
أخبار شبكة العهد
173 subscribers
About أخبار شبكة العهد
نقل الأخبار بشفافية وموضوعية
Similar Channels
Swipe to see more
Posts

وجّه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان كتاباً مفتوحاً الى رئيس الجمهورية جوزاف عون، جاء فيه: "مع كامل المحبة والحرص، فخامتكم تعلمون أن هذا البلد مرّ بتاريخ هائل وصعب مما فرضته صراعات الإقليم والعالم، ومع ذلك عاشت مكوّناته الوطنية كعائلة وطنية تصرّ على وحدتها وطبيعة ثقافتها التاريخية والوطنية، ولم تمنع الخصوصية الطائفية من بناء وحدة وطنية عابرة للطوائف، ومع توغّل السياسات الدولية بواقع هذا البلد وضمن فترة حساسة انتهى لبنان بحرب أهلية مجنونة انكشفت عن كوارث هائلة، إلا أنّ لبنان بقي وبقيت طوائفه، والآن البلد على حافة برميل من البارود، واللعبة الخارجية تريد توظيف البلد بمشاريع صفقاتها الدولية والإقليمية، وهذا أمر شبه مستحيل، إلا إذا لم يبق جيل سيادي ممانع وأعني بذلك كل قوى لبنان وطوائفه التي تعتقد بسيادة هذا البلد، وأي خطأ جسيم (لا سمح الله) سيضعنا بقلب خرائط حرب أهلية ستكون نتائجها كارثية وكبيرة على هذا البلد المظلوم، و"إسرائيل" رغم شراكة أميركا والأطلسي - والتي لم تستطع التخلص من قطاع غزة- ليس بمقدورها التخلص من قيمة وصميم قوة لبنان، وللتاريخ: لبنان عصي على "إسرائيل"، وأسوأ ما يمكن أن تضعنا فيه واشنطن مع حلفها هو حرب أهلية ستنتهي، ويبقى لبنان ويبقى طوائفه، وهذا ما لا نريده على الإطلاق، وأنتم جزء مركزي من ضمانة هذا البلد وحمايته، وفخامتكم تعلم أن لبنان قوة وقدراته السيادية أكبر مما يُرسَم على الخرائط، واللحظة لكم فخامة الرئيس، وأنت إبن المؤسسة العسكرية وابن الجنوب المصقول بأقدس تضحيات وطنية تاريخية نادرة، ومنذ عقود ودماء الجيش والمقاومة والشعب تختلط ببعضها لتزيد من عظمة القيمة الوطنية السيادية لهذا البلد الذي لم تتركه أساطيل العالم بمنأى عن سياساتها الإستنزافية والتدميرية، وأنتم ليس حكماً فقط بل قدرة دستورية تعيد توظيف قوة لبنان الداخلية والخارجية بالسلم الأهلي والعائلة الوطنية وخلق مناخ يساعد المشروع الوطني على تطوير نفسه وتوسيع قدرات صموده وثباته وتضامنه الشامل، وهذا يمر بتأكيد أُبوّة الدولة لشعبها بعيداً عن لعبة الندية معه، أو الإصرار على خيارات تتعارض بشدة مع التضحيات الوطنية التي تشهد لها الملاحم الأسطورية في كل من الجنوب والضاحية والبقاع وكل لبنان، وهي التي هزمت الجيش الأسطورة على تخوم الخيام، وما تحملته المقاومة وما تتحمله الآن لا تستطيع دول كثيرة القيام به، والمطلوب من فخامتكم التعامل مع هذه التضحيات بصفة أبوية، وموقع رئيس الجمهورية جدير بذلك، واللحظة للتاريخ، لأن ما يحدث غريب للغاية، وبعض المواقف الحكومية تحتاج إلى تفسير مقنع ولا أعتقد أنها تصبّ بالصالح الإستراتيجي لهذا البلد، خاصة أن أشلاء قرابين هذا البلد السيادي ما زالت تحت الأنقاض، والتعزية الحكومية لأبناء وطنها التضحويين لا تكون بهذه الطريقة، والإعتقاد بأن الجنوب والضاحية والبقاع أراضٍ لبنانية لا يكون بهذه المواقف النديّة مع شعبها وناسها، والأكيد بالنسبة لكم أنّ الجنوب أقرب للحكومة من واشنطن، لذا فإنّ بعض المواقف الحكومية والتي تتعارض مع صرخة الدماء السيادية تضعنا بقلب كارثة، ومعكم الرئيس نبيه بري وهو ركن وطني وثيق وذاكرة تاريخية وضامن استراتيجي وسيادي لواقع هذا البلد، وتصميم الإستراتيجيات لا بدّ أن يمرّ به كقوة سيادية ووطنية ومؤسسة دستورية لانتشال هذا البلد من أزماته التي تعيد اجترار كوارث العالم، ولذلك الحكومة مطالبة بتأكيد ميزانها الوطني ومصالح شعبها". وتابع: "الحل باعتماد خيارات وطنية تحمل دماء هذا الوطن وتعين على رفع أنقاضه وأوجاعه، وأنتم فخامة الرئيس تملكون القدرة على ذلك، ولا نريد من لبنان الرسمي مواجهة العالم بل أن يقوم بواجبه بحفظ لبنان وشعبه وسيادته من خناجر العالم، وإبن المؤسسة العسكرية والجنوب يملك من القدرة الوطنية والشجاعة السيادية ما يضمن ذلك، وشعب لبنان توّاق للمحبة والإلفة ونبذ الإنقسام الوطني وتأكيد الروح الجماعية لإنقاذ هذا البلد، وهذا يمرّ بتأكيد الإلفة الوطنية وميثاقيته السيادية وواقع تضحياته التاريخية، وما نريده لهذا البلد تأكيد وحدته وسلمه الأهلي وأبوّته الوطنية وقدراته على إدارة مصالحه بعيداً عن إملاءات العالم، وبعبدا بوجودكم قادرة على إدارة سياسة استباقية ميثاقية تسحب فتيل أزمات هذا البلد وتحمي لبنان من مشاريع التمزيق والتحريق والفتن والفوضى والفلتان، وهذا يفترض وضع مؤسسات الدولة بخدمة إنسانها وليس بوجه من بقيت أشلاء قرابينهم السيادية تحت الأنقاض، وضمير لبنان وأشلاء قرابينه الأكابر بين أيديكم، ولحظة التاريخ تنتظركم، وما أعتقده أنّ أولوية لبنان بوحدته الوطنية وسلمه الأهلي وقدرته السيادية رمز القضايا التي تتشكّل في الفترة الأولى من قيادتكم للبنان. اللهم فاشهد فقد بلغت".

مرة جديدة، السلم الاهلي بيد عون وسلام قبل بقية اللبنانيين: أميركا تطلب 6 خطوات نحو ... التطبيع! دعكم من جلسات مجلس النواب. ليس في الأمر إهانة لأي من النواب أو وزراء الحكومة. لكن، ما يحصل على مستوى تركيبة السلطات في لبنان، ليس فيه جديد لجهة آليات الحكم. الجديد فيه مرتبط بالوجوه التي حلّت في مراكز الحكم الرئيسية فحسب. وهي وجوه أطلّت ربطاً بتطورات شهدها لبنان والمنطقة، ولم تكن لتكون في موقعها اليوم لولا ما حصل خلال 15 شهراً. مرة جديدة، إنها نتائج الحرب الإسرائيلية - الأميركية على بلدنا ومنطقتنا. النقاش الصعب حول ما يحصل في سوريا لا علاقة له بتطلّعات الشعب السوري. بل بانعكاسات ما يحصل في سوريا على بقية دول المنطقة. ومع احترام إرادة الشعب السوري في تقرير مصيره، لكننا جميعاً نعرف أن هذا لا يحصل اليوم، تماماً كما هو الأمر في لبنان، حيث لا يقرر شعبنا مصيره بيده، وهي أيضاً حال دول تهتزّ بكل أركانها هذه الأيام، كالأردن الذي يواجه أصعب امتحان له منذ قيام الحكم الهاشمي. وهو وضع له كذلك تداعياته على أكبر دول العالم العربي، مصر، كما ستلمس الجزيرة العربية، قريباً، أن كل الخيرات لديها لا تكفي لحماية أنظمتها. وإذا كان النموذج الجديد من حكم رأس المال العالمي محل اختبار في الولاية الجديدة لدونالد ترامب، فإنه، على قباحته، يكشف الضعفاء في هذا الكون. ها هي أوروبا تدخل أشدّ مراحل التقوقع الداخلي والعجز عن المواجهة. وها هي الصين الضخمة التي تخيف العالم غير قادرة على المبادرة بعد. وها هي روسيا تحاول حصد مكاسب خاصة على حدودها، ولكنها تدفع ثمن ذلك ممّا تبقى من نفوذها العالمي. أما إيران التي اختطّت لنفسها طريقاً قاسياً منذ انتصار الثورة الإسلامية، فتواجه اليوم أكبر التحديات. إذ إن الغرب المجنون يريد تدميرها، لا إسقاط نظامها فقط، ويريدها دولة عاجزة تحكمها مجموعة تابعة أين منها حكم الشاه. وسط هذا العالم المجنون، يقترب لبنان من استحقاق لم يكن أحد يتخيّل أنه سيطرح على الطاولة بهذا الشكل. فها هي الولايات المتحدة تستعد للإعلان، جهاراً نهاراً، أنها تريد من لبنان إعلاناً أولياً بإنهاء حالة العداء مع إسرائيل، وإسقاط تصنيف إسرائيل كعدو، قبل أن تلي ذلك طلبات أخرى، تبدأ باعتبار أي فعل سياسي أو عسكري ضد إسرائيل مخالفاً للقانون، ثم تتدرج في عملية التطبيع إلى المستوى الذي يحتاجه العدو من لبنان. وهو، بالمناسبة، ليس مستعجلاً لفتح سفارة في بيروت، بل يريد من اللبنانيين أن يدخلوا في حرب أهلية يكون حاضراً فيها إلى جانب من يريد نزع سلاح المقاومة، وفي مواجهة كل رافض لتوطين الفلسطينيين، أو إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم. وحتى لا يبقى الكلام عاماً، من المفيد، بل من الضروري، الإشارة إلى وقائع متصلة بهذا الاستحقاق: أولاً، بات واضحاً ومعلوماً لدى غالبية المرجعيات السياسية في لبنان أن الولايات المتحدة كانت صريحة في نقاشاتها مع كل من ورد اسمه على لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية، برغبتها بإنهاء الصراع مع إسرائيل. كانت واشنطن تتوقع من إسرائيل الإجهاز على المقاومة، وحزب الله، لكن فشل العدو في تحقيق أهدافه، دفع واشنطن للانتقال سريعاً إلى الخطة البديلة التي تفرض على الحكم في لبنان سياسات أكثر حدّة في مواجهة المقاومة. ولذلك، دعمت الولايات المتحدة، بقوة، وصول العماد جوزيف عون إلى رئاسة الجمهورية، وسهّلت وصول القاضي نواف سلام إلى رئاسة الحكومة. وما إن أُنجزت المهمة دستورياً، حتى باشرت برنامجها العملاني لدفع الحكم (رئاسة وحكومة) نحو خطة عمل تستهدف، أولاً وأخيراً، إزالة العوائق من أمام مشروع التسوية مع العدو ثانياً، سعت الولايات المتحدة، بدعم من السعودية خصوصاً، إلى إبعاد حزب الله عن الحكومة. ومع أن عون وسلام أبلغا الأميركيين صراحة بأن نتائج الحرب لا تسمح بذلك، إلا أنهما وافقا على خطوات في تشكيل الحكومة، بهدف تقليص نفوذ حزب الله أو تأثيره في قرارات الحكومة. وبات واضحاً في الأيام الأخيرة أن عون وسلام نفّذا طلباً تريده الولايات المتحدة، ولا يتعارض مع مصالحهما، لجهة إبعاد التيار الوطني الحر وتيار المردة عن الحكومة. والسبب البسيط، لا يتعلق بأمور داخلية، بل فقط لأن هناك من همس في أذن هؤلاء أن الوقائع اللبنانية قد تتيح قيام تحالف بين ثنائي أمل - حزب الله والتيار الوطني الحر وتيار المردة، يمنح هذه الأطراف القدرة على إسقاط الحكومة أو تعطيل أي قرارات لا تناسبهم. ثالثاً، باشرت الولايات المتحدة ممارسة ضغوط قصوى على أركان الحكم الجديد. وجاء الاختبار الأول، من خلال الشروع في برنامج عمل يهدف إلى قطع العلاقات مع إيران وإقفال سفارتها في بيروت ومنع دخول الإيرانيين إلى لبنان. وعندما أثير موضوع الطيران الإيراني، لم يكن الأمر يتعلق برحلة محددة، بل كانت السفيرة الأميركية ليزا جونسون شديدة الوضوح، عندما قالت لرئيس الحكومة: إذا كنت تريد أن يبقى المطار مفتوحاً، عليك منع الطائرات الإيرانية من الهبوط فيه! رابعاً، اعتبار قطع العلاقات مع إيران مدخلاً أساسياً في برنامج محاصرة المقاومة مالياً، ليس بهدف محاصرة الحزب كقوة سياسية ذات أذرع اجتماعية، بل كجزء ملحّ من خطة منع إعادة إعمار ما هدّمته الحرب الإسرائيلية على لبنان، تحديداً في الجنوب، وخصوصاً في قرى الحافة الأمامية. وكل كلام عن اشتراط المانحين شفافية واستقلالية لأي صندوق جديد للإعمار، ليس سوى كذبة، تشبه تماماً الكذبة الشهيرة التي حملتها السفيرة الأميركية السابقة دوروثي شيا إلى الرئيس ميشال عون، عندما عرض الأمين العام لحزب الله السيد الشهيد حسن نصرالله استقدام فيول من إيران لشركة كهرباء لبنان، وشاركها عملاؤها اللبنانيون في الترويج لمشروع استجرار الطاقة من الأردن، والغاز من مصر عبر سوريا. ومن يومها، لم يحصل شيء، ولن يحصل شيء. وكل من يراهن على دعم مالي، عربي أو دولي، عليه أن يعرف أن الأثمان المقابلة لا تقلّ عن حرب أهلية تدمر البلاد، علماً أن خزائن العالم ليست مليئة بأموال تُعطى هبات لأهل لبنان وسوريا وفلسطين. خامساً، الدخول فوراً في المرحلة الثانية من الانقلاب، عبر برنامج للتعيينات في الإدارة العامة، وفي كل الأسلاك المدنية والعسكرية والمالية والقضائية. ستُصمّ آذاننا بالحديث عن مرشحين من أصحاب الكفاءات والخبرات الآتين من خلف البحار، ويريدوننا أن نصدق أن هؤلاء سيتخلّون عن مداخيلهم الهائلة في الخارج مقابل بضع مئات من الدولارات، فقط لخدمة لبنان، علماً أنّ كل خبراتهم وأفكارهم لا تخالف التوجه الأميركي في إدارة العالم. سادساً، إطلاق الخطوات العملانية الهادفة إلى محو المخيمات الفلسطينية عن وجه الأرض، عبر سلسلة من الخطوات، تبدأ بالإعلان عن الحاجة إلى نزع السلاح منها، ثم إخضاعها بكل ما فيها لسلطة الحكومة اللبنانية، ثم الشروع في ما يسميه البعض «تطهير» المخيمات من المطلوبين والفارّين من وجه العدالة، أو ممن ينتمون إلى «قوى إرهابية»، ثم تحويل مطلب الحقوق المدنية إلى برنامج لإخلاء المخيمات من سكانها، ودفعهم إلى الذوبان في المجتمع اللبناني، قبل إطلاق برنامج الامتيازات الخاصة تمهيداً لمنحهم الجنسية مقابل دعم مالي للحكومة اللبنانية. وحتى حصول هذا الأمر، ستباشر السلطات عندنا برنامج منع أي قيادات من قوى المقاومة الفلسطينية من التواجد الدائم على أراضي لبنان، قبل الوصول إلى مرحلة منعهم حتى من زيارته. وعليه، إن محاولة التحايل على الوقائع، والتصرف بسذاجة من قِبل أهل السلطة الجديدة، وادّعاء أن لبنان ليس مدعواً إلى التطبيع مع العدو، لهو أمر يثير الشفقة. وإذا كان الرئيس عون على اطّلاع منذ وقت غير قصير على مطالب الأميركيين، فإن الرئيس سلام يعرف أيضاً الكثير عن هذا الأمر، وسبق له أن جرّب التفاعل مع مشروع مشابه مع الرئيس أمين الجميّل بعد اجتياح 1982، قبل أن يكتشف أن الأمر لا يتعلق بترتيبات لبناء الدولة، بل بمشروع صلح مع العدو. وتجربة الرئيس سلام خلال العقود الأربعة الماضية، وعيشه اللصيق في الغرب، حيث النفوذ الهائل للمؤسسة الصهيونية في العالم، كما لمس حجم الضغوط لمنع مواجهة القتلة في فلسطين، وهي تجربة تسمح له بأن يعرف ما هو المطلوب. وبالتالي، فإن أيّ محاولة للخضوع لهذه الطلبات أو مسايرتها تحت عنوان «الانحناء للعاصفة»، ليست في حقيقة الأمر سوى انصياع لطلبات لن تؤدي سوى إلى اندلاع الحرب الأهلية في لبنان مجدداً، لأن من السذاجة الاعتقاد بأن تيار المقاومة في لبنان سيقبل بمثل هذا الأمر، أياً تكن الأكلاف والتضحيات! ابراهيم الامين جريدة الأخبار

التهجير من الهوية اللبنانية: شرعنة الوصاية والاستقواء وفق هذا الخطاب، المقاومة هي على قطيعة مع الهوية اللبنانية ذات المركزية الليبرالية المتطلّعة نحو الغرب ونمط الحياة الاستهلاكي والنموذج الاقتصادي الريعي إنّ الجهد الممنهج لإخراج الجماعة الشيعية (باعتبارها رافعة مشروع مواجهة العدو الإسرائيلي) والمجتمع المقاوم (وهو أعمّ)، من الهوية الوطنية ليس جديداً، بل امتدّ حديثاً بأشكال مختلفة منذ عام 2005. تشارك في هذا «الإقصاء الرمزي» مجموعات طائفية انعزالية تعتقد بهرمية الهويات اللبنانية (هناك لبناني حقيقي ولبناني مصطنع)، ومجموعات ليبرالية متغربنة (كثر من منتسبيها طائفيّون)، المشترك بينها جميعها هو العداء للمقاومة والارتباط التبعي بواشنطن. الهدف النهائي لعملية إعادة البناء الاجتماعي للهوية تظهير أنصار المقاومة في لبنان بأنهم جالية أجنبية وغرباء وبذلك «يتشرعن» استهدافهم وتهميشهم وعزلهم والتآمر للقضاء عليهم. وبما أنهم «جالية أجنبية» يمكن استنهاض هوية لبنانية تتشكّل على العداء لهم من ناحية وشرعنة حرمانهم من حقوق المواطنة من ناحية أخرى. فالتمييز بين «الداخلي» (الوطني) و«الخارجي» (الغريب) يكرّس فاصلاً صراعياً شديد الوضوح يتم تعزيزه بضخ متواصل لمشاعر الخوف والتهديد الأمني والاقتصادي والثقافي (مثال: التعامل الإعلامي مع «مسيرة الدراجات النارية في الجميزة»). منذ عام 2005، جرى العمل على ثقفنة الصراع السياسي مع المقاومة في لبنان وفق تقسيمة ليبرالية بين ثقافتَي حب الموت وحب الحياة. تواصلت عمليةُ «التطهير الثقافي» عبر الاستعلاء الهوياتي (مقولة «ما بيشبهونا») والنفخ والأسطرة في الهوية اللبنانية والتنكيل بثقافة المقاومة المحتضنة شيعياً بتصويرها جاهلة لا تعرف شكل الكتاب حتى (يمكن بسهولة استرجاع عدة مقولات تافهة في هذا الشأن)، وقبيحة لا علاقة لها بالفنون والجماليات (مع التصويب على أشكال محددة من الفن ذات خصوصية لبنانية)، ومتزمتة لا علاقة لها بالحداثة (ولا سيما في ما يخصّ نمط الحياة)، وأصولية لا تتلاقى مع الانفتاح والتنوّع. وبلغت هذه المحاولات ذروتها في محاولة سلخ المقاومة عن الهوية العاملية وليس اللبنانية فقط. وفي هذا السياق، يظهر سعي لاستغلال الإنجاز الاستخباري الإسرائيلي في الحرب الأخيرة كدليل على انعدام التقانة والإبداع لدى الحزب، فالإبداع والذكاء هما سمتان للهوية اللبنانية «النقية/الحقيقية» ولا بد من احتكارها. إنّ إنكار الإنجاز الاستخباري الإسرائيلي (والغربي) الاستثنائي وإنكار إبداع مقاتلي الحزب وتوظيفهم الفعّال للمستوى المتاح من التكنولوجيا (إلى درجة النجاح في إيصال مسيّرة حديثة إلى نافذة غرفة نوم بنيامين نتنياهو في ظل أعلى درجات الاستنفار الإسرائيلي) هما تطرّف على شاكلة حدوة الحصان. وفق هذا الخطاب، المقاومة هي على قطيعة مع الهوية اللبنانية ذات المركزية الليبرالية المتطلّعة نحو الغرب ونمط الحياة الاستهلاكي والنموذج الاقتصادي الريعي. وبذلك واقعاً تخرج مجتمعات لبنانية كاملة من الهوية الوطنية وليس المقاومة وحدها، إلا أن تلك المجتمعات مسكوت عنها كونها لم تنتظم في مشروع مواجهة مع المنظومة الأميركية. وإن كانت الهويات اللبنانية كلها اختبرت عمليات إعادة بناء متواصلة، إلا أن النقد يطاول هوية مجتمع المقاومة مرة باعتبارها غادرت ماضياً ما ومرة لكونها تعود لماضٍ ما. فالمعيار هو الهوية اللبنانية كما تشكّلت في سياق مديني واستعماري واقتصادي وطائفي محدد، ومتقمّصو هذه الهوية هم لجنة الحكم، يقبلون ويطردون ويمنحون العلامات في المواطنة. بعض هؤلاء خاضوا مواجهتهم مع المشروع الناصري بالنفخ في الزعم الفينيقي المتفوّق جوهرانياً على العرب، واليوم يخوضون المواجهة بمقولات «الحضن العربي» و«نظام المصلحة العربي» بعدما انتقل مركز العروبة نحو الخليج بوصفه محوراً غربياً للطاقة والاستثمارات والأمن. هكذا يصبح متاحاً استدراج العروض الدولية والإقليمية لتمويل «الحرب على إيران في لبنان». وبما أنه جرى تصوير أنصار المقاومة على أنهم مجرد جالية إيرانية/ أجنبية، أصبح «مشروعاً» خطاب الاستقواء بنتنياهو عليهم والشماتة بدمار قراهم والتحريض على قتلهم، بعدما كان ذلك يُعدّ فعل خيانة وانتهاكاً للقيم الوطنية ساهمت هيمنة خصوم المقاومة على الفضاء الإعلامي في دفع الاستقطاب السياسي والهوياتي إلى أقصاه عبر عمليات مكثفة من «التمثيل السلبي» وفرض صور نمطية عن المقاومة ومؤيديها تؤكد «أجنبيتهم» (مثل أن ينشغل الإعلام في ذروة تحرير الجنوبيين لبلداتهم الحدودية بـ«غياب العلم اللبناني»). ولم يفوّت المتربّصون حدثاً بمأسوية انفجار مرفأ بيروت لاستغلاله بوصم الشيعة أنهم اعتكفوا عن الحزن الوطني (اتهام شارك فيه إعلامي لبناني بارز يعمل في الخليج، قبل أن يحذف تغريدته نتيجة ما استجلبته من إدانات). لكن استكمال مشروع «تهجير الهوية» الشيعية والمقاوِمة لم يكن ليكتمل بدون روافد سياسية، يمكن الحديث عن ثلاثة منها على الأقل: الأوّل، هو اختزال علاقة المقاومة بإيران بكونها علاقة وكالة (وهو ما يعترف كثر من الأكاديميين الغربيين بكونه تعريفاً بدائياً وقاصراً). هذا الاختزال تم توظيفه لإطلاق مقولة «الاحتلال الإيراني» للبنان حين حاز حزب الله وحلفاؤه الأكثرية النيابية بعد انتخابات 2018، وبذريعة ذلك فُرضت ضغوط اقتصادية على البلد من باب التأديب وتدفيع الثمن (المفارقة أن إيران لا يمكنها ابتزاز لبنان أو ترهيبه على عكس قوى المحور المقابل). ثانياً، تصوير المقاومة على أنها معادية لفكرة الدولة ونقيض لها، فيما هي واقعاً لم تنبت إلا لغياب الدولة المتعمّد عن تطبيق نظرية للأمن الوطني تعالج التهديد الصهيوني ولعجز إرادتها السياسية عن توفير مستلزمات ذلك. ثالثاً، تأطير حزب الله بعد عام 2015 بكونه جزءاً من منظومة الحكم بكل موبقاتها، ثم حارساً للمنظومة، ثم أخيراً جعله، مع حليفه حركة أمل، المنظومة نفسها. لكل من الحزبين علاقته بنظام الحكم والسلطة ويصح فيه النقد والاعتراض، لكن النظام السياسي اللبناني وشبكاته الطائفية والمالية أكثر تعقيداً وشمولاً بكثير من دور الحزب والحركة، وهو نظام مستتبع بنيوياً للمراكز الاستعمارية منذ القرن التاسع عشر حتى تاريخه. لكن التعبئة المطلوبة ضد الهوية المقاوِمة أفضت إلى تحويل «الثنائي الشيعي» كأنه الحاكم المستبد في نظام سياسي بسيط ومجتمع متجانس، وهكذا تظهر مواجهة الثنائي على أنها فعل نضالي ثوري وهو ما يدغدغ مشاعر الجماهير الغاضبة والمستثارة. في الواقع، كثر من مطلقي هذا التضليل هم مكوّن محوري في شبكات مصالح النظام الطائفي الداخلية والخارجية والأكثر نفوذاً وانتفاعاً منه. دليل بسيط على ما تقدّم، أنّ بعض خصوم المقاومة ممّن سمّوا رئيس الحكومة المكلف نواف سلام يهاجمونه الآن بشدّة خشيةً من أجندته لإصلاح القطاع المصرفي اللبناني لمسؤوليته الكبرى في الانهيار الاقتصادي اللبناني. بهذه الثنائية الثقافية والسياسية لتهجير الهويتين الشيعية والمقاوِمة تكتمل فصول تحويل مجتمع المقاومة إلى جالية أجنبية في لبنان (من ضمن ذلك تكرار مقارنة تجربة حزب الله بتجربة منظمة التحرير في لبنان). وهكذا يصبح متاحاً استدراج العروض الدولية والإقليمية لتمويل «الحرب على إيران في لبنان». وبما أنه جرى تصوير أنصار المقاومة على أنهم مجرد جالية إيرانية/ أجنبية أصبح «مشروعاً» خطاب الاستقواء بنتنياهو عليهم والشماتة بدمار قراهم والتحريض على قتلهم، بعدما كان ذلك يُعدّ فعل خيانة وانتهاكاً للقيم الوطنية. وثانياً أصبح الجهر بطلب الوصاية الأميركية فضيلة، ولا سيما أنه لم يعد من الممكن نكرانها من فرط بروزها. فبدأت تظهر مقولات عجيبة تشرح العلاقة المتينة بين الاستقلال والوصاية، فلا استقلال للبنان من دون وصاية يُستقوى بها، ولا سيادة للبنان من دون المشاركة في صراع المحاور ضد إيران (ثم يصفّق أصحاب هذه المقولات، حتى تتورّم أيديهم، لمقولة الرئيس المنتخب جوزف عون عن الحياد الإيجابي). ومن المرجح أن أنصار هذه الحملة يراهنون على أنه من خلال تمجيد الوصاية والاستقواء وتكريسهما يمكن إرساء مسوّغات لخطاب التطبيع مع كيان العدو لاحقاً. الأصل في الهوية اللبنانية التنوّع والتعدّد، فهي ينبغي أن تتحدّى كل أشكال التهميش السياسي والاقتصادي والطبقي والمناطقي والثقافي. إنّ فكرة المقاومة والعداء لكيان العدو الصهيوني مكوّن أصيل من الهوية اللبنانية (بمعزل عن المواقف حيال كيفية تنظيم علاقة المقاومة بالدولة)، وهو ما تثبته استطلاعات الرأي المختلفة (بحسب البارومتر العربي لعام 2019، يجد 79% من اللبنانيين أن إسرائيل هي التهديد الأكبر لبلدهم). كذلك هي حال نمط الحياة المحافظ لدى شرائح واسعة من كل الطوائف اللبنانية (ولا سيما خارج مراكز المدن الكبرى)، وليس محصوراً ببيئة المقاومة اللصيقة (البيئة المؤيّدة العامّة للمقاومة هي شديدة التنوّع الثقافي حتى في نمط الحياة اليومية). وختاماً، يلزم التنبيه أن لا تدفع الحملات المعادية للمقاومة تحت ستار «الهوية اللبنانية» إلى ردود فعل عدائية تجاه الانتماء اللبناني. المسؤولية اليوم تقتضي من قوى المقاومة في لبنان ومؤيديها تثبيت مواقعهم وتعزيزها داخل الدولة اللبنانية والثقافة اللبنانية ضمن رؤية منفتحة على التعدّدية الداخلية (الثقافية والطبقية والسياسية والمناطقية) وكذلك على الارتباط المتين بأحوال الجوار والإقليم المأزومين بفعل سياسات الهيمنة الأميركية. وهذا الأمر يستدعي تعزيز المكوّن الاجتماعي والنضالي لمشروع المقاومة بما يسمح بإعادة تشكيل خطوط التنافس المحلّي وفق قضايا حقيقية تخصّ الناس العاديين، وهو تنافس لا بد أن يقع قسم كبير منه داخل بنية الدولة لتطوير وظيفتها الاجتماعية وليس للمغالبة الفئوية. حسام مطر أستاذ جامعي* جريدة الأخبار

إلى جوزيف عون ونواف سلام: السلم الأهلي رهن موقفكم قد يكون ممكناً التعامل بمسافة مع الحدث المتصل بالحصار الإسرائيلي - الأميركي على لبنان لدفعه إلى فتنة داخلية تستهدف أساساً المساس بحزب الله داخلياً، بعد فشل الحرب الإسرائيلية في تحقيق هدف القضاء على المقاومة عسكرياً. لكنّ الأمر يصبح مستحيلاً عندما ينتقل الأميركيون إلى مستوى جديد من الضغط، يتزامن مع قرار العدو بالإبقاء على احتلاله المباشر لأراضٍ لبنانية، وإعطاء نفسه حق التصرف عسكرياً وأمنياً في لبنان في أي وقت يراه مناسباً. ومع تطور الأحداث، يبدو أنه لا يمكن أخذ أي مسافة من هذا الحدث. فانشغال اللبنانيين في إعادة بناء بلدهم، جراء العدوان الإسرائيلي من جهة، وجراء الهدم الداخلي للمؤسسات من قبل السلطات المتعاقبة، ليس ذريعة لعدم القيام بما يلزم، لمواجهة المسعى الأميركي – الإسرائيلي لفرض وقائع داخلية في لبنان، تحاكي جانباً من أهداف الحرب الإسرائيلية من جهة، والاستفادة من تداعيات التغيير الكبير الذي شهدته سوريا بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد، باعتباره من حلفاء المقاومة في لبنان، وخصماً للجانبين الأميركي والإسرائيلي. العدو يرفض الانسحاب الكامل من الجنوب، ويريد إدخال تعديلات على اتفاق وقف إطلاق النار، بدعم أميركي كامل. وفي مكان آخر، تتوسّع سياسة الحصار على كل ما يتصل بالمقاومة وأهلها، ولا سيما محاولات منع حزب الله من إطلاق ورشة الإعمار الواسعة بعدما اقترب من إنجاز أضخم عملية لإيواء نحو ربع مليون لبناني، والمباشرة بترميم أكثر من خمسين ألف وحدة سكنية تضرّرت بفعل الحرب، والمحاولة الفاشلة لتحقيق أحد أهداف الحرب بإبعاد حزب الله عن حكومة العهد الأولى. وفيما أبلغ الحكم الجديد في سوريا لبنان أنه غير جاهز لترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين، وليس جاهزاً لعودة النازحين السوريين، ولا يملك قدرات على ضبط الحدود مع لبنان، إلا أنه وجد أنه قادر على خوض معارك بالسلاح في مقطع من الحدود الشرقية للبنان، «صودف» أنه ملاصق لمناطق نفوذ حزب الله في البقاع الشمالي. واشنطن تعدّ برنامج عقوبات جديدة وتطلب إقفال جمعية «القرض الحسن» وتضغط لتقليص العلاقات بين لبنان وإيران داخلياً، تبدو الحكومة الجديدة منشغلة بصياغة البيان الوزاري. وبمعزل عما ستخرج به من تصورات وأولويات، إلا أن المناخ الذي رافق اختيار الوزراء، وتوزّع الحصص على القوى السياسية، دلّ على أن هناك ميلاً أكيداً لتوفير مناخ حكومي في حالة خصومة مع المقاومة، أو أقله سعي لنيل رضى الولايات المتحدة والغرب والسعودية وحلفائها في لبنان. وهذا ما ينعكس خطوات قد تؤثّر على الوضع العام في لبنان، خصوصاً أن الأميركيين يعدّون منذ الآن لائحة مطالب من الحكومة، مع تهديد بأن واشنطن ستطلق الشهر المقبل سلسلة جديدة من العقوبات ضد شخصيات وكيانات لبنانية على صلة بالمقاومة. والأهم أن الجانب الأميركي مهتم حالياً بالملف المالي، ليس لجهة تقديم المساعدات للبنان، بل لوضع الشروط قبل تقديم أي نوع من الدعم، سواء على شكل هبات أو قروض. وفي رأس الأولويات الأميركية اليوم دفع الحكومة في لبنان إلى اتخاذ خطوات تمنع وصول أي أموال إلى حزب الله، من إيران أو من أي دول أخرى، أو حتى من أفراد. وتقضي الخطة الأميركية بالضغط على الحكومة لإصدار سلسلة قرارات، منها: أولاً، اعتبار أن ملف إعمار ما دمّرته الحرب من مسؤولية الدولة اللبنانية، وبالتالي السعي إلى منع حزب الله من القيام بأي مبادرة تساعد المتضررين على إعادة إعمار بيوتهم وقراهم. ثانياً، وضع عراقيل أمام ما يقوم به حزب الله في هذا المجال، من خلال استصدار قرار رسمي من الحكومة بإقفال مؤسسة «القرض الحسن»، ومنعها من فتح فروع لها، واتخاذ إجراءات لمنعها من التداول في الأموال، وصولاً إلى اعتبارها مؤسسة مخالفة للقانون. ويعتقد الأميركيون بأن خطوة كهذه ستعرقل آلية توزيع أموال إعادة الإعمار من جهة، كما ستدفع المودعين لدى المؤسسة إلى سحب ودائعهم من أموال وذهب وغيرهما، ما يجبرهم على التوجه إلى المصارف اللبنانية. ثالثاً، اتخاذ إجراءات قانونية من نوع رفع السرية عن جميع الحسابات المصرفية، مع التشديد على إعادة درس الودائع لجهة التثبّت من مشروعية الأموال ومصدرها، وصولاً إلى الحجز على كل وديعة لا يثبت صاحبها مصدرها. رابعاً، الشروع في خطوات عملية لتقليص مساحة التواصل بين لبنان وإيران، مع محاولة لإحياء مشروع الرئيس الأسبق أمين الجميل مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما قطع العلاقات مع إيران على خلفية دعم طهران لقوى لبنانية معادية لحكم الكتائب في حينه. ويسعى الأميركيون إلى دفع الحكومة اللبنانية إلى وضع عراقيل وشروط على العلاقة مع إيران، من بينها منع شركات الطيران الرسمية أو الخاصة الإيرانية من التوجه إلى لبنان، علماً أن العقوبات الأميركية المفروضة على الطيران الإيراني تعقّد عمله في كثير من دول العالم، لكنها لا تعطّله بصورة كاملة. خامساً، توسيع الرقابة على كل ما يرد إلى لبنان من إيران أو العراق وإخضاعه لتفتيش دقيق للتثبت من أن حزب الله لا يستفيد من أي دعم مالي أو غير مالي يصله عبر هذين البلدين، مع التشديد على تعاون أمني بدأ مع الحكم الجديد في سوريا التي أعلن رئيسها الجديد أحمد الشرع التزامه بمنع حزب الله من استخدام الأراضي السورية لعبور الأموال أو السلاح. حكومة الشرع في سوريا تلتزم بالإجراءات الكاملة لمنع حزب الله من الاستفادة من الأراضي السورية كمعبر بري لحاجاته وقد بدأت الفرق الأمنية والعسكرية التابعة للشرع خطوات عملانية في هذا المجال، سواء على الحدود مع العراق أو على الحدود مع لبنان، علماً أن سلطات دمشق الجديدة تبرّر ما تقوم به بأنه لمواجهة عمليات التهريب وتجارة المخدّرات، بينما يعرف العالم كله أن منطقة إدلب نفسها تشكل إحدى أكبر بؤر هذه التجارة في سوريا، وقد توسّع نشاط المهربين هناك بعد استيلاء «هيئة تحرير الشام» على دمشق. عملياً، ليس هناك أي غموض في البرنامج الأميركي - الإسرائيلي في لبنان. وليس منطقياً، كما أنه ليس مقبولاً، أن يسألنا أركان الحكم عن تفاصيل هذا البرنامج. وبينما يقع على عاتق الناس ابتداع آليات المواجهة المباشرة لهذا المشروع وأدواته، فإن المسؤولية الكبرى تقع اليوم على عاتق رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، وعلى عاتق الحكومة الجديدة ورئيسها نواف سلام. وكي لا يبقى الأمر قيد نقاش عبثي، فالأمور الجارية تقول لنا، بوضوح، إن ما يريده الأميركيون، هو ما يريده الإسرائيليون، وعلى الرئيسين عون وسلام تحمل المسؤولية المباشرة، ليس لخوض معركة مع واشنطن، بل لإشعارها أولاً بخطورة ما تدعو إليه، ولمنع تدهور الأوضاع الداخلية التي قد تذهب إلى صدام كبير، رغم أن حزب الله يمارس منذ لحظة توقف الحرب المباشرة والواسعة مع العدو أعلى درجات ضبط النفس، ويتحمل حتى اللحظة ما تقوم به قوات الاحتلال. وعلى أهل الحكم إدراك أن مستوى الانضباط لدى قواعده وناسه، وعدم الذهاب نحو خيار التصادم، إنما هو انعكاس لقرار مركزي، بينما ستصبح الأمور أكثر صعوبة بطريقة لا يعود الحزب قادراً على ضبطها، عندما تشعر بيئة المقاومة بأن هناك من يريد إذلالها. بكل بساطة، والكلام للتفسير والتوضيح وليس للتهديد كما سيقول خصوم المقاومة، على عون وسلام، وأركان الحكومة الحالية، المبادرة إلى وضع إطار لحماية السلم الأهلي، إذ إن الانفجار في حال حصوله، لن تنفع معه التحليلات والتبريرات، ولا كل بيانات الدعم الآتية الآن من خلف البحار... ببساطة، ليست هناك الآن أولوية تتقدّم على أولوية حماية السلم الأهلي. أمّا مقاومة الوصاية الأميركية، فهي برنامج طويل، سيتعزز يوماً بعد يوم، وسيكون له ناسه والقادرون على تحويله إلى وقائع تضع حداً لهذه العربدة! ابراهيم الأمين جريدة الأخبار

اشتباكات «الهيئة» مع «العشائر»: ضبطٌ للحدود أم «صندوق بريد»؟ حسين صبرا،I جريدة الأخبار يسود التوتر عند الحدود اللبنانية السورية إثر الاشتباكات المستمرة منذ أيام بين العشائر اللبنانية ومسلحي هيئة «تحرير الشام»، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الشهداء والجرحى من القرى الحدودية، معظمهم من المدنيين والأطفال. وقال مصدر ميداني لموقع «الأخبار»، إن أفراد «تحرير الشام» تعمّدوا استهداف مواقع للجيش اللبناني وأحياء مدنيّة، فيما يحرص أبناء العشائر على التصدي لهذه الهجمات، مشيراً إلى أن «الاشتباكات التي دارت يوم أمس الأحد استُخدمت فيها أسلحة ثقيلة ومتوسطة، بالتزامن مع رد عناصر الجيش اللبناني على مصادر النيران». ويُنتج هذا المشهد المتوتر عند الحدود اللبنانية السورية، مشهد توتر أكثر عموماً مع تزايد الخشية من تحول هذا النزاع إلى صراع داخلي لبناني. وفي هذا السياق، أعرب منسّق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات «اليونيفل»، والخبير العسكري العميد المتقاعد منير شحادة، عن تخوّفه من امتداد الاشتباكات إلى الداخل اللبناني ما يؤدي إلى فتنة مذهبية في كل الأراضي اللبنانية. واعتبر شحادة في حديثه إلى موقع «الأخبار»، أن قرار الجيش بالتدخل الفوري كان «صائباً»، و«حسناً فعل الجيش اللبناني أنه تدخل لصد هذه الهجمات التي طالت الأراضي اللبنانية والرد عليها لأن هذا يجنّب المنطقة الشمالية الشرقية من نزاعات قد تؤدي إلى فلتان أمني لا يمكن ضبطه وتخلق فتنة في كل الأراضي اللبنانية». وتلعب عدة مؤشرات دوراً بارزاً في زيادة منسوب القلق، أبرزها تواجد عدد كبير النازحين السوريين في لبنان المؤيدين للإدارة الجديدة، وحديث تقارير أمنية عن «خلايا نائمة» بينهم. ومن هذه المؤشرات ايضاً دخول كمية كبيرة من الأسلحة إلى لبنان وانتشارها بين المواطنين ومخيمات النزوح، إثر سقوط النظام السوري وحلّ جيشه. وقد علمت «الأخبار» أن الاتصالات جارية بين المسؤولين اللبنانيين ونظرائهم السوريين لضبط الحدود واحتواء هذه الاشتباكات. وأفادت مصادر سوريّة مؤيدة لهيئة «تحرير الشام»، موقع «الأخبار»، بأن «التدخلات العسكرية عند الحدود اللبنانية السورية، تقتصر على التصدي لعمليات التهريب فقط، ولمنعها من الجانبين»، واتّهمت المصادر، العشائر اللبنانية بأنها هي مَن «بدأت بإطلاق النار على عناصر الهيئة بعد إحباط لعملية تهريب الكبتاغون». رغم ذلك، لا تتوقف حركة قوافل المحروقات المهربة باتحاه الاراضي السورية، حيث تعبر مئات الآليات يومياً من لبنان إلى سوريا بطريقة غير شرعية، وعلى الطريق الممتد من حمص وصولاً إلى معبر «العريضة» ينتشر المئات من بائعي المحروقات بشكل عشوائي، يشترون المواد من المهرّبين دون تدّخل من «عناصر الهيئة» الذين يسمحون لهم بالعبور، ما يجعل التساؤل مشروعاً حول هدف الحملة السورية على الحدود اللبنانية وتوقيتها. وقد كان لافتاً في هذا السياق ايضاً، تزامُن العدوان الإسرائيلي الذي استهدف (الأحد) معبر قلد السبع – جرماش الحدودي مع سوريا في جرد الهرمل، مع اشتباكات خاضتها عناصر الهيئة مع مسلحي العشائر في الموقع نفسه. يذكر أن قيادة الجيش قد أعلنت إثر الاشتباكات انتشارها في مناطق عدة عند الحدود الشمالية والشرقية وأصدرت أوامرها بالرد على أي عملية إطلاق نار على الأراضي اللبنانية. ولفتت في بيان، إلى أنّ وحدات الجيش «تنفذ تدابير أمنية استثنائية على امتداد هذه الحدود، يتخلّلها تركيز نقاط مراقبة وتسيير دوريات وإقامة حواجز ظرفية»، مؤكدة أنها «تتابع الوضع وتعمل على اتخاذ الإجراءات المناسبة وفقاً للتطورات». بدورها، أكدت العشائر إلتزامها بتوجيهات الجيش اللبناني، وشدد خالد عبد العلي جعفر، أحد وجهاء عشيرة آل جعفر، لموقع «الأخبار»، على «التزام العشائر بتوجيهات الجيش اللبناني والدولة اللبنانية»، لكنه شدد على «جهوزية العشائر في حال استمرت الاعتداءات أو حاولوا الدخول إلى الأراضي اللبنانية». وكشف أنه «أُطلق منذ يوم أمس الأحد أكثر من 100 صاروخ وقذيفة على الأراضي اللبنانية، وهذا القصف المستمر منذ بداية الاشتباكات أدى لسقوط 5 شهداء وأكثر من 35 جريحاً».

واشنطن تكمل ما بدأته إسرائيل 🚫🚫🚫🚫🚫 الإهانة التي وجّهتها الموظفة الأميركية، مورغان أورتاغوس، بشكرها للعدو الإسرائيلي على تنكيله بشريحة واسعة من اللبنانيين، من على منبر القصر الجمهوري، متعددة المستويات والاتجاهات. فهي موجّهة إلى موقع رئاسة الجمهورية مع كل ما يحمله من رمزية، وإلى الشعب اللبناني ومؤسساته وكل من لديه شعور بالسيادة والكرامة. وبدرجة لا تقل إهانة، حدّدت الموظفة الأميركية أيضاً من هو المسموح له بالمشاركة في الحكومة ومن يُمنع عليه ذلك، في تجاوز لكل عناوين السيادة والاستقلال، ما يؤشر إلى قرار أميركي بالتدخل الفظّ في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية لضمان وجهة التطورات وفق المرسوم أميركياً. لسنا هنا أمام قضية شكلية ورمزية، بل هي - في رسائلها ومؤشراتها - جزء من المواقف التي أطلقتها أورتاغوس. وتصبح أبلغ في دلالاتها مع تحديد سياقها الاستراتيجي في بعديْه الإسرائيلي والإقليمي. وبذلك تتجلّى أكثر فأكثر خلفيات الدور الأميركي في محاولة استكمال المسار الذي توقّف عنده كيان العدو. لو أن العدو هزم حزب الله في معركة «أولي البأس»، كما ادّعت أورتاغوس، لما احتاجت إلى كل هذا النشاط الدبلوماسي والضغوط بهدف تحجيم الحزب والحدّ من نفوذه وفعّاليته. فالنتيجة الطبيعية للهزيمة هي أن تتوالى تداعياتها تلقائياً، خصوصاً في ظل «شركاء» في لبنان لا يخفون رهانهم على هزيمة المقاومة للانقضاض عليها. بعبارة أخرى، تختلف تداعيات الهزيمة العسكرية الفعلية عما تشهده الساحة اللبنانية. ولا يعني ذلك أن إسرائيل لم تحقق نتائج عسكرية مهمة جداً. لكنّ الفارق بين المستوييْن هو ما يُميّز بين نجاح العدو وفشله، وبين صمود المقاومة وانهيارها من الواضح أن الفظاظة التي أظهرتها الموظفة الأميركية كانت مدروسة في مضمونها ولهجتها والموقع الذي اختارته (القصر الجمهوري). وهدفت بذلك إلى توجيه رسائل إلى أتباعها في لبنان ليكونوا أكثر حزماً واندفاعاً في مواجهة حزب الله. وسبق أن عبّر وزير الخارجية ماركو روبيو، خلال مثوله أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ (14/1/2025)، عن الخطوط العامة للتوجه الأميركي، عندما اعتبر أن المطلوب تفكيك نفوذ حزب الله، وأن لبنان في مفترق حاسم، محذّراً من وجود حزب الله كقوة مهيمنة داخل لبنان! وكل ذلك في وقت يتحدّثون عن أن المقاومة هُزمت في مواجهة إسرائيل. الأهم في هذا السياق، أن الولايات المتحدة تدرك أن حزب الله لا يزال قوة عسكرية قادرة على حماية لبنان من الاحتلال والرد على عدوانه، وأنه لم يكن قريباً من الهزيمة عندما توقفت الحرب، ولو كان الأمر غير ذلك، من منظور واشنطن وتل أبيب، لاستمرت الحرب. كذلك تدرك واشنطن حجم الامتداد الشعبي الذي يستند إليه حزب الله، وصعوبة القفز فوق هذه الحقائق. لذلك، كان لا بد من الحضور المباشر من أجل الضغط للاستمرار من النقطة التي بلغها العدو، عبر تثمير التطورات العسكرية والإقليمية على أمل الوصول إلى الأهداف المرجوّة، ولو بشكل متدرّج. ويبدو أن الولايات المتحدة ترى أن هناك نوعاً من السباق بين الدفع نحو أهدافها، والمتغيرات التي قد تؤثّر سلباً على خياراتها ورهاناتها. وهي تخشى من التزام الرؤساء بمعادلات الساحة اللبنانية وضوابطها لجهة الوفاق الوطني والتمثيل الشعبي، تجنباً لأي اهتزاز يهدّد الاستقرار بكل عناوينه، ما يعني تلقائياً الحضور الفعّال للثنائي أمل وحزب الله، ولبقية المكوّنات، في الحكومة. بغضّ النظر عما ستسلكه مسألة تشكيل الحكومة والقوى والشخصيات التي ستتشكّل منها، فإن المدخل الحصري لتنفيذ المخطط الذي يستهدف المقاومة من أجل استكمال الهيمنة الأميركية على لبنان، يكمن في إنتاج حكومة من دون حضور فعّال للمقاومة. وهو من أهم الشروط لإنتاج سلطة سياسية معادية للمقاومة، ومؤهّلة - من منظور أميركي - للالتزام ببرنامج واشنطن للبنان، بهدف استكمال الحرب الإسرائيلية لتحقيق الأهداف نفسها، بأدوات أخرى، ومن أجل حماية الأمن القومي الإسرائيلي على حساب أمن لبنان وسيادته. أياً كانت سيناريوهات تشكيل الحكومة، وما سيليها، ما ورد على لسان أورتاغوس، وقبلها وزير الخارجية الأميركي، يؤشر إلى أن لبنان قد يكون مقبلاً على صراع حادّ ومكشوف حول استقلاله الفعلي وسيادته في مواجهة الهيمنة الأميركية، بين من يريد جعل لبنان مكشوفاً أمام التهديد الإسرائيلي ومن هو مستعدّ لتقديم التضحيات دفاعاً عن وجوده وأمنه ومستقبله.

ولم يفوّت المتربّصون حدثاً بمأسوية انفجار مرفأ بيروت لاستغلاله بوصم الشيعة أنهم اعتكفوا عن الحزن الوطني (اتهام شارك فيه إعلامي لبناني بارز يعمل في الخليج، قبل أن يحذف تغريدته نتيجة ما استجلبته من إدانات). لكن استكمال مشروع «تهجير الهوية» الشيعية والمقاوِمة لم يكن ليكتمل بدون روافد سياسية، يمكن الحديث عن ثلاثة منها على الأقل: الأوّل، هو اختزال علاقة المقاومة بإيران بكونها علاقة وكالة (وهو ما يعترف كثر من الأكاديميين الغربيين بكونه تعريفاً بدائياً وقاصراً). هذا الاختزال تم توظيفه لإطلاق مقولة «الاحتلال الإيراني» للبنان حين حاز حزب الله وحلفاؤه الأكثرية النيابية بعد انتخابات 2018، وبذريعة ذلك فُرضت ضغوط اقتصادية على البلد من باب التأديب وتدفيع الثمن (المفارقة أن إيران لا يمكنها ابتزاز لبنان أو ترهيبه على عكس قوى المحور المقابل). ثانياً، تصوير المقاومة على أنها معادية لفكرة الدولة ونقيض لها، فيما هي واقعاً لم تنبت إلا لغياب الدولة المتعمّد عن تطبيق نظرية للأمن الوطني تعالج التهديد الصهيوني ولعجز إرادتها السياسية عن توفير مستلزمات ذلك. ثالثاً، تأطير حزب الله بعد عام 2015 بكونه جزءاً من منظومة الحكم بكل موبقاتها، ثم حارساً للمنظومة، ثم أخيراً جعله، مع حليفه حركة أمل، المنظومة نفسها. لكل من الحزبين علاقته بنظام الحكم والسلطة ويصح فيه النقد والاعتراض، لكن النظام السياسي اللبناني وشبكاته الطائفية والمالية أكثر تعقيداً وشمولاً بكثير من دور الحزب والحركة، وهو نظام مستتبع بنيوياً للمراكز الاستعمارية منذ القرن التاسع عشر حتى تاريخه. لكن التعبئة المطلوبة ضد الهوية المقاوِمة أفضت إلى تحويل «الثنائي الشيعي» كأنه الحاكم المستبد في نظام سياسي بسيط ومجتمع متجانس، وهكذا تظهر مواجهة الثنائي على أنها فعل نضالي ثوري وهو ما يدغدغ مشاعر الجماهير الغاضبة والمستثارة. في الواقع، كثر من مطلقي هذا التضليل هم مكوّن محوري في شبكات مصالح النظام الطائفي الداخلية والخارجية والأكثر نفوذاً وانتفاعاً منه. دليل بسيط على ما تقدّم، أنّ بعض خصوم المقاومة ممّن سمّوا رئيس الحكومة المكلف نواف سلام يهاجمونه الآن بشدّة خشيةً من أجندته لإصلاح القطاع المصرفي اللبناني لمسؤوليته الكبرى في الانهيار الاقتصادي اللبناني. بهذه الثنائية الثقافية والسياسية لتهجير الهويتين الشيعية والمقاوِمة تكتمل فصول تحويل مجتمع المقاومة إلى جالية أجنبية في لبنان (من ضمن ذلك تكرار مقارنة تجربة حزب الله بتجربة منظمة التحرير في لبنان). وهكذا يصبح متاحاً استدراج العروض الدولية والإقليمية لتمويل «الحرب على إيران في لبنان». وبما أنه جرى تصوير أنصار المقاومة على أنهم مجرد جالية إيرانية/ أجنبية أصبح «مشروعاً» خطاب الاستقواء بنتنياهو عليهم والشماتة بدمار قراهم والتحريض على قتلهم، بعدما كان ذلك يُعدّ فعل خيانة وانتهاكاً للقيم الوطنية. وثانياً أصبح الجهر بطلب الوصاية الأميركية فضيلة، ولا سيما أنه لم يعد من الممكن نكرانها من فرط بروزها. فبدأت تظهر مقولات عجيبة تشرح العلاقة المتينة بين الاستقلال والوصاية، فلا استقلال للبنان من دون وصاية يُستقوى بها، ولا سيادة للبنان من دون المشاركة في صراع المحاور ضد إيران (ثم يصفّق أصحاب هذه المقولات، حتى تتورّم أيديهم، لمقولة الرئيس المنتخب جوزف عون عن الحياد الإيجابي). ومن المرجح أن أنصار هذه الحملة يراهنون على أنه من خلال تمجيد الوصاية والاستقواء وتكريسهما يمكن إرساء مسوّغات لخطاب التطبيع مع كيان العدو لاحقاً. الأصل في الهوية اللبنانية التنوّع والتعدّد، فهي ينبغي أن تتحدّى كل أشكال التهميش السياسي والاقتصادي والطبقي والمناطقي والثقافي. إنّ فكرة المقاومة والعداء لكيان العدو الصهيوني مكوّن أصيل من الهوية اللبنانية (بمعزل عن المواقف حيال كيفية تنظيم علاقة المقاومة بالدولة)، وهو ما تثبته استطلاعات الرأي المختلفة (بحسب البارومتر العربي لعام 2019، يجد 79% من اللبنانيين أن إسرائيل هي التهديد الأكبر لبلدهم). كذلك هي حال نمط الحياة المحافظ لدى شرائح واسعة من كل الطوائف اللبنانية (ولا سيما خارج مراكز المدن الكبرى)، وليس محصوراً ببيئة المقاومة اللصيقة (البيئة المؤيّدة العامّة للمقاومة هي شديدة التنوّع الثقافي حتى في نمط الحياة اليومية). وختاماً، يلزم التنبيه أن لا تدفع الحملات المعادية للمقاومة تحت ستار «الهوية اللبنانية» إلى ردود فعل عدائية تجاه الانتماء اللبناني. المسؤولية اليوم تقتضي من قوى المقاومة في لبنان ومؤيديها تثبيت مواقعهم وتعزيزها داخل الدولة اللبنانية والثقافة اللبنانية ضمن رؤية منفتحة على التعدّدية الداخلية (الثقافية والطبقية والسياسية والمناطقية) وكذلك على الارتباط المتين بأحوال الجوار والإقليم المأزومين بفعل سياسات الهيمنة الأميركية.وهذا الأمر يستدعي تعزيز المكوّن الاجتماعي والنضالي لمشروع المقاومة بما يسمح بإعادة تشكيل خطوط التنافس المحلّي وفق قضايا حقيقية تخصّ الناس العاديين، وهو تنافس لا بد أن يقع قسم كبير منه داخل بنية الدولة لتطوير وظيفتها الاجتماعية وليس للمغالبة الفئوية. حسام مطر

الإله ترامب: آمنوا بي أو تفنوا! ابراهيم الأمين|الأخبار الخميس 6 شباط 2025 سرت أخيراً نكتة مفادها أن الله أرسل في طلب ثلاثة من الرؤساء الأميركيين. سأل جورج بوش: بماذا تعتقد؟ فأجاب: بحريّة السوق الاقتصادية وأن تكون أميركا الدولة الأقوى في العالم، فاستحسن الربّ جوابه ودعاه للجلوس الى يمينه. ثم سأل باراك أوباما: ماذا عنك؟ فأجاب: أعتقد بقوى الديموقراطية في أميركا وبالمساواة في الحقوق بين المواطنين، فدعاه الله للجلوس الى يساره. ثم سأل دونالد ترامب: وأنت؟ فردّ ترامب: أعتقد بأنك تجلس مكاني! ما يفعله الرئيس الأميركي الجديد يمكن وضعه في خانة الجنون، كما في خانة الأحلام الكبيرة، لكن المؤكد أنه ينبغي أن يوضع في خانة المخاطر التي تحدق بالكرة الأرضية لا بشعب محدّد أو دولة بعينها. ما يجري اليوم في واشنطن ليس سوى الإعلان الأول عمّا ينتظرنا في القادم من الأيام. فالرجل الذي أشهر أمام العالم أنه يقود «قيامة الرجل الأبيض وتسيّده» على الأرض، يتصرّف معنا جميعاً كموظفين كسالى في شركته العالمية التي قرّر أن يعيد هيكلتها بما يناسب مزاجه، باعتباره رب العمل وصاحب المال، وما على الناس سوى الخضوع له. وهو يقول إنه في ما يريد تطبيقه لا يميّز بين قوم وآخرين، وينطبق على الدول المتقدمة والشعوب الفقيرة على حدّ سواء. ومرة جديدة، لا تتمكن أميركا الشر من إخفاء الوجه القبيح، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر ببلادنا، وتحديداً لدى الحديث عن فلسطين. وهو يبلغنا من جديد أن إسرائيل دولة تستحق الحياة والدعم للبقاء على قيد الحياة، ويجب إزالة كل ما تعتبره خطراً عليها من الوجود. لذلك، لم يكن صعباً على ترامب أن يطلق «وعد بلفور» جديداً، بإعلانه أمام أكبر مجرم في التاريخ المعاصر، بنيامين نتنياهو، أنه سيعمل على توسيع مساحة إسرائيل، وأنه لا يعارض - بل يريد - طرد الفلسطينيين من غزة. وهو في ذلك كان مقزّزاً، إذ تحدث عن نقل سكان القطاع الى مكان أكثر أمناً لهم، وتحدث عن الخراب في غزة وكأنّ زلزالاً أصابها أو جرف غضب البحر منازلها، من دون أن يتطرّق الى من تسبّب بكارثة غزة، أو يشير الى دور العدوّ في ما يصيب أهل القطاع. والأنكى ليس ابتسامة مجرم بني صهيون، بل صمت الإعلاميين الذين كانوا يحتشدون في المكتب البيضاوي، والذين لم يجرؤ أيٌّ منهم على سؤاله عمّن تسبّب بالكارثة التي أصابت قطاع غزة حتى صار مكاناً غير قابل للحياة. مشاريع مجنون العصر في بلادنا تقودنا إلى خيار المقاومة من جديد، وأميركا تفتح العالم أمام الفوضى الشاملة المشكلة مع ترامب لا تتعلق بنا فقط. ويبدو أن الصدمة تسود كل العالم، بما في ذلك قسماً كبيراً من الشعب الأميركي نفسه. ومع أن البعض يفسّر ما يقوم به الرئيس الأميركي على أنه طريقه جديدة في التسويق لأفكار قد لا تتحقق، فإن ما عبّر عنه قد يتحوّل في أيّ لحظة الى خطة يجري تنفيذها على الأرض، وعندها سنكون أمام كارثة كبرى، ليس فقط بسبب مخاطر نجاح خطته، بل لأن من غير المنطقي أن يتوقع الرجل، ومعه إسرائيل، وكل الخائفين منه، أن تحصل الأمور من دون مقاومة حقيقية. قبل يومين، كتب عزرا كلاين في «نيويورك تايمز» مقالاً بعنوان «لا تصدّقوه»، حاول فيه شرح كيف يتصرّف الرئيس الأميركي حالياً. واللافت في المقالة إشارة كاتبها الى أنه «كي تفهم الأسابيع الأولى من إدارة ترامب الثانية، عليك أن تستمع إلى ما قاله ستيف بانون، الذي عمل مستشاراً لصياغة الرسائل السياسية مع ترامب في ولايته السابقة. عام 2019، تحدث بانون عن كيفية تعامل ترامب مع الجمهور، معتبراً أن الحزب المعارض هو الإعلام. والإعلام غبيّ وكسول، ولا يستطيع التركيز إلا على شيء واحد في كل مرة. لذلك عليك إغراقه بالأحداث، فكل يوم نرمي لهم ثلاث قضايا. سيمسكون بإحداها، وسننجز كل ما نريده. ضربة، ضربة، ضربة. هؤلاء لن يتمكنوا أبداً من التعافي». ولذلك ينصح بانون بالعمل «بسرعة الرصاصة، وأن يكون الأمر قاسياً». ما أراد كلاين قوله إن ترامب يعمل الآن وفق اقتناع بأن الجمهور يعرف عن عمل الحكومة من خلال الإعلام، التقليدي منه أو الاجتماعي المفتوح، وإذا ما تمّ إغراق الإعلام بمعلومات كثيرة جداً وجعلته يلاحق عدة قضايا في آنٍ واحد، فلن تظهر معارضة متماسكة، وسيكون التفكير بوضوح أمراً صعباً. عملياً، هذا ما يفعله ترامب، بما تنطبق عليه مقولة «ما عم نقدر نلحّق عليه». فخلال أسبوعين فقط من تولّيه منصبه، أصدر مجموعة كبيرة من القرارات التنفيذية التي لا يمكن الإحاطة بها كلها دفعة واحدة، من العناوين الداخلية، الإدارية والمالية، الى القرارات التي تتعلق بالعلاقات التجارية مع الدول المجاورة والبعيدة، إضافة الى خطوات تمسّ العلاقة مع أوروبا والصين، مروراً بملف المهاجرين غير الشرعيين، وصولاً الى واحدة من أعلى ذرواته التي أطلقها أمس بالحديث عن إسرائيل ومستقبل غزة. ويبدو أن ترامب يريد إغراقنا بالأفكار والطروحات، معطوفة على نتائج متفرّقة، بحيث يسيطر على وعي الجمهور من خلال دفع الناس الى الاعتقاد بأن كل ما يطرحه الرجل سيتحقق على الأرض. ربما لا يعرف الأميركيون، الذين يصدّقون الرجل أو يؤمنون به وكذلك الذين يخافون غضبه، أن ما يعرضه مجنون العصر ليس إلا دعوة الى عالم من الفوضى الشاملة. وحيث لا ينفع الكلام مع هذا الصنف من الوحوش، فإنّ ما يجعله يستيقظ هو صوت المقاومة المباشرة... وهذا ما ستراه أميركا في بلادنا، بمعزل عن طبيعة حكامنا وحكوماتنا

واشنطن تصرّح: حاصروا حزب الله وأقصوه تبدو واشنطن هذه الأيام كمن يستعجل فرض معادلات جديدة في لبنان، إذ تسعى إلى إخراج حزب الله من المشهد كلياً، مُستغلّة لحظة عسكرية تعمل على تثميرها سياسياً، بدليل الرسالة المباشرة والصريحة التي حملتها نائبة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس إلى بيروت. وكانَ واضحاً أن الأخيرة أرادت التركيز في رسالتها العلنية على «تطمين» أدوات الولايات المتحدة في لبنان بانخراط إدارتها في عملية التصفية السياسية للمقاومة، حتى لا يخاف أحد، وأطلقت تهديدات مبطّنة للمعنيين بأن هناك تدقيقاً أميركياً في خيارات الحكومة التي حدّدت واشنطن إطاراً واضحاً لها. وعبّرت أورتاغوس بالأصالة عن إدارتها، وبالنيابة عن إسرائيل وحلفاء أميركا من العرب، عن حقيقة المشروع، وتحدّثت بوقاحة لا حدود لها، من على منبر بعبدا، وكأنها تتسيّد الحضور من رأسه إلى أصغر موظف فيه، شاكرة من قلب مقرّ رئاسة الجمهورية «إسرائيل لأنها هزمت حزب الله، ونحن ممتنّون لها». ثم أصدرت أمراً بـ«عدم مشاركة حزب الله في الحكومة الجديدة بأي شكل من الأشكال»، مشيرة إلى «أننا نأمل انتهاء نفوذه في لبنان، وقد انتهى عهد ترهيب الحزب في لبنان والعالم. ويُمكن القول إن المبعوثة الأميركية أتت لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع الحكومة، ولتقول فيه الكلمة الفصل من دون أي قفازات، بعدما تولّت القوى المحلية العاملة لحساب الإدارة الأميركية الضغط في هذا الاتجاه، من خلال محاصرة رئيس الحكومة المكلّف نواف سلام ومنعه من التفاوض مع الثنائي حزب الله وحركة أمل لمنعهما من المشاركة. وحاولت أورتاغوس رسم معالم المرحلة المقبلة التي يُقبِل عليها لبنان ويحكمها قرار بوضع البلاد تحت الإدارة الأميركية المباشرة وفق عنوانيْن: الأول وضع أجندة تنفيذية للقرار 1701 بكل مندرجاته على كامل الأراضي اللبنانية، ومنع تمثيل حزب الله في الحكومة. أورتاغوس التي زارت لبنان على وقع غارة إسرائيلية على البيسارية في الزهراني، وبعد يومٍ عنيف من الغارات الإسرائيلية على لبنان، أشارت إلى أنّ أميركا ملتزمة بـ«انسحاب إسرائيل من لبنان في 18 من الجاري». وأضافت: «نريد أن نعيد لبنان إلى موقع الأمل في الشرق الأوسط والولايات المتحدة»، علماً أنها، بحسب مصادر مطّلعة، «لم تقدّم أي ضمانة للبنان بشأن الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب بعدَ انتهاء مهلة الهدنة التي مُددت حتى تاريخ 18 الشهر الجاري»، ولم تشر إلى «انسحاب» جيش العدو، بل تحدثت عن «إعادة انتشار»! وقد أحرجَ كلام المبعوثة الأميركية القصر الجمهوري الذي أعلن مكتب الإعلام فيه أن «بعض» ما صدر عنها «يُعبّر عن وجهة نظرها والرئاسة غير معنيّة به». وفيما يُفترض أن تلتقي أورتاغوس اليوم رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة المكلّف، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، نقلَ زوار برّي عنه موقفاً حاداً، قائلاً: «ما حدا بيقلنا كيف منشكّل حكومة، نحنا منشكلها بين بعض»، بينما تردّدت معلومات عن نيّة برّي إبلاغها بموقف حاسم في هذا الشأن خلال الاجتماع معها. وعلمت «الأخبار» أن «سلام تلقّى قبل وصول أورتاغوس اتصالين، منها ومن رئيسها ستيف ويتكوف، أبلغاه فيه أن الإدارة الأميركية ترفض إشراك حزب الله في الحكومة ولو بأسماء تكنوقراط». وكشفت المصادر أن «كلام المبعوثة الأميركية ولّد مشكلة جديدة في ما يتعلّق بالتشكيلة الحكومية، حيث أبلغ ثلاثة أشخاص ممن سماهم سلام لتوزيرهم تراجعهم عن القبول بالمهمة، وعبّروا عن تردّدهم، خوفاً من التداعيات التي ستطاولهم في حال كان حزب الله جزءاً من الحكومة، بينما لا يزال سلام ورئيس الجمهورية جوزيف عون يحاولان إقناعهم بالتراجع عن القرار» الأخبار

عرب أميركا وثمن الصمت على الجريمة ابراهيم الأمين ا جريدة *الأخبار* ليس عادياً ما يحصل هذه الأيام في الأردن ومصر والسعودية. الوضع ليس متطابقاً في البلدان الثلاثة، لكن الأساس واحد، لجهة كيفية التعامل مع الحرب الإسرائيلية على غزة والفلسطينيين. وكما هي الحال في لبنان، حيث يواجه أنصار الولايات المتحدة معضلة «الحصاد»، يجد حكّام هذه الدول أنفسهم أمام اختبار التعايش مع النتائج التي تريدها أميركا و«إسرائيل» للحرب المجنونة ضد غزة والضفة الغربية. في فلسطين، يتصرف المقاومون على أساس أن الحرب قائمة. ولذلك، لم تنتقل المقاومة إلى مربع آخر مع التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار. بل تصرفت، ولا تزال، على أن الميدان هو الحاكم. وقد تعمّدت «حماس» أن تقول للعالم إنها موجودة وباقية وقادرة على مواصلة المعركة. وهي حتى في طريقة إدارتها لملف الأسرى، تأخذ في الحسبان باحتمال استمرار الحرب، وبأن العدو الذي لم يعترف بفشل أهدافه الكبرى متوثّب للعودة إلى القتال. الأميركيون - ومعهم «إسرائيل» - يتصرفون على أن النظام الرسمي العربي مستفيد من ضرب المقاومة في لبنان وفلسطين. لكن التغوّل «الإسرائيلي» لم يعد يقف عند حسابات الآخرين. وإذا كان صحيحاً أن «إسرائيل» كانت سابقاً مستعدة لدفع أثمان مقابل تطبيع أوسع يشمل السعودية، إلا أنها بعد الحرب، تتصرف - برعاية أميركية - على قاعدة أنها هي من يجبي أثمان الحرب، وأولها إسقاط فكرة حلّ الدولتين من النقاش. ثم أتى دونالد ترامب ليجعل القضية الفلسطينية مجرد مشكلة إنسانية، ويجد الحل بنقل الفلسطينيين إلى مكان آخر، وتدبير أمور عيشهم بعيداً عن بلادهم. يتعامل ترامب مع الأمر على أنه نتيجة طبيعية للحرب. وعندما يتعمّد تجاهل مرتكب الجريمة التي أدّت إلى جعل غزة مكاناً غير صالح للعيش، فهو يفترض أن «إسرائيل» قامت بالدور المطلوب منها، وحان دور الآخرين لإنجاز المهمة. وبالتالي، لا يقيم ترامب وزناً لأي نقاش حول ما يسميه النظام العربي «مستقبل الحل». وقد تكون هذه مناسبة لتذكير جماعة «اليوم التالي»، بأن غرقهم في هذا البحث طوال الفترة الماضية، تحوّل إلى سياق يناسب الإستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية القائمة على أن ما كان قبل الحرب انتهى إلى غير رجعة، وأن فكرة وجود غزة باتت من الماضي. تقول «إسرائيل» اليوم إن أمنها لم يعد قابلاً للتحقق عبر ترتيبات أمنية وسياسية، بل بتغيير جذري. وقد عبّر أحد المعلقين الصهاينة عن الأمر بصورة واضحة في مقابلة على إحدى القنوات «الإسرائيلية»، إذ قال للمذيع: «هل سمعت عن قصف بالصواريخ من عسقلان تجاه أسدود؟». رد الأخير باستغراب: «كيف يمكن أن يحصل ذلك؟»، فقال المعلق: «من حقك أن تستغرب السؤال، إذ كيف يمكن أن تنطلق صواريخ من مكان لا يوجد فيه فلسطينيون؟ وبالتالي، فإن الوصول إلى وقت لا تنطلق فيه صواريخ من غزة يقتضي أن تصبح غزة كعسقلان، خالية من الفلسطينيين»! غليان في ديوان ملك الأردن، والسيسي وابن سلمان قلقان، والعرب أمام تحدّي مواجهة خطة التهجير بخطة تحويل غزة إلى مكان صالح للحياة اليوم، يجد حكام مصر والأردن والسعودية أنفسهم وقد حشرتهم أميركا في زاوية ضيّقة جداً. في عمّان، يدبّ الهلع في القصر، حيث يلمس الملك ويسمع مباشرة بأن المطلوب منه إجراء تغيير كبير، فإما أن يسير في عملية تحويل الأردن إلى دولة للفلسطينيين، أو سيكون مصير نظامه قيد البحث. ويشعر الملك وحاشيته بأن انهيار النظام أمر وارد، وهو يرى تداعيات ما حصل في سوريا. وقد سمع من الأميركيين كلاماً مباشراً عن تغيير كبير طرأ في السنة الأخيرة، وأن عليه الشروع في إصلاحات ليست لتحسين أوضاع شعبه، بل للدخول في مرحلة انتقالية قبل تحويل الأردن إلى دولة تناسب الفلسطينيين. وفي وضعية الملك اليوم، تبدو خياراته ضيّقة. فهو يحاول تقديم نجله كبديل للحفاظ على العرش الهاشمي، مع تغييرات داخلية، ولا إجابة لديه عن سؤال الأميركيين: كيف ستجعل الأردن دولة للفلسطينيين؟ يجري ذلك في ظل صلافة أميركية لا حدود لها. عندما حدد موعد اللقاء بين ترامب وعبدالله، سعت عمّان إلى خلق ظروف تحدّ من الإحراج الذي يتسبب فيه الموقف الأميركي، سيّما أن الموعد لم يُحدد إلا بعد زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، وإطلاق ترامب وعده بتهجير غزة. مع ذلك، حاول ملك الأردن أن يجعل الأمر أقلّ استفزازاً. وعندما وصل إلى العاصمة الأميركية، نشطت السفارة الأردنية لإبعاد وسائل الإعلام، وتولّى مسؤولون أردنيون التواصل مع البيت الأبيض سعياً إلى تفاهم على ذلك. وفهم الأردنيون أن الأميركيين وافقوا على الطلب، ما دفعهم إلى التواصل مباشرة مع الإعلاميين في البيت الأبيض وإبلاغهم بأنه لن يكون هناك مؤتمر صحافي ولا كلمات في الاجتماع. غير أنّ ترامب لم يهتم بالوقوف على خاطر الرجل المنهك، فطلب إدخال الصحافيين، وعمد إلى إحراجه وإهانته أمام الصحافيين، فيما بدا ملك الأردن في أضعف حالاته، فما كان قادراً على التعليق، وظل يخطب ودّ «قائد العالم الحر» طوال الوقت، وحاول الهروب من الأسئلة بإحالتها إلى الاجتماع العربي. وبعد خروجه من البيت الأبيض، انهالت الاتصالات التي تدعوه للقيام بأي خطوة، فأصدر مساعدوه بياناً على شكل تغريدة أعادوا فيها تثبيت الموقف من رفض تهجير الفلسطينيين. في القاهرة، لا يختلف الوضع كثيراً، لكنّ مصر ليست الأردن. وقد وجد الرئيس عبد الفتاح السياسي أن من الأفضل عدم التعرض للإحراج أساساً، فبدأ في إرسال إشارات حول تأجيل موعد زيارته للعاصمة الأميركية، ثم الحديث عن رهنها بتراجع ترامب عن مشروعه لتهجير أبناء غزة، قبل أن يدعو إلى قمة عربية عاجلة لإصدار موقف عربي جامع يتسلّح به في مواجهة الخطة الأميركية. فيما يشهد الشارع المصري غلياناً، ليس تضامناً مع الفلسطيين فقط، بل لشعور المصريين بأن بلادهم مهددة هذه المرة بصورة مباشرة. ويبدو واضحاً أن الحكم في القاهرة مهتم أيضاً بتعبئة الشارع، وصولاً إلى الحديث عن احتمال وقوف النظام خلف تظاهرات شعبية كبيرة في كل محافظات مصر رفضاً لمشروع ترامب. في السعودية تبدو الصورة أكثر ضبابية. فالرئيس الأميركي لم يعدل في نظرته إلى المملكة كمجرد «دجاجة تبيض ذهباً»، عليها أن تدفع له مقابل الحماية التي يقدمها، سواء لاستقرار حكم محمد بن سلمان داخلياً، أو في مواجهة من تعتبرهم الرياض أعداء الخارج. والواقع أن السعودية تعيش قلقاً جدياً إزاء الوضع في كل المنطقة بعد الحرب على غزة ولبنان، وبعد التغيير في سوريا. وقد عبّر مسؤولون في الخارجية السعودية صراحة، أمام وفود عربية وأجنبية، بأن التطبيع مع «إسرائيل» ليس وارداً ما لم تقرّ بحل الدولتين. وفيما تتصرف السعودية وكأن الأمر يتعلق بمشكلتها مع «إسرائيل»، فإن التحدي صار مختلفاً مع تولي ترامب الأمر بأكمله، إذ يريد من السعودية استقبال الفلسطينيين أو تمويل مشاريع توطينهم في الأردن ومصر ودول إسلامية في أوروبا الشرقية. ما يتجاهله حكّام النظام الرسمي العربي اليوم أنهم يدفعون ثمن صمتهم عن الجريمة الكبرى التي تُرتكب بحق أبناء غزة، وتصفيقهم - بل ومساعدتهم - للعدو في حربه ضد المقاومة في فلسطين ولبنان، وتصرفهم بأن هذه الحرب تستهدف عدواً مشتركاً لهم و«لإسرائيل». أكثر من ذلك، فإن تقاعس هذه الدول عن لعب دور محوري في إعادة إعمار غزة، وجعلها مكاناً صالحاً للحياة، لم يتبلور بصورة جدية بعد. ويبدو أن العرب الذين يستعدون لإنفاق 1500 مليار دولار في استثمارات في الولايات المتحدة في السنوات الخمس المقبلة، ليسوا على استعداد لصرف 50 مليار دولار لإعادة إعمار غزة وجنوب لبنان. وهم يعرفون، عملياً، أنهم سيدفعون الثمن مرتين، مرة عندما راهنوا على العدو وصمتوا عن الجريمة، ومرة أخرى عند محاولة تجنّب الغضب الأميركي القائم حالياً. «لعنة فلسطين» لا تصيب الصهاينة والأميركيين فقط، بل كل من يعتقد أنه قادر على العيش آمناً بعيداً عن واجب المقاومة، ليس من أجل أهل فلسطين، بل من أجل كل من يعيش في منطقة يوجد فيها كيان مثل «إسرائيل»!