
مَشَايخُ الدَّعْوةِ السَلَفِيةِ بِالْجَزَائِرِ
June 21, 2025 at 01:40 PM
#جـــديد الفتاوى لشيخنا أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
الفتوى رقم: ١٤١٢
الصنف: فتاوى المعاملات الماليَّة ـ الهِبَات
في حكم الهِبَةِ إِنْ مات الواهبُ قبل قبضِها مِنَ الموهوبِ له
السؤال:
ابتُلِيَ صديقي بمرضِ السَّرطان ـ عافاني اللهُ وإيَّاكم ـ وقد أعطاني مبلغًا مِنَ المال، وأوصاني أَنْ أشترِيَ سيَّارةً لزوجتِه هِبَةً لها وتمليكًا، ولكنِّي انشغلتُ معه في مرضِه فلم أَشترِ لها السَّيَّارةَ حتَّى تُوُفِّيَ ـ رحمه الله ـ، فأتاني أخوه بعد أيَّامٍ يَطلبُ مبلغَ العطيَّةِ ليُقسِّمه على الورثةِ.
مع العلمِ أنَّه ترَكَ زوجةً، وأمًّا، وأبناءً مِنْ زوجتِه الأولى الَّتي طلَّقها؛ فما حكمُ ذلك؟ وكيف تُقسَّمُ التَّركةُ بينهم؟ بارك الله فيكم.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإذا كان المريضُ يشكو مِنْ مرضٍ عُضالٍ يَغلِبُ على الظَّنِّ أنَّه يموت فيه، وقد أوصى وكيلَه أَنْ يشترِيَ سيَّارةً يَهَبُها لزوجتِه؛ فلا يُنفَّذُ منها شيءٌ؛ لأنَّ الهِبَةَ تأخذُ حُكْمَ الوصيَّةِ؛ إذِ الهِبَةُ تمليكٌ في الحياةِ، وأمَّا الوصيَّةُ فهي تمليكٌ بعد المماتِ؛ والوصيَّةُ لا تجوزُ لوارثٍ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»(١)، فلا تنفذ إلَّا بإجازةٍ مِنَ الورثةِ(٢).
أمَّا إذا كان وكَّله بشراءِ سيَّارةٍ لزوجتِه على جهة التَّمليكِ هِبَةً في مرضٍ يُرجى بُرؤُه، ولكِنْ تَأخَّر وكيلُه عن إنفاذِها ـ لسببٍ أو لآخَرَ ـ حتَّى تُوُفِّيَ الواهبُ، ولم يَتِمَّ القبضُ مِنَ الموهوبِ له [أي: زوجةِ المريضِ]، بَطَلتِ الهِبَةُ وكانت ميراثًا على الرَّاجحِ وهو مذهبُ مالكٍ(٣)، خلافًا للشَّافعيِّ وأحمدَ فلا تَبطُلُ الهِبَةُ عندهما، ويقوم وارِثُه مَقامَه في الإقباضِ أو الرُّجوعِ في الهبةِ(٤)، وقاسوا ذلك على البيعِ، حيثُ إنَّ المُشترِيَ يَملِكُ ما اشتراهُ بمُقتضَى العقدِ ولو لم يَقبِضْه.
ومِنَ الأدلَّةِ على اشتراطِ القبضِ في لُزومِ الهِبَةِ: ما رُوِيَ عن أمِّ كلثوم بنتِ أبي سَلَمةَ رضي الله عنهما قالت: لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَ لَهَا: «إِنِّي أَهْدَيْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ أَوَاقًا (أَوَاقِيَّ) مِنْ مسْكٍ وَحُلَّةً، وَإِنِّي لَا أُرَاهُ إلَّا قَدْ مَاتَ، وَلَا أُرَى الْهَدِيَّةَ الَّتِي أَهْدَيْتُ إلَيْهِ إِلَّا سَتُرَدُّ، فَإِذَا رُدَّتْ إلَيَّ فَهُوَ لَكِ أَوْ لَكُمْ»، فَكَانَ كَمَا قَالَ: هَلَكَ النَّجَاشِيُّ، فَلَمَّا رُدَّتْ إِلَيْهِ الهَدِيَّةُ أَعْطَى كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أُوقِيةً مِنْ ذَلِكَ المسْكِ، وَأَعْطَى سَائِرَهُ أمَّ سَلَمَةَ، وَأَعْطَاهَا الحُلَّةَ(٥)؛ وهذا الحديث ـ وإِنْ كانَ ضعيفَ الإسنادِ ـ إلَّا أنَّ معناه يَشهدُ له فِعلُ الصَّحابةِ، فقد قال البيهقيُّ: «عن أبي موسى الأشعريِّ قال: قال عُمَرُ بنُ الخطَّاب رضي الله عنه: «الأنحالُ(٦) ميراثٌ ما لم يُقبَض»(٧)، وروينا عن عُثمانَ وابنِ عُمَرَ وابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم أنَّهم قالوا: «لا تجوز صدقةٌ حتَّى تُقبَض»، وعن مُعاذِ بنِ جبلٍ وشُرَيْحٍ أنَّهما «كانا لا يجيزانها حتَّى تُقبَضَ»(٨)»(٩) وغيرها مِنَ الآثار، ولم يُعلَمْ لهؤلاء الصَّحابةِ مخالفٌ مِنهُم.
وأمَّا قياسُ الهِبَةِ على البيع فهو قياسٌ مع ظهور الفارق، لأنَّ عَقْدَ الهِبَةِ مِنْ عقود التَّبرُّعات الَّتي يتمُّ العقدُ فيها بإرادةٍ مُنفرِدةٍ ـ وهو الإيجابُ وَحْدَه ـ لأنَّه لا يقابلها عِوَضٌ، بينما البيعُ فهو مِنْ عقود المُعاوَضات الماليَّةِ اللَّازمةِ، لا تتمُّ إلَّا بإرادتين: الإيجابِ والقبول، ولأنَّه مبنيٌّ على المُشاحَّة، فيُشترَط فيه العلمُ والتَّحريرُ والضَّبطُ، بخلاف الهِبَةِ فلا يُشترَط فيها ذلك، لأنَّ الموهوبَ له لا ضررَ عليه فهو إمَّا غانمٌ أو سالمٌ، فافْترَقا؛ ولذلك احتاجت الهِبَةُ إلى شيءٍ يُثبِتُ الملكيَّةَ زيادةً عن العقدِ وهو تمامُ الحيازةِ والقبضِ.
هذا، ومِنْ حيثُ القِسمةُ الإرثيَّةُ: فإنَّ أصلَ المسألةِ مِنْ (٢٤)، وسهمَ الزَّوجةِ الثُّمنُ، ويتمثَّل في: (٣/ ٢٤)؛ وسهمَ الأمِّ السُّدسُ، ويتمثَّل في: (٤/ ٢٤)؛ وأمَّا الأبناءُ فعَصَبةٌ بالنَّفس، ونصيبُهم (١٧/ ٢٤)؛ فإِنْ كانوا ذكورًا وإناثًا فهُم عَصَبةٌ بالغير: للذَّكر مِثلُ حظِّ الأُنثيَيْن.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
جزائر في: ٨ شوَّال ١٤٤٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٧ أبريل ٢٠٢٥م
https://www.ferkous.app/home/index.php?q=fatwa-1412
👍
1