
المركز الأرثوذكسي للدراسات الابائية Patristic Centre
May 29, 2025 at 09:47 AM
أجلسنا معه في السماويات
((أرايت غنى مجد ميراثه؟ أرايت مدى عظمه قدرته في المؤمنين؟ أرايت مدى عظمة رجاء دعوته؟ إذن يجب علينا أن نوقر رأسنا، ولنقدر ونتذكر لأي رأس ينتمي جسدنا، إنه ينتمي لمن أُخضع له كل شيء. وبحسب هذا النموذج أو المثال ينبغي أن نكون أفضل من الملائكة، وأعظم من رؤساء الملائكة، لأنه كرّمنا أكثر من هؤلاء جميعًا. لأنه كما يقول في رسالته للعبرانيين "لأنه حقًا لم يمسك الملائكة بل يمسك نسل إبراهيم" . لم يمسك رئاسات ولا سلطات، ولا سيادات، ولا أي قوة أخرى، لكنه أخذ طبيعتنا، وأجلسها عن يمين الآب. لماذا أقول أجلسها؟ لأنه جعل طبيعتنا ثوبًا له وليس هذا فقط، بل "أخضع كل شيء تحت قدميه". كم من الميتات قد أجتازها؟ كم من النفوس قد (أنقذها)؟ هل آلاف؟ أم عشرات الآلاف؟ إنك لا تستطيع أن تقول أن هناك شيء مساوي لهذا.
إذن فقد صنع أمرين عظيمين: الأمر الأول، أنه هو نفسه تواضع إلى أقصي حد، والأمر الثاني، هو أنه رفع الطبيعة الإنسانية إلى أعظم سمو، لقد خلّصها بدمه. فقد تحدث أولاً عن أنه وضع نفسه وإتضع للغاية، ثم تكلّم بعد ذلك عما هو أقوي من ذلك، عن الأمر الأعظم والجوهري. وإذا كان قد قال إننا لم نكن مستحقين لأي شيء وأننا مستحقون لهذه الكرامة فقط، وحتى لو لم يُشرْ إلى الذبح، لكان هذا كافيًا، ولكن عندما يحدث الأمران، فأي لغة تستطيع أن تُعبر عن هذا؟ وعندما نتأمل ما حدث، نجده أسمى من حدث القيامة. لم يكن يتحدث عن "كلمة الله" بل عن (الإنسان يسوع المسيح)، إذ يقول "إله ربنا يسوع المسيح".
فلنستحِ عندما ندرك هذه الصلة، وهذه القرابة، فلنرتعد لئلا يُنزع أحد من هذا الجسد، ربما يسقط أحد منه، أو قد يظهر أنه غير مستحق. فلو أن أحدًا وضع فوق رأسنا أكليلاً أو تاجًا من ذهب، ألا نبذل ما في وسعنا حتى نبدو مستحقين لهذه الأحجار الثمينة التي لا حياة فيها؟ أما الآن فلا يوجد تاج فوق رأسنا، بل رأسنا صار هو المسيح، الأمر الذي يُعَّد أعظم وأسمى بكثير، ألا نعتبر أن هذا الأمر يستحق الحديث عنه؟ إن الملائكة ورؤساء الملائكة وكل تلك القوات، يسجدون لهذا الرأس، أما نحن فعلى الرغم من أننا جسده، فلا نستحي ولا نرتعد، لا لهذا السبب ولا لغيره، فأي رجاء للخلاص سيكون لنا؟
---
أتريد أن تعرف كيف أجلسنا معه أيضًا؟ إسمع المسيح نفسه الذي يقول لتلاميذه " تجلسون أنتم أيضًا على أثني عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الأثني عشر" . وأيضًا " أما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أُعِّد لهم من أبي" . حتى هذا أيضًا قد أعده. وحسنًا قال "باللطف علينا في المسيح يسوع". لأن الجلوس عن اليمين، هو علامة كرامة، تفوق كل كرامة، والتي ليس بعدها كرامة.
إذن فهو يقول هذا، لأننا نحن أيضًا سنجلس. إن ذلك يعتبر حقًا غنى فائق، كما أن عظمة قدرته الفائقة هي بالحقيقة أيضًا لا تُغلَّب. إذن سنجلس مع المسيح. ألا يستحق الله من أجل ذلك أن تضحي من أجله حتى وإن كنت بعد تمتلك آلاف الحيوات، فإن كان ينبغي عليك أن تجتاز النار، أما كان ينبغي عليك أن تحتمل هذا بإرادتك؟ يقول أيضًا "إن كان أحد يخدمني فليتبعني وحيث أكون أنا هناك أيضًا يكون خادمي" . إذن إن كان يجب أن نُقطَّع إربًا كل يوم من أجل هذه الأمور، ألا ينبغي أن نقبل هذه الآلام بإرادة كاملة؟ فَكِّر في أين يجلس الإبن، إنه يجلس فوق كل رئاسة وسلطان. ومع مَنْ يجلس؟ مع الآب. فمَنْ تكون أنت؟ أنت ميت، وبالطبيعة إبن الغضب. وماذا حققت أو أنجزت؟ لا شيء. بالحقيقة إنها الآن اللحظة المناسبة لنصرخ ونقول "يا لعمق غني الله وحكمته وعلمه" .
---
إن محبة الله هي التي وحّدت الأرض بالسماء، وهي التي أجلست الإنسان على العرش الملوكي، محبة الله هي التي أظهرته على الأرض، وهي التي جعلت الرب في هيئة العبد، محبة الله هي التي جعلت المحبوب يُصلَّب من أجل أعدائه. وجعلت الإبن يقدم ذاته من أجل من أبغضوه، ومن أجل عبيده، محبة الله هي التي جعلته يبذل نفسه من أجل كل البشر، جعلت الحر يبذل ذاته من أجل العبيد. بل ولم تتوقف عند هذا الحد، بل دعتنا إلى ما هو أعظم. لأنها لم تحررنا فقط من شرورنا السابقة، بل وعدتنا بأن تمنحنا أشياء أخري أعظم بكثير.))
من تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم لرسالة أفسس

❤️
11