مكتبة أحرفنا المنيرة
مكتبة أحرفنا المنيرة
June 18, 2025 at 10:04 AM
"رسالة إلى أمي تحت المطر"** كان المطر يقرع نوافذ الغربة بلا توقف، كأنه يطرق بابًا لن يُفتح. جلستُ في زاوية الغرفة الباردة، وأنا أتتبع خطوط الرطوبة على الزجاج، فإذا بها ترسم وجهكِ دون أن تدري. تذكرتُ صوتكِ كلما هطلت السماء: "المطر رحمة، فلا تغلقوا النوافذ". كنتِ تضعين قدح الشاي الدافئ بين يديّ، وتلفين كتفيّ ببطانية قديمة كُتب عليها تاريخ طفولتي. كم مرّة شربنا معًا صمت الأمسيات الماطرة، وأنصتنا لهدير القدّور على الموقد، وكأنها تهمس بأسرار الدفء؟ اليوم، الشاي هنا مُرٌّ كالوحدة. البطانية الجديدة تدفئ جسدي، لكنها لا تعرف دروب عظامي. حتى رائحة الأرض بعد المطر... لم تعد تنقلني إليكِ. هنا تُشبه رائحة الأسفلت والغُبار. في الليالي مثل هذه، كنتِ تقرئين لي وأنا أنام. الآن، أصغي لقطرات المطر وهي تحفر في ذاكرتي، فتطفو صورٌ لم أكن أعرف أنها محفورةٌ بهذا العمق: يدكِ على جبيني، صوتكِ يُهاديني، حتى توبيخكِ حين كسرتُ الزجاج. كل التفاصيل الصغيرة... صارت جبالاً من الحنين. هل تعرفين؟ لقد تعلمت في الغربة أن الحب ليس كلماتٍ نُهديها، بل هو تلك المساحات الصامتة بين الألم والفرح التي لا يملؤها إلا صوت أمّ. وأن الوطن ليس أرضًا أو حدودًا... إنه رائحة خبزكِ ساخنًا في الصباح. المطر لا يزال يهطل، وأنا أضمّ رسالتي هذه إلى كل القطرات التي ستسقط على أرضكِ. ربما، حين تلمس واحدةٌ منها نافذتكِ، ستشعرين أنها قبلة منّي. علي هاشم
❤️ 4

Comments