
القناة الرسمية للشيخ فيصل الحاشدي واتساب
June 19, 2025 at 06:56 PM
ٱلٱسْتِرْسَالُ مَعَ ٱلْعَوَامِّ
إنَّ طُلَّابَ العِلمِ، قد رَفَعَهُمُ اللهُ بالعِلمِ،
وسَمَتْ بهم الهِمَمُ إلى مراتبِ العُلَا،
فلا يَليقُ بهم أن يَنْسَجِمُوا معَ العَوامِّ في كُلِّ سَمَرٍ ومِزاح،
ولا أن يُخَالِطُوهُم في كُلِّ مَجْلِسٍ ومِجَانَة.
فالعَامَّةُ ـ لِجَهْلِهِم ـ لا يُحْسِنُونَ فَهْمَ مَنزِلَةِ العِلمِ،
ويَستخِفُّونَ بمَن رَأوْه يَمْرَحُ معهم،
ويُمازِحُهُم كأنَّهُ واحدٌ منهم؛
وما ذاكَ إلَّا لِعَدَمِ إدراكِهم لِقَدْرِ الرِّسالةِ التي يَحمِلُها.
وقد جَرَتْ سُنَّةُ السَّلَفِ على أنَّ مِزَاحَهُم كان فَرْدِيًّا،
ومعَ مَن يُحْسِنُ الظَّنَّ بهم،
صِيَانةً للعلمِ، ورَفْعًا لقَدْرِهِ.
قالَ الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ رَحِمَهُ اللهُ:
"لا يَنبغي للعالِمِ أن يَنْبَسِطَ عندَ العَوامِّ، حِفْظًا لهم، ومتى أرادَ مُبَاحًا فَلْيَسْتَتِرْ به عنهم"
📘 صيد الخاطر (ص: ٣٤٦)
وقال ابنُ الجوزيِّ رَحِمَهُ اللهُ:
"إذا رأى العَوامُّ أحدَ العُلَماءِ يَتَرَخَّصُ في أمرٍ مُباحٍ، هانَ عندَهم، فالواجِبُ عليه صِيَانةُ نَفْسِهِ، وإقَامَةُ قَدْرِ العِلمِ في أَنْفُسِهِم. وقد قال بعضُ السَّلَفِ: كُنَّا نَمْرَحُ ونَضحَكُ، فإذا صِرْنَا يُفْتَدَى بنا، فما أراهُ يَسَعُنا ذلك."
📘 المصدر نفسه (ص: ٣٤٥)
فانظرْ إلى فَرْقِ المَنزِلَةِ بينَ مَن تَرَكَ الٱسْتِرْسَالَ،
فجَلَّهُ الناسُ، واحتاجُوا إلى علمِهِ،
وبينَ مَن خالطَ العوامَّ،
فهانَ في أعينِهم، وزَهِدوا في سُؤَالِهِ،
ولو كانَ عندَه عِلْمٌ غزيرٌ.
قال القاضي عليُّ بنُ عبدِالعزيزِ الجُرجانيُّ رَحِمَهُ اللهُ:
ولو أنَّ أهلَ العِلمِ صَانُوهُ صَانَهُمُ
ولو عَظَّمُوهُ في النُّفُوسِ لَعُظِّمَا
ولكنْ أَهَانُوهُ فَهَانُوا وَدَنَّسُوا
مُحْيَاهُ بالأطماعِ حتَّى تَجَهَّمَا
فلا تَغْتَرَّ بِضَحِكاتِ العَوامِّ،
ولا تُؤْنِسْ نَفْسَكَ بِكثْرَةِ جُلَسَائِهِم،
فإنَّ مَنْ زَهَدَ في هَيْبَتِهِ،
زَهِدَ الناسُ في عِلْمِهِ.
وما رُفِعَ مَن رُفِعَ،
إلَّا حينَ عَرَفَ أنَّ السُّكُوتَ أبهى،
وأنَّ مَقَامَ العِلمِ لا يُؤْتَى إلَّا من بابِ التَّوْقِيرِ، بل تَفْقِدُهُ الأفهامُ إنْ رُفِعَ عنه ثوبُ الوقارِ.
✒️ فَيْصَلُ الْحَاشِدِي
👍
9