
✍️ القاصّ إبراهيم حافظ
167 subscribers
About ✍️ القاصّ إبراهيم حافظ
هنا بعض بعضي ولا بأس!
Similar Channels
Swipe to see more
Posts

*لحظة فارقة* من أكبر الصدمات العنيفة التي تلقيتها في صباي: رحيل شقيقي (ناصر) بعد معاناة ثقيلة مع المرض طيلة حياته الطويلة التي لم تمتد لأكثر من ستة أشهر! ولد مريضا ضعيفا في بدنه الصغير بعيب خلْقي نادر يجعله موضع شفقة وقلق عليه من الوالدين، عانيت مع أمي في تمريضه والسهر عليه؛ لأني بكرها الذي يساعدها في كل شؤون المنزل. أحبته أمي كما لم تحب غيره من بنيها وبناتها رغم تعبها الشديد في رعايته والعناية به. كانت تقول عنه لفترة طويلة: - كان أكثركم وسامة ووداعة، وربما لو عاش لكان أكثركم بِرًّا بي. في ليلة ليلاء غريبة أيقظتني أمي. يضيء الغرفةَ مصباح خافت، إخوتي نيام إلى جواري، خالاتي يتوزّعن في أنحاء الغرفة يتهامسن، لا يظهر منهن غير وجوههن، يتلفّعن بسواد الحجاب. متى جئن؟ ما الذي جاء بهن في هذا الوقت المتأخر؟ ما الذي يفعلنه عندنا؟ من يهتم بأسئلتي يومئذ بحضرة هذه الرهبة المخيمة على الغرفة؟ قالت لي إحداهن: - قم وودِّع ناصر، سيأخذونه بعد قليل. لم تبين لي لماذا أودّعه؟ وأين يأخذونه ولماذا؟ قمت وخرجت، وإذا البيت مليء بأعمامي وأخوالي. ما الذي جاء بهم؟ وماذا يفعلون هم أيضا؟ رأيته راقدا على نعش خشبي، هادئا مطمئنا لا كما عهدناه باكيا منزعجا مضطرب الأنفاس، تلمع قطرات لؤلؤية على جسده الساكن الذي ازداد بياضا وصفاءَ لون. لماذا لا يتحرك شيء منه قط؟ جامد كالصخر بارد كالثلج حين لمسته. تعاون خالي وعمي في لفّه بقماش أبيض، غطّوه كاملا، حجبوا وجهه داخل القماش، ربطوا ربطتين فوق رأسه وتحت قدميه. لماذا يغطّونه هكذا؟ كيف سيتنفّس الآن؟ يحملونه ويغادرون به البيت خاشعين واجمين، أعود إلى الغرفة الخافتة، تضجّ أمي وخالاتي بالبكاء، يعلو نحيبهن، يستيقظ إخوتي مفزوعين مستغربين، هل أدركوا أنهم استيقظوا لتوهم أو ظنوا أنهم يستغرقون في كابوس مزعج مخيف؟ بعد خمس وثلاثين سنة من رحيله مازلت أنا وأمي ننتظر عودته ذات لحظة فارقة.


*نصف قصة* أيقظت ابنتي للمدرسة، أعددت لها الفطور، أيقظت أخاها ليذهب مشيا، أوصلتها إلى باب المدرسة. عدت أوقظ الأم المريضة، أيقظَتْ طفلنا الرضيع، حملناه إلى المركز الصحي لأخذ التطعيم: - حجزتم موعدا؟ - نعم. - للأسف، لا يتوفر تطعيمه الآن، عودوا في الأسبوع القادم. - لماذا تعطوننا موعدا لتطعيم غير متوفر؟ نمرّ بمدرسة الابن، نستأذن في إخراجه، وبمدرسة البنت لإخراجها. نذهب إلى مراجعة الأم في المستشفى، ننتظر ساعة، يحين دورها، تخرج من عند الطبيبة بقائمة تحاليل، أدفع قيمتها، ننتظر نتائجها ساعة أخرى، نخرج بقائمة أدوية يجب أن نشتريها. نمر بمحطة بنزين ونتزود، نأتي إلى مراجعة الابن في المستشفى، يضعون في عينيه قطرات الفحص كل ربع ساعة، ننتظر ساعة ثالثة، نخرج بالمقاس المطلوب لتفصيل نظارات طبية له. نمر بمحل النظارات في طريقنا إلى البيت. نسمع أذان الظهر، أحسب الساعات التي مضت في كل هذه المشاوير الثقيلة، والمبالغَ التي صرفت في كل هذه الاحتياجات الضرورية، أجدني شبه مفلس، أهمّ بدخول البيت، تتداركني أم الأولاد: - لا تنس أبا فلان، آتنا غداءنا من المطعم، لقد لقينا اليوم نصبا، ولا طاقة لنا بالطبخ. أتحول إلى المطعم، أستلم الطلب، أتحسس جيبي، أغادر فارغ اليدين، لا أجرؤ على دخول البيت، يرن الجوال بإلحاح، لا أجرؤ على الرد.


*فواصل منقوطة* *نوايا* دُرتُ لألتقط لها صورة؛ صارتْ عدساتنا في مواجهة بعضها. *هدوء* كلما طرقتُ بالليل بابًا جديدا لم أطرقه من قبل؛ أصدر صريرا غريبا يصيبني بقشعريرة. *أثَر* منذ هجرتْني لم تعد تلك الصخرة التي كنا نقتعدها معًا بمحاذاة الشاطئ؛ ملساءَ ناعمة. *نفوذ* كل أحلامي أراها بوضوح مؤخرا بكل تفاصيلها الصغيرة؛ بفضل استعادتي لقدرتي المتميزة على النوم العميق. *تفاهم* هي لم تجرؤ أن تخبرني، وأنا لم أجرؤ أن أسألها؛ بقينا متواجِهَين بشُرفاتنا. *فراغ* الحِكَم التي كنت أتباهى بالتزويق في صياغتها؛ لم تعد قابلة للاستفادة العملية منها حتى من قِبل الآخرين. *بينهما* - إن لم أكن أنا أنتِ؛ فمن تكونين؟


*سوّاق* لم تسعها الفرحة، أخيرا أصبحتْ معلمة قرآن، تتجهّز بحماس، تنطلق إلى حلقتها باكرا. بعد عدة أيام.. تعكّرت فرحتها، وذوت حماستها بسبب الانتظار الطويل لمن يوصلها ذهابا وإيابا، أحيانا يعتذر متأخرا، فتغيب عن الحلقة. سألت زوجها: - هل توصلني؟ - أنا مشغول. - خذ الأجرة، أنت أولى من الغريب. - كم يأخذ منك؟ - خمس مئة. اكتملت فرحتها تماما، ارتاحت من طول الانتظار، صار يوصلها مشكورا (مأجورا) دونما تأخير أو غياب. *تسابق* طلقها زوجها، أخذ طفلا منها، صرخ في وجهها: - عودي من حيث جئتِ. عادت بطفلها الآخر إلى أبيها، أخذه منها وصرخ: - عودي إلى حيث كنتِ. في المنتصف بينهما ماتت بحادث، أسرعا إليها يجرجران طفلَيْها. *قناعة* عاش في أسرة كبيرة، كثيرة الخصام والشقاق، كره الزحام، اكتفى بإنجاب ولدين، أرغم زوجته على استئصال الرحم، في طريق العودة من المستشفى وقع حادث، مات ولداه.


*ميعاد* لِمَن تطفو.. يا ذا القارب في الموعد نفسه.. كل صباح؟ تبقى هنا.. منتظرا وحدك.. طيلة ساعات النهار؛ حتى إذا غربتِ الشمس مودِّعة؛ غُصتَ إلى القاع غضبانَ أسِفا..

*إن سألتم عن جواري!* .. فهو شهراني، ودود! بل من أنبل الجيران وأوفاهم لجاره. رزقنيه الله جارا يسكن به قلبي؛ قبل أن يرزقني دارا أسكن فيه إلى جواره! 💌 كلما احتفل مع أهله وولده، واجتمع بهم شمله، وعاد بناته من مغتربهن الدراسي؛ صور أجواء الفرحة في بيته من وسط الاحتفال؛ يحتفل هو بنجاحهن، ويحتفلن بفوزه بالماجستير، صوّر وأشركني أجواء الفرحة عبر الصور النزيهة. وكلما ازدانت مناسبة مثلها في بيتي صورتها له، وأشركته فيها معي. 🖼️ وكذا الأهلون والولد، يتبادلون ودا بود، وحسن جيرة بمثلها. 💞 إن رُزقت جارا كأخ لم تلده أمك؛ فأكرم جواره كأكرم ما تبرّ به أخاك. 🫂 آها.. نسيت أن أقول: ولا ينسى أن يكرمنا ويرسل إلينا بعض ما على سفرتهم من الأطايب واللذائذ؛ لتكون المشاركة في الفرحة كاملة: مثلا بمثل، وأكلا بأكل! 😋

*أبي* سعيدا عاش بيننا، وظنُّنا.. أنه كان يحبّ الصيد معنا. وحين اصطاده الموتُ من بيننا، وغاب ظلُّه عنا؛ أدركنا وأيقنّا.. أنه كان يصطاد ضحكاتِنا! لماذا تأخرنا؟ ما عاد الآن منها.. شيء لنا..

*تجاعيد* أمَا يكفيك يا زمنْ.. ما تنقشه بداخلي.. من أخاديد المِحنْ؟

*ظل* لا تلوموني، هي التي طلبت أن نتبادل الأدوار؛ لتجرب حياة المشردين في الشوارع، وأنا لم أزد على أن وافقت. ومن حينها تتتبعني أينما توجهت؛ أملا في استعادة تجربتها السابقة.

*وَيْ!* إيهِ نفسي، يا ويحَكِ ثم وَيْ! يا ويلتا.. هربتُ مني إليّ؛ إذْ لم أجدْ.. أحنَّ مني عليّ! طـالـبًا.. راحتي مثلَ كلِّ حيّ.. وهـأنـذا.. معَذَّبًا بين يديّ!