القناة الرسمية للشيخ فيصل الحاشدي واتساب
القناة الرسمية للشيخ فيصل الحاشدي واتساب
June 19, 2025 at 06:41 AM
قَبولُ العُذرِ ما أَصْفَى القُلوبَ إذا صَفَتْ، وما أَعْلاها مَقامًا إذا عَفَتْ! فإنَّ مِن دَلائلِ المروءةِ، وكَمالِ الأَدبِ، وعُلُوِّ النَّفْسِ: أَنْ يُحْسِنَ المَرْءُ الظَّنَّ، ويَقْبَلَ العُذْرَ، ويَصْفَحَ عن الزَّلَّةِ، ويَفْتَحَ لِلمُعْتَذِرِ بابَ السَّماحِ والعافِيَةِ. فإذا جاءَ المُسيءُ مُعْتَذِرًا، فقد مَحا العُذْرُ ذَنْبَهُ، وسَقَطَ ما في قَلْبِ الكَريمِ عليه، كما قيلَ: إذا اعْتَذَرَ الجاني مَحا العُذْرُ ذَنْبَهُ وكُلُّ امْرِئٍ لا يَقْبَلُ العُذْرَ مُذْنِبُ (الحَماسَةُ البَصْرِيَّة، ٢/٢٠) وهكذا هُم كِرامُ النّاسِ إذا أتاهمُ المُعْتَذِرُ، قَبِلوا عُذْرَهُ مِن أَوَّلِ وَهْلَةٍ، سَواءٌ أَصَدَقَ أَمْ تَكَلَّفَ، ورَدُّوا عليهِ بِكَلماتٍ عَذْبَةٍ، كَأَنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ قَطُّ. وأمّا لِئامُ النُّفوسِ، فإنَّهُم يُقابِلونَ الاعْتِذارَ بِالتَّقريعِ، والاعْتِرافَ بِالتَّوبيخِ، فيُغْلِقُونَ أَبوابَ الصَّفْحِ، ويُوقِدونَ في صَدْرِ المُعْتَذِرِ غَلَيانَ الحِقْدِ كَغَلَيانِ المِرْجَلِ! وقد قيلَ في أَدَبِ العَفْوِ: اِقْبَلْ مَعاذِيرَ مَن يَأْتِيكَ مُعْتَذِرًا إِنْ بَرَّ عِندَكَ فيما قالَ أَوْ فَجَرًا فَقَدْ أَطاعَكَ مَنْ يُرْضِيكَ ظاهِرُهُ وَقَدْ أَجَلَّكَ مَنْ يَعْصِيكَ مُسْتَتِرًا (ديوانُ الصَّبابةِ لِلمَغْرِبِي، ص٥٨) فالعَفْوُ وتَرْكُ المُؤاخَذَةِ وقَبولُ العُذْرِ لَيْسَ خُلُقًا عابِرًا، بَلْ هُوَ مِن أَسْبابِ الرِّفْعَةِ والعِزِّ في الدُّنيا والآخِرَةِ، كما قالَ نَبِيُّنا ﷺ في الحديثِ الصَّحيحِ: "وَما زادَ اللهُ عبدًا بِعَفْوٍ إِلّا عِزًّا" (رواهُ مُسْلِمٌ، رقم: ٢٥٨٨) وما أَجْمَلَ ما قالَهُ الخَلِيلُ بنُ أَحْمَدَ في هذا البابِ، إذْ لَخَّصَ مَقامَ العَفْوِ والصَّفْحِ في أَبْياتٍ جامِعَةٍ: سَأَلْزِمُ نَفْسِيَ الصَّفْحَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ وَإِنْ كَثُرَتْ مِنْهُ إِلَيَّ الجَرَائِمُ فَما النّاسُ إِلّا واحِدٌ مِنْ ثَلاثَةٍ شَرِيفٌ وَمَشْرُوفٌ وَمِثْلٌ مُقاوِمُ فَأَمّا الَّذِي فَوْقِي فَأَعْرِفُ قَدْرَهُ وَأَتَّبِعُ فِيهِ الحَقَّ وَالحَقُّ لازِمُ وَأَمّا الَّذِي دونِي فَأَحْلُمُ دائِبًا أُصُونُ بِهِ عِرْضِي وَإِنْ لامَ لائِمُ وَأَمّا الَّذِي مِثْلِي فَإِنْ زَلَّ أَوْ هَفَا تَفَضَّلْتُ إِنَّ الفَضْلَ بِالحِلْمِ حاكِمُ ✒️ فيصل الحاشدي
👍 3

Comments