سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
June 9, 2025 at 08:48 PM
https://whatsapp.com/channel/0029VaBSRg98kyyJAVvc8d1n
قناتنا على تلغرام https://t.me/saddiqsira
صفحتنا على فيسبوك: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=106545189199485&id=100095320122008&mibextid=Nif5oz
نتابع مع *فوائد وعبر من هجرة الصديق رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم*:
ثانيًا: *فقه النبي صلى الله عليه وسلم والصديق في التخطيط والأخذ بالأسباب* :
إن من تأمل حادثة الهجرة،
رأى دقة التخطيط فيها،
ودقة الأخذ بالأسباب،
من ابتدائها ومن مقدماتها إلى ما جرى بعدها،
يدرك أن التخطيط المسدد بالوحي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائمًا،
وأن التخطيط جزء من السنة النبوية،
وهو جزء من التكليف الإلهي في كل ما طولب به المسلم،
وأن الذين يميلون إلى العفوية
بحجة أن التخطيط وإحكام الأمور ليسا من السنة،
أمثال هؤلاء مخطئون،
ويجنون على أنفسهم وعلى المسلمين.
فعندما حان وقت الهجرة للنبي صلى الله عليه وسلم في التنفيذ نلاحظ الآتي:
أ- وجود التنظيم الدقيق للهجرة حتى نجحت،
رغم ما كان يكتنفها من صعاب وعقبات،
وذلك أن كل أمر من أمور الهجرة كان مدروسًا دراسة وافية،
فمثلاً:
1- جاء صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر في وقت شدة الحر؛
الوقت الذي لا يخرج فيه أحد؛
بل من عادته لم يكن يأتي له،
لماذا؟
حتى لا يراه أحد.
2- إخفاء شخصيته صلى الله عليه وسلم أثناء مجيئه للصديق،
وجاء إلى بيت الصديق متلثمًا؛
لأن التلثم يقلل من إمكانية التعرف على معالم الوجه المتلثم.
3- أمر صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يُخْرِج من عندَه،
ولما تكلم لم يُبِن إلا الأمر بالهجرة دون تحديد الاتجاه.
4- وكان الخروج ليلا ومن باب خلفي في بيت أبي بكر.
5- بلغ الاحتياط مداه باتخاذ طرق غير مألوفة للقوم،
والاستعانة بذلك بخبير يعرف مسالك البادية ومسارب الصحراء،
وكان ذلك الخبير مشركًا ما دام على خلق ورزانة،
وفيه دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم
كان لا يحجم على الاستعانة بالخبرات،
مهما يكن مصدرها
(إلا أنه كان لا يستعين بمشرك في القتال).
فالقاعدة والأصل عدم الاستعانة بغير المسلم في الأمور العامة،
ولهذه القاعدة استثناء،
وهو *جواز الاستعانة بغير المسلم بشروط معينة*،
وهي:
- تحقيق المصلحة أو رجحانها بهذه الاستعانة،
- وأن لا يكون ذلك على حساب الدعوة ومعانيها،
- وأن يتحقّق الوثوق الكافي بمن يستعان به،
- وأن لا تكون هذه الاستعانة مثار شبهة لأفراد المسلمين،
- وأن تكون هناك حاجة حقيقية لهذه الاستعانة على وجه الاستثناء،
*وإذا لم تتحقق لم تجز الاستعانة*.
وقد كان الصديق رضي الله عنه قد دعا أولاده للإسلام،
ونجح بفضل الله في هذا الدور الكبير والخطير،
وقام بتوظيف أسرته لخدمة الإسلام ونجاح هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فوزع بين أولاده المهام الخطيرة في مجال التنفيذ العملي لخطة الهجرة المباركة:
1- *دور عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما*:
فقد قام بدور صاحب المخابرات الصادق،
وكشف تحركات العدو،
لقد رُبِّيَ عبد الله على حب دينه،
والعمل لنصرته،
ببصيرة نافذة وفطنة كاملة وذكاء متوقد،
يدل على العناية الفائقة التي اتبعها سيدنا أبو بكر في تربيته.
وقد رسم له أبوه دوره في الهجرة فقام به خير قيام،
وكان يتمثل في التنقل بين مجالس أهل مكة،
يستمع أخبارهم وما يقولونه في نهارهم،
ثم يأتي الغار إذا أمسى،
فيحكي للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبيه الصديق رضي الله عنه
ما يدور بعقول أهل مكة وما يدبرونه،
وقد أتقن عبد الله هذا الواجب بطريقة رائعة،
فلم تأخذ واحدًا من أهل مكة ريبة فيه،
وكان يبيت عند الغار حارسًا،
حتى إذا اقترب النهار عاد إلى مكة،
فما شعر به أحد.
2- *دور عائشة وأسماء رضي الله عنهما* :
كان لأسماء وعائشة دور عظيم أظهر فوائد التربية الصحيحة،
حيث قامتا عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر ليلة الهجرة
بتجهيز طعام النبي صلى الله عليه وسلم ولأبيهما..
تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-:
فجهزناهما (تقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباها) أحسن الجهاز،
فصنعنا لهما سفرة في جراب،
فقطعت أسماء قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب،
فلذلك سميت *ذات النطاقين*.
3- *دور أسماء في تحمل الأذى وإخفاء أسرار المسلمين* :
أظهرت أسماء -رضي الله عنها- دور المسلمة الفاهمة لدينها،
المحافظة على أسرار الدعوة،
المتحملة لتوابع ذلك من الأذى والتعنت.
فهذه أسماء تحدثنا بنفسها حيث تقول:
لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه،
أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام،
فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم،
فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟
قلت: لا أدري والله أين أبي؟
قالت: فرفع أبو جهل يده وكان فاحشًا خبيثًا،
فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي،
قالت: ثم انصرفوا...
فهذا درس من أسماء -رضي الله عنها-
تعلمه لنساء المسلمين جيلاً بعد جيل،
كيف تخفي أسرار المسلمين عن الأعداء،
وكيف تقف صامدة شامخة أمام قوى البغي والظلم.
4- *دور أسماء -رضي الله عنها- في بث الأمان والطمأنينة في البيت*:
خرج أبو بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ومعه ماله كله،
وهو ما تبقى من رأسماله،
وكان خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم،
وجاء أبو قحافة ليتفقد بيت ابنه ويطمئن على أولاده،
وقد ذهب بصره،
فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه،
قالت: كلا يا أبت، ضع يدك على هذا المال،
قالت: فوضع يده عليه،
فقال: لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن.
وفي هذا بلاغ لكم،
لا والله ما ترك لنا شيئًا،
ولكني أردت أن أسكِّن الشيخ بذلك.
وبهذه الفطنة والحكمة سترت أسماء أباها،
وسكن قلب جدها الضرير من غير أن تكذب،
فإن أباها قد ترك لهم حقا هذه الأحجار التي كومتها لتطمئن لها نفس الشيخ،
إلا أنه قد ترك لهم معها إيمانا بالله لا تزلزله الجبال،
ولا تحركه العواصف الهوج،
ولا يتأثر بقلة أو كثرة في المال،
ورَّثهم يقينًا وثقة به لا حد لهما،
وغرس فيهم همة تتعلق بمعالي الأمور،
ولا تلتفت إلى سفاسفها،
فضرب بهم للبيت المسلم مثالاً عزَّ أن يتكرر،
وقلَّ أن يوجد نظيره.
لقد ضربت أسماء -رضي الله عنها- بهذه المواقف لنساء وبنات المسلمين مثلا،
هنَّ في أمسِّ الحاجة إلى الاقتداء به،
والنسج على منواله،
وظلت أسماء مع أخواتها في مكة لا تشكو ضيقا،
ولا تظهر حاجة،
حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأبا رافع مولاه،
وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم إلى مكة،
فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه،
وسودة بنت زمعة زوجه،
وأسامة بن زيد،
وأمه بركة المكناة بأم أيمن،
وخرج معهما عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر،
حتى قدموا المدينة مصطحبين.
5- *دور عامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنه* :
من العادة عند كثير من الناس إهمال الخادم،
وقلة الاكتراث بأمره،
لكن الدعاة الربانيين لا يفعلون ذلك،
إنهم يبذلون جهدهم لهداية من يلاقونه،
لذا أدَّب الصديق رضي الله عنه عامر بن فهيرة مولاه وعلمه،
فأضحى عامر جاهزًا لفداء الإسلام وخدمة الدين.
وقد رسم له سيدنا أبو بكر رضي الله عنه دورًا هامًا في الهجرة،
فكان يرعى الغنم مع رعيان مكة،
لكن لا يلفت الأنظار لشيء،
حتى إذا أمسى أراح بغنم سيدنا أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فاحتلبا وذبحا،
ثم يكمل عامر دور عبد الله بن أبي بكر،
حين يغدو من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه عائدًا إلى مكة،
فيتتبع آثار عبد الله ليعفي عليها،
مما يعد ذكاء وفطنة في الإعداد لنجاح الهجرة.
وإنه لدرس عظيم يستفاد من الصديق،
لكي يهتم المسلمون بالخدم الذين يأتونهم من مشارق الدنيا ومغاربها،
ويعاملونهم على كونهم بَشَرًا أولاً،
ثم يعلمونهم الإسلام،
فلعل الله يجعل منهم من يحمل هذا الدين كما ينبغي.
إن ما قام به الصديق من تجنيد أسرته لخدمة صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم في هجرته،
يدل على تدبير للأمور على نحو رائع دقيق،
واحتياط للظروف بأسلوب حكيم،
ووضع لكل شخص من أشخاص الهجرة في مكانه المناسب،
وسدٍّ لجميع الثغرات،
وتغطية بديعة لكل مطالب الرحلة،
واقتصار على العدد اللازم من الأشخاص من غير زيادة ولا إسراف.
لقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بالأسباب المعقولة أخذًا قويًا حسب استطاعته وقدرته،
ومن ثم باتت عناية الله متوقعة.
إن اتخاذ الأسباب أمر ضروري وواجب،
ولكن لا يعني ذلك دائما حصول النتيجة؛
ذلك لأن هذا أمر يتعلق بأمر الله ومشيئته،
ومن هنا كان *التوكل على الله* أمرًا ضروريًا،
وهو من باب استكمال اتخاذ الأسباب.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعد كل الأسباب واتخذ كل الوسائل،
ولكنه في الوقت نفسه مع الله يدعوه ويستنصره أن يكلل سعيه بالنجاح،
وهنا يستجاب الدعاء،
ويكلل العمل النجاح.
==
من كتاب *سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه* للدكتور علي محمد الصلّابي، المنشور رقم (15)
نشر يومي لسيرة الخليفة الراشدي الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه (كل يوم منشور بعونه تعالى)
للانضمام اختر أحد الروابط التالية:
https://chat.whatsapp.com/JcfJOjrujjUFP9bgOpSKWQ
أو
https://chat.whatsapp.com/CEGv6DLos3oGT9Nq6kGOXd
أو
https://chat.whatsapp.com/Lxrqq2vzwhZ7xrjkRm8ZLS
أو
https://chat.whatsapp.com/FqHFZthkG6VEcFnr1yyrAM
أو
https://chat.whatsapp.com/B8gLrjcBYSx01TsYtSkvqS
أو
https://chat.whatsapp.com/DAMT0XLVzE84AIgzD0R5Ep
أو
https://chat.whatsapp.com/Jke4kaA7ivL9BxTbSQg2jT
أو
https://chat.whatsapp.com/GIlERackH4MD0u3pknR8bC
أو
https://chat.whatsapp.com/2TyKmZPVa52IaWEv5UAumF
أو
https://chat.whatsapp.com/LDvoSVNplPNDZGaoC3tWAk
ساهم في نشر المجموعة أو نشر ما يُنشَر فيها..
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.