنَّوا هلاك المُورِّث، - وإن كان قليلًا، تبرَّموا بوجوده، وربما طلبوا من الكثير على مقدار كثرته، فأتلفتْه النفقات. *وستر المصائب من جملة كتمان السر؛ لأن إظهارَها يَسُرُّ الشامت، ويؤلم المُحِب.* *وكذلك ينبغي أن يكتم مقدار السن؛* - لأنه إن كان كبيرًا استهرموه، - وإن كان صغيرًا، احتقروه. ومما قد انهال فيه كثيرٌ من المُفرِّطين: أنهم يذكرون بين أصدقائهم أميرًا أو سلطانًا، فيقولون فيه، فيبلغ ذلك إليه، فيكون سبب الهلاك. *وربما رأى الرجل من صديقه إخلاصًا وافيًا، فأشاع سرَّه، وقد قيل:* *احذر عدوَّك مـرةً ..... واحذر صديقَك ألـفَ مـرة* *فَلَرُبما انقلبَ الصديـ ..... ـقُ فكان أدرى بالمَضَرَّة* ورُبَّ مُفْشٍ سرَّه إلى زوجةٍ أو صديقٍ، فيصير بذلك رهينًا عنده، ولا يتجاسر أن يطلِّق الزوجة، ولا أن يهجر الصديق، مخافة أن يَظهر سره القبيح. *فالحازم مَن عامل الناس بالظاهر، فلا يضيق صدره بِسرِّه.* *فإن فارقتْه امرأةٌ أو صديقٌ أو خادمٌ، لم يقدر أحدٌ منهم أن يقول فيه ما يكره.* *ومِن أعظم الأسرار: الخلوات، ليحذر الحازم فيها من الانبساط بمرأى من مخلوقٍ.* صيد الخاطر (ص ٥٧٨ - ٥٨٠).
👍 💙 3

Comments