لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ مِنْ أَعْذَبِ ما يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي بابِ صِلَةِ الرَّحِمِ، ما جَاءَ فِي الحَديثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (١) قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٥٦٤٥). فَفِي هَذَا الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ، إِشَارَةٌ بَلِيغَةٌ إِلَى حَقِيقَةِ الصِّلَةِ، وَأَنَّهَا لا تَكُونُ مُجَرَّدَ رَدٍّ لِلْجَمِيلِ، أَوْ مُقَابَلَةٍ بِالْمِثْلِ، بَلْ هِيَ سُلُوكٌ نَابِعٌ مِنْ كَرَمِ النَّفْسِ، وَرِفْعَةِ الْخُلُقِ، وَمُبَادَرَةِ الْقَلْبِ إِلَى مَا يُرْضِي اللهَ. فَمَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ لِأَنَّهُمْ وَصَلُوهُ، وَأَكْرَمَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَكْرَمُوهُ، فَذَلِكَ مُكَافِئٌ، لا يُعَدُّ وَاصِلًا فِي مِيزَانِ أَهْلِ الْكَمَالِ. وَأَمَّا الْوَاصِلُ فِي عُرْفِ السُّنَّةِ، فَهُوَ الَّذِي يَصِلُ رَحِمَهُ وَلَوْ قَطَعُوهُ، وَيَزُورُهُمْ وَلَوْ هَجَرُوهُ، وَيَحْلُمُ عَنْهُمْ وَلَوْ آذَوْهُ، وَيَحْتَسِبُ مَا يُلَاقِيهِ فِي سَبِيلِ مَرْضَاةِ رَبِّهِ. فَالنَّاسُ فِي هَذَا الْبَابِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: ١ – مَنْ يَبْدَأُ بِالْفَضْلِ، وَيَصِلُ وَلَمْ يُوصَلْ، وَذَلِكَ هُوَ "الْوَاصِلُ" الْكَامِلُ. ٢ – وَمِنْهُمْ مَنْ لا يَصِلُ إِلَّا إِذَا وُصِلَ، فَذَلِكَ "الْمُكَافِئُ". ٣ – وَمِنْهُمْ مَنْ لا يَصِلُ وَلا يُكَافِئُ، وَذَلِكَ هُوَ "الْقَاطِعُ". ٤ – وَمِنْهُمْ مَنْ يَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ، وَيُحْسِنُ إِلَى مَنْ أَسَاءَ، فَذَلِكَ هُوَ "الْأَكْمَلُ، وَالْأَكْرَمُ، وَالأَرْفَعُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ". قَالَ أُسْتَاذُنَا الأَدِيبُ الْكَبِيرُ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْعِمَادُ – حَفِظَهُ اللهُ –: صِلْ ذَوِي الأَرْحَامِ مَهْمَا قَطَعُوا وَدَعِ الشَّرَّ الَّذِي لَمْ يَدْعُوا وَاصْطَبِرْ مَهْمَا تَمَادَى ظُلْمَهُمْ وَاحْتَسِبْ أَجْرَكَ مَهْمَا صَنَعُوا فَكُنْ وَاصِلًا لا مُكَافِئًا، وَاحْتَسِبْ صِلَتَكَ عِنْدَ اللهِ، وَتَذَكَّرْ: أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُؤْجَرَ عَلَى الإِحْسَانِ، فَلا يَنْتَظِرِ الْمُقَابِلَ مِنَ الْبَشَرِ، بَلْ يُحْسِنُ لِلهِ وَحْدَهُ، وَذَلِكَ هُوَ دَيْدَنُ الصَّادِقِينَ. ✒️ فَيْصَلُ الْحَاشِدِي