Anas Assil
Anas Assil
June 9, 2025 at 04:57 PM
لا تؤلمنا إنجازات من يختلف عنا كثيرًا بقدر ما تؤلمنا إنجازات أقراننا، أولئك الذين يشبهوننا في السنّ، زملاؤنا في الحيّ، رفاقنا في المدرسة وأقرباؤنا الذين نعيش بينهم، أولئك الذين كان يمكن أن نكون مكانهم، أو يكونوا مكاننا. لا نتمنّى أن يُنتزع الخير منهم، لكننا نحزن على أنفسنا، على الأيّام التي كانت تأكل منّا وتقتات من عمرنا بينما كان الآخرون يبنون ويُنجزون. من هنا ربّما جاءت عادة بعض الأمهات في مقارنة أبنائهن بأبناء خالاتهنّ: “ذات العائلة، نفس البيئة، ويكاد يكون نفس الرّحم… لا توجد مقارنة أكثر إيلامًا من هذه المقارنة التي تُمارَس بدافع التحفيز، لكنها محمولة على خيبة عميقة في أقسى أشكالها. يشاركني كثيرون ممن بقوا في البلد خلال الخمس عشرة سنة التي مرّت ذات المشاعر اليوم، مع عودة المغتربين من رفاقهم وأقربائهم، يبدأ ذاك الصّوت يدور في رأسهم: قريبي، زميلي، جاري، ابن مدرستي: سافر، تعلّم، أنجز، وعاد، وسأبدأ اليوم متأخراً عنهم خمسة عشر سنة في سباقٍ غير عادل، وأنا بقيت في هذا البلد الذي كان سجناً كبيراً. يومي كان يُشبه أمسي، وغدي كان يبدو أضيق وأثقل كلّ يوم. يقارنُ نفسه لا بدافع الحسد، بل بدافع السؤال المؤلم: “لماذا هم، ولست أنا؟” هذه المقارنة ليست سوء نية، بل هي من فطرة التنازع التي جُبلنا عليها. يتنازع البشر حتى في الخير، نريد أن نسبِق، أن نترك أثراً، أن لا نُنسى. وحتى حين نتعاون مع غيرنا في هذه الحياة، فإنّنا نتعاون لكي نتنازع مع آخرين. علينا أن نعلم أنّ ما أنجزناه في بلاد الاغتراب بمعاولنا (صغُر حجم الإنجاز أم كبُر) أنجزه الصامدون في سوريّة بأظافرهم. ولولا صبر الصابرين منهم، لما عاد أحد. هم من عبر بنا فوق ركام آلامه وتضحياته. ما زلت أذكر ما كتبه الأخ الصدوق عمرو خلف قبل أسابيع من اعتقاله عام ٢٠١٢ (الاعتقال الذي دام عشر سنوات) في منشور على حسابه وباسمه الحقيقيّ حينها: تَقْضي الرُجُولَةُ أن نَمدَّ جُسومَنا جِسرًا فَقلْ لِرِفاقِنا أن يَعبُروا عبر الرّفاق على ركام آلامكم وآلام كلّ من ضحّى وصبر وعضّ على الجراح ممّن نعرف وكثير ممّن نجهل أسماءهم يا عمرو. وتذكّروا: إن نسي البشر، فإنّ الله شاكرٌ عليم
❤️ 👍 😢 🙏 173

Comments