
القناة الرسمية للشيخ فيصل الحاشدي واتساب
June 19, 2025 at 07:21 AM
تَحَمُّلُ كَلِماتِ أَهْلِ الفَضْلِ
قَدْ تَصْدُرُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْمَكَانَةِ وَالرِّفْعَةِ كَلِمَاتٌ ظَاهِرُهَا الْجَفَاءُ، أَوْ فِيهَا غَمْطٌ لِحَقِّكَ،
وَلَيْسَ كُلُّ قَائِلٍ قَاصِدًا، وَلَا كُلُّ نَاصِحٍ مُوَفَّقًا فِي لَفْظِهِ.
وَهُنَا يَتَجَلَّى كَرَمُ الطَّبْعِ، وَسُمُوُّ النَّفْسِ، وَرُقِيُّ الْمُرُوءَةِ:
أَنْ تَلْتَمِسَ الْعُذْرَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ إِذَا زَلَّ لِسَانُهُمْ، أَوْ غَلُظَتْ عِبَارَاتُهُمْ،
وَأَنْ تَحْمِلَ كَلَامَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْمَحَامِلِ، كَمَا تَصْنَعُ مَعَ وَالِدَيْكَ إِذَا اشْتَدَّا عَلَيْكَ،
فَإِنَّمَا يَرْفَعُ الْإِنْسَانَ أَدَبُهُ مَعَ الْفُضَلَاءِ، لَا اشْتِدَادُهُ فِي رَدِّهِمْ.
وَأَمَّا اللَّئِيمُ، فَلِخَسَاسَةِ طَبْعِهِ لَا يَعْذِرُ فَاضِلًا،
وَلَا يَعْرِفُ لِأَهْلِ السَّبْقِ أَقْدَارَهُمْ، بَلْ يُبَادِرُ بِالرَّدِّ وَالِانْتِصَارِ لِذَاتِهِ،
وَمَا ذَلَّ مَنْ تَوَاضَعَ لِلْحُرِّ، وَلَا عَزَّ مَنْ جَحَدَ الْكَرِيمَ.
تَأَمَّلْ كَيْفَ تَحَمَّلَ نَبِيُّنَا ﷺ مَقَالَةَ أَخِيهِ مُوسَىٰ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
حِينَ قَالَ:
«يَا رَبِّ، هَذَا الْغُلَامُ الَّذِي بَعَثْتَهُ بَعْدِي، يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي؟!»
📘 رواه البخاري (٣٣٥)، ومسلم (١٦٤)
فَمَا رَدَّ عَلَيْهِ ﷺ بِغِلْظَةٍ، وَلَا اسْتَنْكَرَ تَسَاؤُلَهُ،
بَلْ تَجَلَّى مِنْهُ الْحِلْمُ الَّذِي زَادَهُ اللهُ بِهِ فَضْلًا عَلَى فَضْلٍ.
وَانْظُرْ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،
لَمَّا قَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
«أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟!»
📘 رواه البخاري (٥٧٢٩)، ومسلم (٢٢١٩)
فَلَمْ يَغْضَبْ عُمَرُ، وَلَمْ يَشْتَدَّ فِي الْجَوَابِ، بَلْ قَالَ فِي سَكِينَةِ الْعَالِمِ:
«نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ.»
بَلْ تَحَمَّلَ عُمَرُ – وَهُوَ الْأَمِيرُ وَالْخَلِيفَةُ – مَقُولَةَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ،
حِينَ قُلْنَ لَهُ:
«أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ.»
📘 رواه البخاري (٣٢٩٤)، ومسلم (٢٣٩٦)
فَمَا أَوْجَعَهُنَّ، وَلَا احْتَقَرَ قَوْلَهُنَّ،
لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الْغِلْظَةَ قَدْ تَصْدُرُ مِنَ الْحِرْصِ،
وَأَنَّ النُّصْحَ فِي الْعِتَابِ لَا يُنْقِصُ مَنْزِلَةً، بَلْ يُظْهِرُ صِدْقَ الْمَحَبَّةِ.
فَإِذَا صَدَرَتِ الْكَلِمَةُ الْجَافِيَةُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْمُرُوءَةِ،
فَلَا تَجْعَلْهَا سَبَبًا لِلْقَطِيعَةِ، وَلَا مَجَالًا لِلضَّغِينَةِ،
بَلْ فَكِّرْ فِي مَا وَرَاءَهَا، وَتَذَكَّرْ فَضْلَهُمْ وَسَابِقَتَهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْفَضْلِ مَتَىٰ نَبَّهَهُمُ اللهُ إِلَىٰ مَا صَدَرَ مِنْهُمْ،
عَادُوا إِلَى إِنْصَافِكَ، وَاعْتَرَفُوا بِمَكَانَتِكَ، وَأَثْنَوْا عَلَيْكَ خَيْرًا،
فَهُمْ أَهْلُ حَقٍّ، وَإِذَا بَانَ لَهُمُ الصَّوَابُ رَجَعُوا إِلَيْهِ،
وَمَنْ عَرَفَ قَدْرَ أَهْلِ الْفَضْلِ رَفَعَهُ اللهُ.
✒️ فَيْصَلُ الْحَاشِدِي
👍
3