
أنابيش الكنانيش
June 15, 2025 at 07:35 PM
مات حلس المكتبات!
بلغني اليوم وفاة صديقي الصدوق، وصاحبي الخلوق: أبو علي آدم بن ياسين الأتيوبي!
عرفته منذ ما ينيف عن عشر سنوات، ولا والله لم أره إلا كريم المعشر، جميل المخبر، طلق المحيا، باسم الثغر، لا يعرف الغضب إليه طريقا، ولا يجد الحسد عنده موضعا.
عرفته مكباً على الدرس والقراءة، لا ينفك عن كتاب يقرؤه، أو بحث يكتبه، أو في صلاة وطاعة!
كنت أستأنس به وأستروح إليه، من وعثاء الحياة، وضجر الناس، فكنت أجد عنده التكميد والتصبير، والكلمة الطيبة، والنصيحة الموفقة.
لم أره في حياتي قط، يتخاصم مع أحد، وكيف يخاصَم من احتجب عن الورى، واتخذ الكتاب صاحبا:
خير جليس في الزمان كتاب *** تأنس به إن خانك الأصحاب
لا مفشيا للسر إن أودعته *** وتنال منه حكمة وصواب
كان عف اللسان، لا يتحدث إلا في العلم، ولا يتكلم إلا بمعرفة، لا سيما، علوم اللغة، فقد كان شغوفاً بها، وخاصة: علم الصرف، فقد كان يدريه، ويحل إشكاله، ويوضح مشاكله!
مكث مدة من الزمان في مكتبة علمية، أنى جئت وجدته، ومتى شئت رأيته هناك حلسها، لا ينفك عنها، ولا يغادرها.
لم أره مهموما ولا مغموما، ولم يشك لي وصبا ولا تعبا، ولم يفاتحني بحاجة ولا داجة، على صحبتنا وألفتنا، وكأنه وجد في الكتاب رَوحا وراحة!
ونعم والله، إن في العلم لذة، لا يدركها إلا من ذاقها، وأتاه من بابه:
سهري لتنقيح العلوم ألذّ لي *** من وصل غاية وطيب عناق
كان الجميع يحبه ويهابه في آن واحد، ثم ارتحل من تيك البلدة، إلى بلاد أخرى، وأيضا، كان في مكتبة بل صار أمينها، يدل القارئين، ويشير بالحسنى، وينير الدرب للسابلة بصبر وتؤدة، وحب ومودة، دون تأذ ولا شكاة، وهكذا كان منذ عرفته!
انقطعنا برهة، ثم صار الاتصال والتواصل، إلى أن كان العام المنصرم، زرت المكتبة التي هو أمينها، ولم أجده، فهاتفته، فاعتذر؛ بأنه يشكو نصبا ووصبا، وتحسر على فوات اللقي، وتحسرت أنا أيضا!
وسألته حينها، عن كتاب، فدلّني على موطنه من المكتبة، وفي أي قسم منه، حتى وجدته، كل هذا، وهو قصي في بيته!
إنه العلم الذي يستولي على القلب، فلا يزحم بغيره، ولا يزاحمه سواه.
اتصلت الآن على هاتفه المحفوظ لدي؛ فأجابني صوت صغير؛ فإذا هو ابنه علي، ابن الثانية عشر!
كان فصيح الكلام، رابط الجأش، ثابت الجنان، أجابني بجواب الكبار، دون تشك أو أحزان، وهكذا كان أبوه.
(ومن شابه أبه فما ظلم)
وحدثني؛ أنه مات قبل أمس، يوم الجمعة ١٤٤٦/١٢/١٧، كان يشكو الحمى، فذهب به إلى المشفى، فأخبروهم؛ أن عنده التهاب السحايا، فأسعف إلى مشفى آخر، فمات في الطريق قبل أن يصل!
صبّرته وعزيته، وذكرت له صحبتي لوالده، وأخبرته عن ديانته وأخلاقه.
وهو يرد بكلمات الثناء والتأمين.
لله دره.
جعله الله خير خلف لخير سلف.
وإنا لله وإنا إليه راجعون، إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى.
رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار.
وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي
١٤٤٦/١٢/١٩
#وفاة_علم
#أنابيش_الكنانيش
https://whatsapp.com/channel/0029Vb0E5aX1noz76YkMqz1X